مؤشرات ظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا خلال عام 2017

  • | السبت, 31 مارس, 2018
مؤشرات ظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا خلال عام 2017

لا شك أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ــ التي انتشرت بشكل قوي في المجتمعات الأوروبية ــ تُعد واحدة من القضايا التي تُشكل خطورة على الاستقرار المجتمعي؛ فالتخوف من كل ما هو إسلامي أصبح ظاهرة خطيرة تستدعي القلق والاهتمام، على الرغم من أن فكرة التخوف والتشكيك في حد ذاتها لا تُسهم في بناء المجتمعات ولا في تقدمها.

ومما أسهم في تفاقم هذه الظاهرة الصورة الذهنية الخاطئة لدى الكثير من الأوروبيين عن الإسلام والمسلمين وربط وجودهم بانتشار الإرهاب، هو إسهام وسائل الإعلام في الغرب بشكل كبير في التأكيد على هذه الصورة المشوهة وترسيخها في عقول الأوروبيين.

ويولي مرصد الأزهر لمكافحة التطرف قضية الإسلاموفوبيا أهمية كبرى، حيث تعتبر أحد المحاور الأساسية التي يعمل على متابعة تطورها في المجتمعات الغربية ومدى تأثيرها السلبي على المسلمين هناك، ويعمل جاهدًا على إطلاق مجموعة من الحملات والأنشطة المختلفة للحد منها.

وفي هذا الشأن، أكدت وحدة الرصد باللغة الإسبانية في العديد من المناسبات أن المسلمين مندمجون بصورة كبيرة في إسبانيا مقارنة بدول أوروبية أخرى، إلا إن ذلك الاندماج يتأثر في بعض الأحيان بسبب التفرقة والتمييز الذي يقع ضد البعض منهم أحيانا، كما شددت على أن مفهوم المدنية والمواطنة لابد أن يكون القاعدة الأساسية لانطلاق العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد.

واستكمالا لهذا الاهتمام تسلط وحدة الرصد باللغة الإسبانية الضوء على المستجدات التي طرأت على سير ظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا خلال عام 2017 وما جرى فيها من تغيرات.

Image

ونركز بداية على الحدث الأهم الذي وقع في إسبانيا خلال عام 2017، ألا وهو حادث الدهس الإرهابي الذي وقع في برشلونة في السابع عشر من أغسطس، والذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات. وقد اعتدنا على أن يلي مثل هذه الأعمال الإرهابية -التي يتم ربطها بالإسلام غالبًا- موجة من الأعمال العدائية ضد المسلمين، وقد وقع ذلك بالفعل ضد عدد من المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية، علاوة على المسلمين أنفسهم.

وقد أفردت وحدة الرصد باللغة الإسبانية بعض التقارير التي تناولت فيها تبعات الاعتداءات التي وقعت على إثر هذا الحادث، وفيما يلي نطرح أبرز ملامح ظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا خلال عام 2017 من خلال تقرير "الجبهة المدنية لمناهضة الإسلاموفوبيا" وكذكل استناداً إلى التقارير التي أصدرها مرصد الأزهر في هذا الصدد. 

إحصائيات وأرقام

 سجّلت "الجبهة المدنية لمناهضة الإسلاموفوبيا" في إسبانيا في تقريرها السنوي لحالات الإسلاموفوبيا خلال عام 2016 في إسبانيا حوالي 573 حالة بزيادة تبلغ حوالي 106% عن العام الذي يسبقه 2015، وكانت موزعة على النحو التالي: 14.14 % ضد النساء و4.1% ضد الأطفال و12.57% ضد المساجد و5.41% ضد اللاجئين و6.63% ضد غير المسلمين (بما في ذلك رموز دينية مثل بابا الفاتيكان).

بينما جاء في تقريرها لعام 2017 أن إجمالي حالات الإسلاموفوبيا في إسبانيا بلغ حوالي 546 حالة من بينهم 160 حالة على أرض الواقع و386 عبر وسائل الإعلام والإنترنت. وهذه الأرقام توضح أن إجمالي عدد حالات الإسلاموفوبيا في إسبانيا عام 2017 قد تضاءل بنسبة 5% عن العام الذي ‏يسبقه 2016، غير أن 70% خلال 2017 قد تركز في الاعتداءات عبر الإنترنت. وهذه الحالات موزعة على النحو التالي: 21% ضد النساء و4% ضد الأطفال و7% ضد المساجد و8 % ضد الرجال و3% ضد المهاجرين و4 % ضد غير المسلمين.

