المسلمون في بوليفيا

  • | الثلاثاء, 6 فبراير, 2018
المسلمون في بوليفيا

     انطلاقًا من حرص مرصد الأزهر باللغات الأجنبية على متابعة أحوال الإسلام والمسلمين في شتّى بقاع الأرض؛ وذلك للوقوف على أهم المشكلات والمصاعب التي تواجه الجالياتِ المسلمةَ، تقوم وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر بمجموعةٍ من التقارير المُفصَّلة عن أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا، وفي دولٍ أخرى من قارة أمريكا اللاتينية.

وفي هذا التقرير نستعرض أحوال الإسلام والمسلمين في دولة بوليفيا، وهي إحدى دول أمريكا اللاتينية المتحدثة بالإسبانية.

بدايةً, تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن التَّعداد السكاني في بوليفيا وصل إلى ما يقرب من 10,89 مليون نسمة في عام 2016، وتبلغ مساحتها 1,098,580 كم2، وتقع بوليفيا غرب أمريكا اللاتينية، تحدُّها البرازيل من الشمال والشرق، وبيرو وتشيلي من الغرب، وباراجواي والأرجنتين من الجنوب، وكانت بوليفيا قسمًا من إمبراطورية "الإنكا" قبل استيلاء الإسبان عليها في سنة 1538، واستمر الاحتلال الإسباني حتى أعلنت استقلالها 1825، عقب ثورةٍ دامية قادها "سيمون بوليفار" وسُمّيت على اسمه، ويعتنق 95% من سكانها الديانةَ المسيحية، بينما هناك نسبةٌ قليلة من المسلمين.

وتتركّز الجاليات المسلمة ـــــ وخاصّةً المهاجرين من الشرق الأوسط ـــــ في العاصمة "لا باث" وكذلك في مدينة "سانتا كروث"؛ بسبب مُناخها الدافئ، وكذلك في بعض المناطق الأخرى مثل: "سان بورخا" و"ريبيرالتا" و"سوكري" و"كوتشابامبا"، والغالبية منهم يمارسون الأعمال الحُرّة والتجارة، الجدير بالذكر، أنه في منطقة "كوتشابامبا" تحديدًا تعود أصول ما يقرب من 40 % من المسلمين إلى الأصل البوليفي.

تاريخ الإسلام في بوليفيا

وصل الإسلام إلى بوليفيا للمرة الأولى منذ أكثرَ من 500 عامٍ  -وإن كانت هناك بعض الأخبار تشير إلى أن بوليفيا عَرفت الإسلامَ منذ القرن الخامس الهجري، عندما هاجر إلى هناك عددٌ من الأفارقة ــــــ خلال عصر الاستعمار بعد سقوط غرناطة عام 1492، وهروب العديد من المسلمين إلى أمريكا اللاتينية، وقد بدأتْ موجةٌ ثانية لهجرة المسلمين الثانية في الربع الثاني من القرن العشرين، وكان أقدم مهاجر مسلم هو "إسماعيل عقيلي" من أصلٍ فلسطيني، هاجر إلى بوليفيا عام 1920، ثم تزايد العدد بعد احتلال الكِيان الصهيوني لفلسطين عام 1948م؛ فرارًا من الكارثة التي خلفتها ويلات الحروب في أراضيهم، وقد أُعجب سكان بوليفيا بأخلاق المسلمين وصدق معاملاتهم؛ فقرّبوهم إليهم وقامت بينهم عَلاقاتُ زواجٍ ومصاهرة.

ويعيش في بوليفيا ما يقرب من 3000 مسلمٍ على الأقل متفرِّقِين في مناطقَ مختلفةٍ من البلاد، ويُمثِّلون 0.1% من مجموع السكان؛ وذلك وَفْقًا للإحصائيات الرسمية في البلاد.

 وفي هذا السياق، يقول الكاتب "روبيرتو تشامبي"، في مقاله: "بناء الهُوِيَّة: الإسلام والمسلمون في بوليفيا متعدِّدو القوميات"؛ يقول: إن المسلمين في بوليفيا ليسوا أحفادَ العرب، ولا من المهاجرين؛ إنهم من البوليفيين الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام عن اقتناع، وعلى الرغم من قلّة عدد المسلمين في بوليفيا، إلّا أن نسبة المسلمين بوليفيّ الأصل تُعَدّ من أكبر النِّسَب في أمريكا اللاتينية، حيث تصل إلى 50%، ولا يزال عددهم في تزايد، إلّا أنه يسير بوتيرةٍ أبطأَ من باقي الدول.

