مسلمات الهند والطلاق الثلاثي

  • | الأربعاء, 20 ديسمبر, 2017
مسلمات الهند والطلاق الثلاثي

     شغلت قضية "الطلاق الثلاثي" الرأي العام الهندي خلال الفترة الأخيرة؛ حيث نشبت معركة، بين هنديات مسلمات، تساندهن مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية العاملة بالهند، بالإضافة لعدد من رجال السياسة، من جانب، والجماعات الإسلامية من جانب آخر، المدعومة ببنود قانون أحوال مسلمي الهند الشخصية، الذي يُقر وقوع الطلاق الثلاثي (أنتِ طالق طالق طالق) ولا يقننه بما يحفظ حق المرأة الهندية المسلمة - حسب ما تراه المتضررات منه – .

تعود تفاصيل هذه القضية إلى فترة سابقة، عندما انتشر الطلاق الإلكتروني داخل المجتمع المسلم بالهند، حيث تم تسجيل عدد كبير من حالات الطلاق، والتي يقوم فيها الزوج برمي اليمين ثلاث مرات على زوجته عبر الشبكة العنكبوتية ووسائل تواصلها الاجتماعي المختلفة، أو حتى عبر الهاتف الجوال وتطبيقه الشهير "واتس آب"، فضلًا عن التزايد المستمر في حالات الطلاق الشفهي في الحياة الواقعية.

ويرمي الزوج يمين الطلاق بصيغته الثلاثية، حتى في غياب زوجته، ويخرجها من حياته دون أن يكفل لها حقوقها الأساسية والمنصوص عليها شرعًا؛ حيث ذكرت إحدى النساء الهنديات أن زوجها قد اعتاد ضربها وسبها، وتطور معه الأمر لطردها من منزلها، وعندما ذهبت لمركز الشرطة من أجل تقديم شكوى ضده، قام الضابط بالاتصال به، فطالبه الزوج بإعطاء زوجته السماعة، ورمى عليها يمين الطلاق ثلاث مرات، وانتهت قصتها معه إلى الأبد.

هذا التزايد في عدد حالات الطلاق والذي تضيع بسببه حقوق المرأة المسلمة، جعل "زكية سومان" الناشطة في إحدى المجموعات المناوئة للطلاق الشفوي مؤسسة (حركة مسلمات الهند: Bharatiya Muslim Mahila Andolan BMMA) لرفع قضية أمام القضاء الهندي تطالب فيها بتجريم ومنع الطلاق الثلاثي؛ لأنه غير إسلامي، والدليل أنه قد تم حظره في عددٍ من الدول الإسلامية.

تقول "سومان": "يُسمح للجماعات الدينية المختلفة في الهند بتنظيم أحوال المسلمين الشخصية والخاصة بالزواج والطلاق وغيرهما حسب القانون الذي كان يعمل به في ظل الحكم البريطاني؛ لهذا وجد قانون أحوال مسلمي الهند الشخصية والذي لا ينص القانون على وجود حد أدنى لسن الزواج، ولا كيفية وقوع الطلاق، ولا تعدد الزوجات، ينص فقط على تحكيم الشريعة الإسلامية، لكن أي شريعة؟ وشريعة من؟ ... إن القائمين على هذه اللجنة مجموعة من الرجال المنتمين لعدد من الجماعات الدينية، وأشك في مقدرتهم على الفهم الصحيح لأحكام القرآن والسنة ومعاني الحقيقية للإحسان والحكمة... القرآن نفسه لم يرد فيه ذكر لفظ الطلاق الثلاثي. والزواج في الإسلام عقد اجتماعي يعطي حق الطلاق لكلا الزوجين... وعندما يسمح بوقوع الطلاق فهو يسمح به بشرط أن يكون عادلًا ومنصفًا لكلا الطرفين".

لم يقتصر الأمر على البعد القانوني، بل أخذت القضية أبعادًا أخرى، منها البعد السياسي؛ خاصة مساندة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" المسلمات المطالبات بتجريم هذا الأمر، وحث الحكومة على ضرورة العمل من أجل ضمان العدالة الكاملة للمرأة المسلمة، وعدم السماح بتدمير حياتها بسبب الطلاق الثلاثي، وهو ما اعتبره البعض تسيسًا للأمر، وتدخلاً من رئيس الوزراء في شأن إسلامي بحت؛ من أجل أهدافٍ سياسية. وبعدًا آخر طائفيًّا ومذهبيًّا؛ وذلك بسبب مساندة عدد من الهندوس سواء من السياسيين أو الناشطين لهذه القضية وهذا الحظر، وهو ما تم تفسيره على أنه تدخل مباشر في الهوية الدينية لمسلمي الهند، ومحاولة مقننة لطمسها لصالح الهوية الهندوسية. كما تأخذ شكلًا اجتماعيًّا تعاني بسببه المرأة المسلمة التي تعاني في الأساس على الأصعدة كافة؛ الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية. المرأة التي تتزوج بعد أن تقوم بدفع المهر للرجل، وفي أغلب الأحيان لا يكون لها مصدر رزق سوى ما يعطيه لها زوجها، والذي قد يقوم في أي وقت بتطليقها وطردها من المنزل.