وقد تبيّن وجود تغير في آلية الهجوم خلال 2017، حيث أصبح أغلبها من خلال استخدام الإنترنت ونشر خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وقد تزايدت حالات الإسلاموفوبيا من هذا النوع نتيجة لانحياز قادة سياسيين من أحزاب من مختلف الأيدلوجيات إلى الطرف الآخر، كما كان لأحزاب اليمين المتطرف والمجموعات النازية دور كبير ونشط في تفاقم هذه الظاهرة، وقد تبيّن ذلك من خلال أعمالهم التهديدية وحملاتهم المستمرة، في الشوارع وفي وسائل الإعلام وعبر الإنترنت.

Image

وطبقا لتقرير "الجبهة المدنية لمناهضة الإسلاموفوبيا" فإن أغلب الحالات كانت عبارة عن اعتداءات من الدرجة الأولي كالتشهير والسب والقذف بواقع (174 حالة)، يليها التمييز والحرمان من الحقوق (96 حالة)، التحرش والمضايقة (64 حالة)، الحملات المنظمة (57 حالة)، الخداع أو الأخبار الكاذبة (54 حالة)، هجمات الكراهية المنسقة (30 حالة)، الإضرار بالممتلكات (22 حالة)، الاعتداء الجسدي (18 حالة).

Image

الهجوم على المساجد

تختلف وتيرة الهجوم على المساجد باختلاف أماكنها والظروف الاجتماعية المحيطة بها. ففي عام 2017 كانت الأحداث قاسية، خاصة أعقاب الهجمات الإرهابية في برشلونة وكامبريلس، والتي تسبّبت في وقوع مزيد من الهجمات على الأعمال التجارية أو المنشآت التابعة للجمعيات الإسلامية في إسبانيا؛ حيث بلغت حوالي 14 هجمة في غضون أيام قليلة. وقد تم تنفيذ هذه الهجمات عن طريق إلقاء قنابل المولوتوف أو رؤوس الخنازير أو تلطيخ الجدران بالدم أو بالكتابات المسيئة. وكان مُجمل هذه الاعتداءات في تلك الفترة يُقدر بحوالي 171 حالة وقعت بصور مختلفة.

من ناحية أخرى أثرت الحملات السياسية المنسقة -ضد افتتاح المساجد- سلبا على التعايش المجتمعي، والتي تضمنت مظاهرات وشتائم وحملات كراهية في الصحافة وما إلى ذلك. وقد وقع ذلك بوجه خاص في برشلونة. ولكن في المقابل كانت هناك مظاهرات من القاطنين بجوار هذه المساجد لدعم المسلمين بهدف دفع التعايش.

 

ملامح عامة لظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا على مدار العام

-       تطورت حالات الكراهية عموماً كما تكررت أعمال العنف ضد الجنسين مع الهجمات على النساء المسلمات بوجه خاص والتمييز الاجتماعي في المدرسة والعمل، وكذلك الاعتداء بسبب المظهر وارتداء الحجاب، حيث تم الاعتداء على سيدة حامل في مدينة مالقة خلال هذا العام. كذلك وقعت حالات تمييز أخرى ضد الرجال والقُصَّر، إما بسبب مظهرهم أو انتمائهم أو أسمائهم.

تطورت كذلك أنشطة الكراهية الإلكترونية ولوحظ نموها بشكل مضطرد؛ فقد تبين أنها قد مثّلت 70% من حوادث الإسلاموفوبيا الواقعة خلال عام 2017. كما انتشرت الرسائل المعادية للإسلام عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك بعض الافتراءات ضد الإسلام والمسلمين واللاجئين.

