ما الذي يدفع شابًّا مسلمًا إلى وضع حزام ناسف يقتل به نفسه والآخرين؟ .. سؤال يجيب عليه كتاب إسباني

  • | الثلاثاء, 6 فبراير, 2018
ما الذي يدفع شابًّا مسلمًا إلى وضع حزام ناسف يقتل به نفسه والآخرين؟ .. سؤال يجيب عليه كتاب إسباني

     هذا السؤال هو ما يُجيب عليه أحد الكتب الحديثة الصادرة باللغة الإسبانية. ففي متابعة جديدة لأهم الإصدارات حول قضايا الإرهاب والتطرف في الدول الناطقة بالإسبانية، يتناول مرصد الأزهر من خلال وحدة الرصد باللغة الإسبانية توعية الشباب بخطورة الخلط بين المفاهيم والتأويل الخاطئ للنصوص الشرعية وفقًا لأهواء الجماعات المتطرفة التي تقودها مصالحها وأطماعها إلى بث هذه المعتقدات، والإيعاز بها إلى الشباب لاستدراجهم إلى هذا الطريق المظلم.   

فقد صدر مؤخرًا في إسبانيا كتاب يحمل عنوان: "الجهادية" لمؤلفه "ميجيل آنخيل باييستيروس" والذي يتناول مفهوم الجهاد في الإسلام من حيث معناه وشروطه وأحواله، ثم يحلل رؤية الجماعات الإرهابية لمفهوم الجهاد واستغلالهم لهذا المصطلح في استقطاب الشباب وإقناعهم ببعض الأفكار المغلوطة التي تتعلق بهذا الصدد. وفي هذا السياق ينبغي أن نشير إلى أن العنوان لم يحمل عنوان "الجهاد" بل "الجهادية"، وثمةَ فرق واضح، فالأول هو ما شُرع في الإسلام من حق الدفاع عن النفس وصون الدين وديار المسلمين من أية اعتداءات، أما المصطلح الآخر فيدل على ما تتبعه الجماعات المتطرفة من تحريفات لهذا المعنى وتعتقد صحتها. وقد صدر الكتاب في دار نشر "أويرتا جراندي" Huerta Grande، وعدد صفحاته مائة وستون صفحة من القطع الكبير.

ويتساءل الكاتب في البداية عما يمكن أن يدفع شابًّا مسلمًا إلى أن يضع حزامًا ناسفًا حول خصره لينتحر ويتسبب في قتل الكثيرين من الأبرياء. إنه عمل غير معقول بكل الطرق، لكن التفسير الوحيد هو حرص هؤلاء الانتحاريين على تطبيق ما يعتقدون أنه فريضة وإقحام الشريعة الإسلامية في أعمال العنف والإرهاب.  

وعن الجهاد في الإسلام يقول الكاتب: إن أركان الإسلام خمسة، لكن المتطرفين يعتبرون الجهاد ركنًا سادسًا في الإسلام. ويقول: إنه على الرغم من ذكر الجهاد في القرآن إحدى وأربعين مرة؛ فإنه لم يأت بمعنى واحد بل بمعان مختلفة، وأكثر المعاني الملائمة – يقول- هو "الجَهد" الذي يبذله المسلم لتطبيق تعاليم دينه، وهو الجهاد الأكبر، أما الجهاد في المعارك الإسلامية هو الجهاد الأصغر، لكن المتشددين يحاولون الترويج لفكرة أن الإسلام لا يصح بدون هذا الجهاد الأصغر. ويستطرد الكاتب موضحًا أن الجهاد شرع في الإسلام أساسًا للدفاع وليس للهجوم، حيث شُرع للمسلم من أجل الدفاع والتصدي للهجمات التي يقوم بها الآخرون.