وفي هذا الصدد، صرّح أحمد علي، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في بوليفيا؛ أن هناك أشخاصًا من "الأيمارا" و"الكتشوا" (وهم جماعاتٌ من السكان الأصليين البوليفيين) يدخلون في الإسلام بشكلٍ شبهِ مُطَّرِد، وقد أشار "عيسى عامر كيفيدو"، مدير المركز الإسلامي في بوليفيا؛ إلى أن أحوال المسلمين في الدولة تتحسن تدريجيًّا، مؤكّدًا أن أعداد المسلمين من أصل بوليفي في تزايد مستمر، خاصّةً بعد أحداث 11 من سبتمبر، وأكّد أن المسلمين ذَوي الأصل البوليفي يتفوقون على أقرانهم المهاجرين بنشاطهم الدعوي.

ويتبع أكثرُ من 70% من المسلمين في بوليفيا المذهبَ السُّنَّي، بينما تتبع النسبة المتبقية المذهبَ الشيعي، ويشارك المسلمون في كثير من الفعاليات المجتمعية والسياسية، خاصّةً تلك التي تندّد بالإرهاب؛ وذلك لتأكيد أن الإرهاب لا دينَ له، وفي هذا السياق، شارَك "عيسى عامر كيفيدو"، في مؤتمرٍ بعنوان: "الحرب الأهلية في سوريا وداعش"، بكلية العَلاقات الدولية في "سانتا كروث دي لا سييرا"، للحديث حول زيف الجماعات المتطرفة في الحديث باسم الإسلام؛ لأن الإسلام دينُ سلامٍ وليس دينَ إرهابٍ وقتل.

المراكز الإسلامية في بوليفيا

هناك العديد من المنظمات والمؤسسات الإسلامية في بوليفيا، أهمُّها: "المركز الإسلامي البوليفي"، وله عددٌ من الفروع في بعض مدن "بوليفيا" منها:

  • المركز الإسلامي البوليفي في "سانتا كروث"، يرأسه السيد عيسى عامر.
  •  المركز الإسلامي البوليفي في "سوكري"، ويرأسه الإمام حسن توافشة.
  • المركز الإسلامي البوليفي في "كوتشابامبا"، ويرأسه الإمام داود أبو جدير.
  • مركز "لا باث" الإسلامي.

وقد أَسّس المركزَ الإسلامي البوليفيُّ السيد "محمود عامر أبو شرار"، الذي وصل إلى بوليفيا عام 1974 قادمًا من فلسطين، في أغسطس 1986، وفي مايو 1989 تمّ إصدار الرخصة القانونية للمركز والاعتراف الرسمي به من قِبَل الحكومة البوليفية، ويُحافِظ المركزُ سنويًّا على الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية مثل: عيدَي الفطر والأضحى، وإحياء شهر رمضان، ويترأس المركزَ: عيسى عامر، وهو ابنٌ لأبٍ فلسطيني وأمٍّ بوليفية، وقد درس اللغة العربية والشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية. 

صورة لبعض المسلمين أثناء أداء صلاة الجمعة في مسجد العمرين بالمركز الاسلامي البوليفي

وهناك ثلاثةُ مساجدَ تقع في المدن الرئيسة، وهي: مسجد السلام في "لاباث"، ومسجد الإيمان في "كوتشابامبا"، وكذلك مسجد العُمَرَيْنِ في "سانتا كروث"، وممّا تجدر الإشارة إليه، أنه في عام 1992، شُكِّلتْ لجنةٌ لبناء أول مسجد في بوليفيا، وتمّ الانتهاء من تشييده في سبتمبر 1994، وبهذا؛ منحت الجمعية الإسلامية البوليفية مكانًا لاجتماعاتها وإقامة طقوس العبادة والشعائر، وفي عام 1997 انضمت الجمعية الإسلامية إلى المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية، وفي عام 2006 افتُتح مسجد السلام في بلدية "لاباث"، وتَفتح المراكزُ الإسلامية البوليفية أبوابَها للمسلمين وغيرهم دون أيِّ تمييز.