Image

-       لوحظ أن هناك اتجاه لتشويه التراث الإسلامي في إسبانيا من بعض الكتاب والمتخصصين، فضلاً عن تناول التفسيرات التاريخية الخاطئة، التي تُنشئ حالة من العداء ضد المسلمين وتشوه سمعتهم. فقد أشار التقرير الذي بين أيدينا إلى أن إنكار الإرث العربي الإسلامي في إسبانيا يتضح في المناهج الدراسية التي يتلقاها طلاب المدارس، حيث يتم فيها الإشارة إلى أن إسبانيا في تلك الحقبة -التي نعمت فيها بالتقدم العلمي والحضاري- كانت تعاني من احتلال من مجموعة من العرب والبربر، مع كراهية الإسبان لهم طوال 800 عام.

ويرى مرصد الأزهر أن هذا الإنكار المجحف والمغالطة التاريخية لحضارة المسلمين الثرية والحافلة بالإنجازات فيه غبن كبير لحقهم وتشويه لإرثهم التاريخي في إسبانيا، فضلاً عن إثارة الكراهية المُجتمعية ضدهم أحيانًا خلال الوقت الراهن.

-       من الملاحظ أن إقليم قطلونية شهد العدد الأكبر من حالات الإسلاموفوبيا، بسبب الأحداث والحملات ضد المساجد، يليه إقليم "أندلوثيا" ثم بلنسية.  

-       ومع ذلك، هناك تقدم كبير تحقق في مجال مكافحة الإسلاموفوبيا، والذي جاء نتيجة لبعض الحملات التوعوية والمكثفة التي أُجريت من المجتمع المدني الإسباني والأوروبي في السنوات الأخيرة. وقد تم حل بعض المشاكل التي تم اكتشافها وتحليلها قبل خمس سنوات، على الرغم من استمرار مشاكل أخرى إضافة إلى وجود تقدم ملحوظ خلال عام 2017 في التعريف بظاهرة الإسلاموفوبيا والحق القانوني في إدانة المعتدين وقد صدرت مجموعة من الأحكام بحقهم في حوالي 4 حالات على مدار العام، فضلاً عن انتشار الوعي بما تمثله هذه الأفعال من جرائم.

 

مساعٍ مؤسسية في سبيل مواجهة الإسلاموفوبيا:

خلال عام 2017 كانت هناك مجموعة من المساعي الطيبة على المستوى المؤسسي، من أبرزها:

-       قيام شرطة "نابارا" عقب هجوم برشلونة بتشديد الإجراءات الأمنية، حيث وجدت الشرطة أنه من الضروري الاتصال بالجمعيات الإسلامية وحمايتها، تحسباً لوقوع أي هجوم عدائي. بالإضافة إلى تعاملهم مع أحد البلاغات الخاصة بالاعتداء على اثنين من القصر آنذاك، وقد احتُجز المعتدين ووضعوهم تحت التصرف القضائي، وقد أصدر مرصد الأزهر تقريرًا حول هذا الشأن. كما أعدت وزارة الداخلية الإسبانية استبيانًا لإعداد دراسة استقصائية بين ضحايا جرائم الكراهية. وكان الهدف هو تحسين الاهتمام الذي يتلقاه الضحايا والحصول على صورة شاملة قدر الإمكان لجميع السلوكيات التميزية التي تحدث في إسبانيا.

-       إقرار وزارة التربية والتعليم بوضع مادة بعنوان "التسامح والاحترام"، كموضوع جديد للتعليم الثانوي في مدريد، وتتطلع الوزارة إلى غرس قيم التسامح والاحترام في نفوس الشباب، والتي تؤثر على قبول التنوع وتؤدي إلى ترسيخ التعايش.

ومن المقرر أن تُدرس هذه المادة لمدة ساعتين أسبوعيًا، حيث سيتم دراسة الحقوق الأساسية والتعامل مع التمييز على أساس الجنس أو التسلط أو العنف في الرياضة. ومن الإجراءات البناءة أيضًا ما حدث من إقرار لحق طلاب المسلمين في مدينة "لا ريوخا" بتدريس مادة للتربية الدينية الإسلامية مع مطلع العام الدراسي الجديد 2018-2019.

-       تدشين بلدية "بلنسية" حملة بعنوان "إن شاء الله، بلنسية" ضد جرائم الكراهية والتمييز.