ثم يتحدث عن أصول الحركة الجهادية في أفغانستان وتطورها على يد القاعدة، ثم فترات الربيع العربي والحروب في ليبيا وسوريا وما نتج عنها من رواج لفكر الجماعات الإرهابية. ثم ينتقل الكاتب إلى الحديث عن تنظيم داعش ونشأته ومصادر تمويله. ويشدد المؤلف على ضرورة المواجهة الفكرية لوقف عمليات تجنيد الشباب واستقطابهم إلى مناطق النزاع، مؤكدًا على فكرة استغلال الجماعات المتطرفة لحالة الفراغ السياسي وفترة أزمات ما بعد الربيع العربي لخدمة مشروعها الإرهابي عن طريق التجنيد والترويج الإعلامي والخداع والتضليل. ويقول "باييستيروس": إن الجماعات الإرهابية تحقق أهدافها وتتطور بشكل سريع، وذلك بسبب استخدام التقنيات الحديثة وتوظيف المفاهيم الخاطئة والتأثير على عقول الشباب.   

غلاف الكتاب

ويؤكد الكاتب أن شرط الجهاد في الإسلام أن يكون دفاعيًّا، وأن يقوم به أولو الأمر وأن تُطبق فيه أحكام الشريعة؛ لكن الخلط في المفاهيم جعل الجهاد يبدو هزليًّا بحيث يمكن لأية جماعة أن تهاجم هدفًا بعينه، وبالتالي ظهرت التنظيمات المتطرفة التي تطبق هذا المفهوم كذلك بشكل انتقائي غير مسوغ. وعزا الكاتب سبب انتشار هذا الفكر إلى سيد قطب (1906-1966) الذي حكم بالكفر على الغرب ودعا إلى الجهاد ضد الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية، كما دعا إلى المقاطعة بين البلاد الإسلامية والبلاد الغربية، مشيرًا إلى أن هذا الفكر هو ما أنتج شخصيات مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

ويتضح من خلال هذه القراءة السريعة أن التلاعب بالمفاهيم هو السلاح الذي تمتلكه هذه الجماعات المتطرفة، وعليه فإن المواجهة الفكرية أصبحت ضرورة لا غنى عنها في هذه المرحلة. إن استغلال هذه الجماعات للجانب الديني والعزف على أوتار الحماس لدى الشباب يعد جريمة أخرى تضاف إلى جرائمهم النكراء؛ ذلك أنهم يشوهون مفاهيم الدين ويقلبون معانيها وتأويلاتها لحساب مصالحهم.

ويرى مرصد الأزهر أن جهل الشباب بصحيح الدين هو الثغرة التي تَنفذُ منها الجماعات المتطرفة لتحقيق أغراضها. كان المرصد قد بدأ حملة تصحيح المفاهيم من خلال حملاته المختلفة ومنها حملة "مفهوم الجهاد" لتصحيح المفاهيم المغلوطة، ويؤكد المرصد استمراره في مواجهة هذه المغالطات بالفكر والمنطق، انطلاقًا من الفهم الصحيح لكتاب الله تعالى  وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وإيمانًا برسالة الوسطية والتسامح والسلام التي يلتزم الأزهر الشريف بنشرها، ويسير عليها منهجًا وطريقًا قويمًا يهدي البشرية إلى الحق ويأخذ بيدها إلى الخير ويزرع في طريقها الأمن والسكينة.

 

الكاتب في سطور:

"ميجيل آنخل باييستيروس" هو المدير العام للمعهد الإسباني للدراسات الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الإسبانية. حصل على الدكتوراة من الجامعة البابوية في "سلمنكا" عن رسالة بعنوان "منهجية تنفيذ إستراتيجية الأمن القومي". عمل أستاذًا مشاركًا في كلية العلوم السياسية والاجتماعية بجامعة "كمبلوتنسى" بمدريد منذ أكتوبر 2015. حاضَرَ في الكثير من المؤتمرات داخل إسبانيا وخارجها في بلجيكا وفرنسا والبرازيل وتركيا والإكوادور وغيرها. كتب عشرات المقالات في المجلات والجرائد والكتب، ومن أهم مؤلفاته هذا الكتاب الذي نعرض له وكذلك كتاب آخر بعنوان: "بحثًا عن إستراتيجية للأمن القومي" الصادر في 2016.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.