المساجدُ في ميزانِ الإرهاب 2014م- 2017م

  • | السبت, 2 ديسمبر, 2017
المساجدُ في ميزانِ الإرهاب 2014م- 2017م

سيظلُّ الإرهاب أقوى وأسوأ أدوات التدمير على كل المستويات، هو تلك الفِعال الوحشية والإجرامية التي من شأنِها خلق أجواء من الخوف، وبث الذعر والهلع في نفوس البشر، وزعزعة الأمن والاستقرار، ومحاولة وضع العالم فوق فوهة بركانٍ من الخراب آيل للانفجارِ في أية لحظةٍ. ولا يخفى على أحدٍ أنَّ الإرهاب له أهدافٌ كثيرة منها ما هو سياسي وأيديولوجي، وهو أولًا وأخيرًا استهداف متعمد للآمنين أو تجاهل لسلامةِ المواطنين، وأهم ما يمكن أن نوردَهُ هنا هو أن هذا الطاعون لا يُفَرِّق بين أتباعِ الديانات المختلفة، فأصبح ضحاياهُ كُثُر من المسيحيين وبات الضحايا المسلمون لهم نصيب الأسد من الاعتداءات الإرهابية التي تنهشُ في لحمِ العالم، وتنخرُ في عظامِه بُغيةَ تركِهِ جثةً هامدةً لا تقدرُ على شيء. جديرٌ بالذِّكْرِ أن هذا الوباء يعود إلى ثقافة الإنسان المتمثلة في الهيمنة على الأمور بأي وسيلةٍ كانت، حتى وإن تعارضَ هذا مع الأعراف والمفاهيم الاجتماعية الثابتة. هذا العمل المَهينُ المُشين، الذي تقوم به أو تتبناهُ بعض الجماعات لا تعرفه الأديان ولا تُقِرُّهُ الأعراف؛ لذا أصبح إحداثُ الهَرَج والمَرَج ديدنًا لهذه الجماعاتِ الإرهابية التي لم يَطُل أذاها البشر فحسب بل طالَ كلَّ شيء. ونشيرُ هنا إلى أنَّ التطرفَ الفكري وعدمَ استطاعةَ مَنْ تبنوه مِنْ بثهِ في العقول هو السبيلُ الأهم والأخطر الذي يقودُ للإرهاب.

ولا تزال الجماعات الإرهابية تلك ماضيةً في غَيِّها، لا تسيء بما ترتكبه من جرائم ومن آثام إلى نفسها فحسب، بل تسيء إلى دين من أرقى الأديان السماوية، دين يدعو إلى التسامح والإخاء والتعاون والسلام، فقد قامت هذه الجماعات، بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية التي تَبْرأُ إلى الله سبحانه وتعالى من فِعالِهِم، بترويع الآمنين، ومحاربة المسالمين، فرمَّلوا الزوجات، ويتَّموا الأطفال، فكم خرَّبوا من عامر وكم نقضوا من قائم.

ولم يقتصر الأمر على المخالفين لهم في العقيدة من المسيحين واليهود، بل قاتلوا حتى المسلمين حتى جعلوا منهم أكثر ضحايا أعمالِهِم الوحشية ومجازرهِم التي هي بمنأى عن الرحمةِ والصبغةِ الإنسانية، فدمَّروا عليهم بيتَهم، وبوَّروا لهم أرضَهم. ولقد وصل التمادي بهذه الجماعات الإرهابية أن كان من آخر مآسيها، بعد استهدافِ الكنائس، قتل الرُّكع السجود في بيوت الله؛ لا يردعهم في ذلك رادع من إنسانية أو أخلاق أو دين. فالله سبحانة وتعالى يقول: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (سورة البقرة – 114)  ولعل الله سبحانه وتعالي قد ختم على قلوبِهِم فلم يسمعوا ولو سمعوا لن يفقهوا كأنَّهم خُشُبٌ مُسَنَّدَة.