كما أن الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية قد أدرجت عددًا من المصطلحات الإسلامية في قاموسها اللغوي وهي كلمات: "أمة" و"حلال" و"شريعة" علاوة على إدراج كلمة "إسلاموفوبيا" و"إسلاموفوبوي" قبل ذلك، وقد تابع مرصد الأزهر كافة تلك الصور وأعد عن كل منها تقارير ومتابعات. كما كان هناك تصرف إيجابي من مجلس بلدية "بلنسية" فيما يخص الملابس في المدارس الابتدائية والثانوية، حيث أقرّت أنه لا ينبغي إعاقة الأشخاص الذين يرتدون ملابس مميزة أو خاصة بهم بسبب هويتهم الدينية عن الدخول إلى المدارس، وتم تفعيل مبدأ أنه لا ينبغي أن توجد مشكلة في تحديد الهوية ولا يصح الاعتداء على كرامة الأشخاص.

المشاركة الشعبية في مكافحة الإسلاموفوبيا:

مع تصاعد وتيرة حالات الإسلاموفوبيا واتخاذ مجموعة من المؤسسات الرسمية عددًا من التدابير والقرارت، وُجد في المقابل دور كبير في الحد من تصاعد هذه الموجة من جانب منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في إسبانيا‏. وقد ظهرت المشاركة الشعبية في العديد من الوقفات والمسيرات المنددة بالعنف والكراهية والداعية للتعايش والاندماج.

ولا شك أن هذا الدور اتضح بشدة عقب هجمات برشلونة، وقد بدا في الكثير من تلك الوقفات بجوار المساجد للتنديد بالعنف.

ومن أبرز هذه الفعاليات -والتي انطلقت لمساندة المسلمين والمسلمات الذين أرادوا الخروج للتعبير عن رفضهم لحالة الخوف والكراهية - كانت حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال هاشتاج "#أنا_برفقتك"، تأكيداً على دعم المسلمين ومواجهة أصحاب دعاوى الكراهية والعنف. وقد انتشر هذا الهاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وكان له صدى واسع، كما كان له تأثير في تعاطف الكثيرين مع المسلمين والسعي لحمايتهم من داعمي أعمال الإسلاموفوبيا.

كما ضمّت هذه الحملة الكثير من الدعوات منها: ضرورة التفريق بين المسلم والإرهابي أو الانتحاري. وقد تصدر هذا الهشتاج موقع تويتر بعد ساعات قليلة من إطلاقه.

Image

ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة، وإذا ما تم التعامل معها بصورة جيدة فسينعكس ذلك على الحد من انتشارها ويقضي على آثارها، ومن أبرز هذه الأسباب عدم دراية الكثيرين بحقيقة الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة، والسير وراء ما يُروج عبر وسائل الإعلام المختلفة من ربط مقيت بين الإرهاب والإسلام، كذلك اختزال الدين الإسلامي وأتباعه في سلوكيات البعض ممن انحرفوا عن الدين القويم، وهذا الأمر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجزئية سالفة الذكر.

كما أن الفكر المتعصب هو أحد هذه الأسباب الموجودة لدى البعض ممن يحاولون بث أفكار الكراهية، وهم لا يختلفون كثيرًا عمن يصدرون أفكار التطرف والإرهاب، فكلاهما يقود إلى العنف.

ويثمن مرصد الأزهر المبادرات المؤسسية الرسمية والمجتمعية في إسبانيا التي تعمل على نبذ الكراهية ومحاربة الإسلاموفوبيا وكل أشكال التمييز؛ حفاظاً على توطيد النسيج المجتمعي، وتوثيق عُرى التآلف بين أبناء المجتمع كافة، ويؤكد على أن الحوار المشترك بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة سيساعد بالتأكيد على إزالة الأحكام المُسبقة والصور النمطية، وسيسهم في الحد من انتشار مخاطر هذه الظاهرة بالإضافة إلى ذلك، من المهم تفعيل الدور المجتمعي والمؤسسي التوعوي بشكل أكبر من خلال تزكية احترام التعددية الفكرية والثقافية وترسيخ مفهوم المواطنة، وألا تكون النظرة إلى العرق أو اللون أو الدين أو الجنس هي القاعدة الأساسية في التعامل بين أبناء المجتمع.

 

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.