معضلة اجتماعية وإنسانية حسمها القانون بعدما أصدرت المحكمة العليا بالهند قرارها بحظر الطلاق الثلاثي واعتباره أمرًا غير دستوريًّا، وممارسة غير إسلامية. وفي نهاية نوفمبر الماضي (2017) أعلنت وسائل الإعلام الهندية أن مشروع قانون جارٍ إعداده؛ يقضي بعقوبة قد تصل للحبس لمدة 3 سنوات، ضد المسلم الذي يقوم بتطليق زوجته طلاقًا فوريًّا (ثلاثيًّا)، ودفعه - إلى جانب الحبس - لغرامة مالية. بالإضافة لتحديد الإجراءات القانونية الخاصة ببدل الإعاشة وتنظيمها، وحصول المرأة على ضمانات قانونية في حال ما إذا طالبها الزوج بمغادرة منزل الزوجية بعد ذلك. ومن المقرر أن يتم النظر في مشروع هذا القانون خلال الجلسات البرلمانية التي ستعقد منتصف ديسمبر الجاري. أثارت تلك القرارات حفيظة البعض، وانقسم على إثرها الشارع الهندي فريقين، فريق يؤيد القرار ويعتبره تاريخيًّا، وانتصارًا للمرأة المسلمة التي ظُلمت على مدار عقود، وفريق آخر يعارض القرار ويعتبره تدخلًا في شئون مسلمي الهند، ومحاولة لاستئصال المنهجية الإسلامية المنظمة لحياة مسلمي الهند. كما أثار حفيظة القائمين على لجنة قانون أحوال مسلمي الهند الشخصية والجماعات الإسلامية، حيث أعرب "أرشد مدني" رئيس جماعة علماء الهند بأن المسلمين يحترمون قرار المحكمة العليا بشأن رفض الطلاق الثلاثي، غير أنهم لن يتوقفوا عن الاستعانة بقانون أحوال مسلمي الهند الشخصية. وأضاف بأن للجميع حرية الاستعانة بما يراه مناسبًا، فكما يحق للبعض تنفيذ قرار المحكمة العليا، يحق كذلك للبعض الآخر الاستعانة بقانون أحوال مسلمي الهند الشخصية.

Image

بعيدًا عن كل ما سبق، وفيما يخص رأي الشرع في مسألة الطلاق الثلاثي، يمكن إيجاز الأمر في القول بأن مسألة وقوع الطلاق ثلاثًا بلفظ واحد من المسائل التي كثر الخلاف فيها قديمًا، حتى اهتدت كثير من دور الفتوى والقوانين في العالم الإسلامي إلى ترجيح المذهب الفقهي القائل بوقوعها مع اعتبارها طلقة واحدة، والعمل بذلك، تيسيرًا على الناس، ورفعًا للحرج عنهم، وحفاظًا على مصلحة المرأة، والأسرة، والأبناء، خاصة أنه مذهب قوي له أدلته الصحيحة، وترجيحاته القوية. واستدلوا على ذلك من النصوص الواردة في القرآن والسنة، فمن القرآن قوله تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريحٌ بإحسان"، فالألف واللام في قوله تعالى "الطلاق مرتان" للعهد، والمعهود هو الطلاق المفهوم من قوله تعالى "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" وهو رجعي، لقوله تعالى "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك". فالمعنى: الطلاق من النوع الذي يكون للزوج فيه حق الرجعة مرتان، مرة بعد مرة، ولا فرق في اعتبار كل مرة منهما واحدة بين أن يقول في كل مرة: طلقتك واحدة أو ثلاثًا أو ألفًا، فكل منهما طلقة رجعية. ومن السنة، ما رواه مسلم عن ابن عباس قال "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر –رضي الله عنه- إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم". فوجه الدلالة هنا: أن عمر – رضي الله عنه-أمضى عليهم الثلاث، عقوبة لهم لما رآه من المصلحة في زمانه؛ ليكفوا عما تتابعوا فيه من جمع الطلاق الثلاث، ويرجعوا إلى ما جعل الله لهم من الفسحة والأناة رحمة منه بهم، وهذا نوع من تغير الفتوى بتغير الزمان والحال، فلما تغير الزمان والحال رجع الناس إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحدة.

إن الدين الإسلامي جاء لتحقيق التوازن في الأمور الحياتية كافة وفي جميع أنحاء العالم، وأقر للمرأة حقوقًا و أعطى لها ما لم تعطه الشرائع الأخرى وأكد " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام وعلى كل عاقل أن يكون حريصًا أشد الحرص على تماسك أسرته وإذا استحالت الحياة بين الزوجين فاللجوء إلى الطلاق أمر حلال وإن كان الأبغضَ عند الله، إن إلقاء الضوء على مثل هذه القضية بالرغم من خصوصيتها يوضح أمامنا أنه ما زال هناك من يتخذ دينه ذريعة لإنهاء حياة زوجية أساسها هي المودة والرحمة، والتي ينساها الزوج عند تطليقه لزوجته بتكرار لفظ" الطلاق" ثلاث مرات وللأسف هناك من يتمسك بأن هذه هي القاعدة رغم الآراء الشرعية الأخرى التي قد تجعل الحياة أكثر يسرًا وهذا في الحقيقة هو أصل ديننا الحنيف، قال عزوجل " إن مع العسر يسرًا".   

وحدة رصد اللغة الأردية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.