والغريب أنَّ استهدافَ المساجد ليس وليد اللحظة، بل إنَّه يُعَدُّ من أهم إستراتيجياتِهم التي يرونَ فيها أن من يخالفُ أيديولوجياتِهم يجبُ قتلَهُ والتنكيل به ليكون عبرةً لغيره.. لذا سنُعَرِّجُ، فيما يلي، على التسلسل الزمني التنازُلي للهجمات التي استهدفت المساجد في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأربع الأخيرة (2014م – 2017م)، والتي تبنتها الجماعات الإرهابية:

ففي مصر مثلًا وبالتحديد في  25 من شهرِ نوفمبر 2017م، تم استهدافُ مسجدٍ بشمال سيناء، أثناء تأديتِهم لصلاةِ الجمعة، وقُتِلَ به أكثر من 300 وأصيبَ آخرون.  

وفي الوقت الذي لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن هذا الهجوم الدموي، فقد أوضحت النيابة العامة في بيان لها أنه : "مع بداية خطبة صلاة الجمعة في مسجد الروضة (...) فوجئ المصلون بمجموعة من العناصر التكفيرية، الذين يرفعون أعلام تنظيم داعش، حيث كانت أعدادهم تتراوح بين 25 و 30 شخصا".

أمّا كندا، ورُغْمَ اعتبارِها من أكثرِ بلدانِ الغربِ تسامُحًا وقَبولًا للآخَر، فلم تسلم من الجرائم الوحشية التي استهدفت المركز الثقافي الإسلامي بكيبك في  يناير 2017م وأسفرت عن مقتل 6 وإصابة 8. حيثُ قامَ رجلٌ مُسلَّحٌ، كندي الجنسية، ومعه اثنانِ آخران، بفتحِ النار على المسلمين الحاضرين بالمسجد وإسقاط هؤلاء الضحايا. ومنفذ الهجوم هو الإرهابي الكسندر بيسونيت طالب في العلوم السياسية يبلغ من العمر 27 عامًا، وكان معروفًا بنزعتة القومية المتطرفة ومعاداته للأجانب، والذي تم إلقاءُ القبض عليه مع أحد الاثنين الآخرين.

وبالنسبةِ لأفغانستان، فقد ضربها حادثان بمسجدين مختلفين في عامٍ واحد (2016م). أسفرَ ثانيهُما، الذي وقع في 21 أكتوبر بمسجدٍ شيعيٍّ "باقر العلوم" في كابول، وكان عبارة عن هجومٍ انتحاريٍّ، عن مقتل ما يزيد عن 27 وإصابة 35 آخرين. وقد وقع هذا الهجوم خلال أحد الاحتفالات الدينية الكبرى، حيث تحتفل الطائفة الشيعية في هذا اليوم بالأربعين الذي يحدد نهاية 40 يومًا من الحداد على ذكرى وفاة الإمام الحسين. وتبنى تنظيمُ داعش هذا الهجوم.  

واستهدف الهجومُ الأول، والذي وقع في 11 أكتوبر، أي قبل الحدث الثاني بعشرةِ أيامٍ فقط، مسجدين للشيعة في كابول أيضًا خلال احتفالات عاشوراء، ووفقًا لآخر إحصائية رسمية فقد أودى الهجوم الأول على مسجد "كارت ساخي" الواقع في حي الجامعة غرب العاصمة عن مقتل 14 وإصابة 36 آخرين من الذين تجمعوا للاحتفال بهذه المناسبة التي تُعَدُّ الأهمَّ في التقويم الشيعي. وكان تنظيم داعش قد تبني الهجوم أيضًا. أمَّا المسجدُ الثاني فهو مسجد "شاريار"  في بلدة كارت شار؛ ولم ترد أي تقارير عن سقوط ضحايا في هذا الهجوم.