ويقوم المركز بتنظيم بعض الأنشطة الاجتماعية والتربوية، منها:

  • تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم والتفسير للأطفال والشباب والمسلمين الجُدُد.
  • تنظيم محاضرات حول الإسلام والثقافة الإسلامية والقيَم الاجتماعية والتعايش، واحترام خصوصية الأفراد.
  • تنظيم الاجتماعات خلال المناسبات الدينية مثل: شهر رمضان والعيدين لأداء صلاة التراويح والعيد في المسجد، ودعوة المسلمين إلى الإفطار الجماعي.
  • تنظيم حملاتٍ للدفاع عن الدين الإسلامي من الهجمات الخبيثة التي تشنّها وسائل الإعلام الدولية.
  • تقديم مساعداتٍ مادية للأيتام وأطفال المدارس والمحتاجين.
  • ترجمة النصوص الإسلامية إلى اللغة الإسبانية للمساعدة في الوقوف على حقيقة المسائل الدينية، وذلك من خلال قسم الترجمة التابع للمركز.
  • مساعدة المسلمين في بوليفيا على أداء فريضة الحج.
  • إشهار الإسلام للمعتنقين الجُدُد للإسلام، ودعوة أفراد عائلاتهم إلى زيارة المسجد لإرشادهم، وشرح الصورة الصحيحة للدين الإسلامي الذي يعتنقه أبناؤهم.
  • استقبال طلاب الجامعات مثل جامعة NUR البوليفية ومدرسة "خوسيفينا بالسامو" للحديث حول الإسلام وسماحته، وكذلك الرد على أسئلتهم، وتقديم شروحٍ وافية عن الإسلام.

دروس اللغة العربية للأطفال

 

مشكلات المسلمين في بوليفيا

على الرغم من أن الدستورَ البوليفيَّ يَنصّ على أن الدولة مستقلة عن الدين، وهي توفِّر حرية الفكر والدين والعبادة وحرية الاعتقاد والحرية الروحية، سواء تمّ التعبير عن ذلك فرديًّا أو جماعيًّا، إلّا أن الجالية المسلمة لم تتمكّن حتى الآنَ من إنشاء مدرسةٍ إسلامية أو تدريس الدين الإسلامي في المدارس العامّة.

وتواجِه الجالية المسلمة في بوليفيا بعض المشكلات مثل: قلّة عدد الدعاة، ونُدْرة المساجد، وعدم وجود مدارسَ إسلاميّةٍ، بالإضافة إلى عدم وجود مقابرَ إسلاميّةٍ، فهم إلى الآنَ يَدفنون موتاهم في مقابر غير المسلمين، وقد مُنع المسلمون من الاحتفال بعيد الأضحى خلال عام 2015 وذبْح الأضاحي، بعد مصادرة الشرطة البلدية للخراف المُجَهَّزة للأضحيّة، وتَعَلّل قائد الحرس المدني "ميجيل ثامبرانا" قائلًا: "إن ذبْح الحيوانات تمّ في مكانٍ غيرِ مناسب، وبدون توافُر الشروط الصحية"، وهو ما دعا إمامَ مسجد السلام "أيمن الترامسي"، إلى التنديد بالتمييز في ممارسة المعتقدات الدينية ومنْع المسلمين من إقامة شعائرهم.

وكنوعٍ من الهجوم على المسلمين في بوليفيا، ذكر الكاتب "خوسيه بريشنر" في مقالٍ له بعنوان: "بوليفيا، إسرائيل والمسلمون"؛ أن المسلمين يريدون الاستقرار في أمريكا الجنوبية، وليس هناك مكانٌ أفضلُ لبدء الاستعمار الإسلامي من بوليفيا، حيث يتمتّع السكان الأصليون بسذاجةٍ كبيرة دونما قناعةٍ دينية؛ لأنهم يَرَوْنَ في السكان الأصليين أداةً بشرية لنشر الجهاد!

ويؤكد مسئولو المركز الإسلامي البوليفي؛ أنهم في حاجةٍ إلى مساعدة المنظمات الإسلامية في الدول العربية وكذلك رابطة العالم الإسلامي والأزهر لإرسال الدعاة إلى بوليفيا؛ دعمًا لاستمراريّة الجالية المسلمة بدول أمريكا اللاتينية التي تتعطّش لمعرفة المزيد عن الدين الإسلامي، خاصّةً أن ما يعرفونه عن الإسلام في أكثرِ الأحيان مُشَوَّهٌ وغيرُ صحيح، كما أعرب بعض المسلمين عن تعرُّضهم لبعض المضايقات في الأماكن العامّة، ووجود الرسوم المسيئة ضد المسلمين على جدران المساجد أو الجدران القريبة منها.

المرأة المسلمة في بوليفيا

أوضحت "مونيكا مورايس"، وهي امرأةٌ برازيلية هاجرتْ إلى بوليفيا؛ أنه إذا كانت المرأة المسلمة تشعر بالاضطهاد والمعاناة، فذلك لأنها لا تقرأ القرآن لكي تعرفَ حقوقَها الكاملة التي فرضها الإسلام لها، وأكّدتْ أن النساءَ المسلماتِ في بوليفيا يرتدين الحجابَ بحريّةٍ كاملة، ويَشعرْنَ بالفخر بذلك؛ لأنه دليلٌ على طاعة الخالق سبحانه، وأن بعضهن يرتدين الحجاب في العمل دون تمييز.

 وتروي بعض النساء قصة إسلامهن:

فتقول "سلمى كينتيلا بالدلومار"، وهي بوليفيةٌ اعتنقت الإسلامَ منذ عشر سنوات: إنها شعرت مع الإسلام بعُلوّ منزلتها؛ لأنه يعتبرها جزءًا أساسيًّا ومهمًّا في بناء المجتمع، وأضافت: أنها تعلّمت من الإسلام أنها يجب أن تكونَ امرأةً متعلمة تستطيع أنْ تُلَقِّنَ العلمَ الصحيح لأبنائها، الذين سيُكَوِّنون المجتمعَ في المستقبل على أساس الاحترام، قائلةً: "لقد شعرتُ بالاحترام ليس بين أبناء مجتمعي من المسلمين فحسب، لكن أيضًا بين غير المسلمين، كما أن ارتداء المرأة الحجاب لا يضايقها، بل على العكس من ذلك يعطيها مزيدًا من الحرية" على حدّ تعبيرها.

وتقول "ماجنوليا تروخيو بوستوس" وهي بوليفيّةٌ، تبلغ من العمر 29 عامًا: إن اعتناقها الإسلامَ كان نعمةً عظيمة، وتروي: أنها نشأت في كنف عائلةٍ كاثوليكية، وفي سِنّ 18 عامًا أدركتْ أنها بحاجةٍ إلى معرفة الله، وذاتَ يومٍ دعتها إحدى صديقاتها للمسجد، وتقول: إنها ـــــــــ حتى ذلك اليوم ــــــــ لم تكن تعرف ما هو المسجد، وكانت تسمع أخبارًا سيئة حول المسلمون بأنهم إرهابيون، ومن وجهة نظرها كان هذا غيرَ مقبول، ومن باب الفُضول قرّرتْ مرافقةَ صديقتِها لدروس الثقافة والعلوم الإسلامية في المسجد، ومع مرور الأيام أصبحت أكثرَ معرفةً به، حتى اعتنقت الإسلامَ عن اقتناعٍ تامّ.

وتقول "كارين سافاديث"، التي تدرس الطب في بوليفيا: إنها قضتْ بعضَ الوقت في البحث عن الديانات والمعتقدات، وكان الشيءُ الوحيد المؤكَّد لديها هو أن هناك إلهًا، ولكنها لم تَجِدْ وسيلةً للتحقُّق من ذلك، وذاتَ يومٍ بدأت البحث وذهبتْ إلى المسجد؛ فلاقتْ ترحيبًا من إمام المسجد، وأضافت: أنها بعد حديثها معه اتّضح لديها ما كانت تريد أن تعرفه؛ حتى أعلنتْ إسلامها، وتقول: إن عائلتها قبلتْ قرارَها.

ويرى "المرصد"؛ أنه ينبغي على المؤسسات الدينية دعم المنظمات البوليفية المسلمة، خاصّةً بعد ملاحظة تزايُدٍ في عدد السكان الأصليين، وهناك ضرورةٌ ملحّة لأنْ يتمَّ التواصل مع المؤسسات الإسلامية في بوليفيا، والوقوف على أهم الاحتياجات التي يمكن أن تساعد في إيصال المفاهيم الصحيحة حول الإسلام وماهيّته.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.