وتأتي بعد ذلك السعودية لينالَ الإرهابُ، في 6 أغسطس 2015م، من أحدِ مساجِدِها وهو مسجدٌ للقيادة العامة للقوات الخاصة السعودية –وحدة تابعة لقوات أمن المملكة- في جنوب البلاد. وكان الهجوم قد أسفر عن مقتل 15 وإصابة ما يقرب من 10 آخرين. ويُعَدُّ هذا الهجوم الذي أودى بحياة 12 من رجال الشرطة أحد أشد الهجمات دمويةً والذي استهدف قوات الدفاع، وفي بيانٍ لولاية الحجاز فرع تنظيم داعش أكَّدَ التنظيمُ أن الهجوم نفَّذه انتحاريٌ معروفٌ باسم أبو سنان النجدي الذي فجر حزامَهُ في المسجد الواقع في أبها في منطقة عسير.

وفيما يخُصُّ استهدافَ مساجد باليمن، فقد كان هناك ثلاث هجمات انتحارية، في 20 مارس 2015، استهدفت مساجد بالعاصمة صنعاء والتي كانت تسيطر عليها مليشيات الحوثيين الشيعة، وأسفرت عن مقتل 142. ووفقًا لما ذكره مسئول من وزارة الصحة أصيب ما يزيد عن 351، كما شوهد في موقع الحادث مجموعة من الجثث المتفحمة وبرك من الدماء. وكان تنظيم داعش قد أعلن مسئوليته عن الهجمات عبر البيان الذي نشرته على شبكة الإنترنت ووقَّعَ عليه فرع تنظيم داعش في اليمن.

ولم تسلم باكستان من هذه الهجمات الاعتدائية، ففي 30 يناير 2015م، قُتِلَ أكثرُ من 61 في هجومٍ على مسجدٍ للشيعة في مدينة شيكاربور جنوب باكستان أثناء أداء الصلاة، وأصيبَ العشراتُ. ويُعَدُّ هذا الهجوم الأكثر دموية منذ ما يزيد عن عام من أعمال العنف المجتمعي التي تنخر في البلاد. وقد أعلنت جماعة جند الله -فصيل منشق عن طالبان- مسئوليتَها عن الهجوم.

ولم تنجُ نيجيريا من هذا الوباء الذي استهدفَ، في 28 نوفمبر 2014م، المسجدَ الكبيرَ ببلدة كانو بنيجيريا وقت أداء صلاة الجمعة. وبحسب إحصاءات جهات الإغاثة فقد لقي ما لا يقل عن 120 مصرعَهم، وأصيبَ 270. وقالت الشرطة إنَّ الهجومَ قد نفَّذه انتحاريان ومسلحان. كما ذكر العديدُ من شهود العيان أنَّ ثلاث هجمات انتحارية وقعت في ساحة المسجد الكبير وفي الشارع المجاور للمسجد، وبعد ذلك صرح إيمانويل أوجوكو المتحدث باسم الشرطة النيجيرية أنَّ "مجموعة مسلحين قد فتحوا النار حتى على أولئك الذين يحاولون الفرار". كما أضاف أنَّه قد قامت الحشودُ الغاضبةُ بقتل أربعة من الإرهابيين، بينما تمكن الآخرون من الفرار.

وبدأت هذه السلسة من الاعتداءات الإرهابية على المساجد في 22 أغسطس 2014م عندما قُتِلَ 70 في هجومٍ على مسجدٍ للسُّنةِ " مصعب بن عمير" في العراق. وبحسب ما أفاده ضباط وأطباء عراقيون قامت عناصر من المليشيات الشيعية بمهاجمة مسجد للسنة في شمال شرقي العاصمة بغداد مما أسفر عن مقتل 70 على الأقل وإصابةِ 20. وذكر ضباط بالجيش والشرطة أنَّ الهجوم على هذا المسجد قد وقع بعد مقتلِ مجموعة من المليشيات الشيعية في اشتباكات وقعت في نفس المنطقة، في حين ذكرت مصادر أخرى أن قنبلة قد استهدفت دورياتهم.

ومن خلالِ ما تم تناوله في هذا التقرير، يمكننا القولَ بأنَّ استهداف دور العبادة التابعة لمختلف الأديان قد أصبحَ إستراتيجيةً واضحة للتنظيمات الإرهابية منذ سنوات، وهذا يعني أنَّ الإرهابَ ليس له دين ولا يعرف الحقَّ.  

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.