جدلية العَلاقة بين الدين والخرافة في باكستان

  • | الثلاثاء, 3 أبريل, 2018
جدلية العَلاقة بين الدين والخرافة في باكستان

     إن المتأمل للمجتمعات المسلمة بشكل خاص يجد أن الخرافة هي تفكير مناقض للدين ومضاد لمنهجه القائم على توحيد الربوبية لله، وعلى الرغم من النزعة الإيمانية التي تسود تلك المجتمعات إلا أن الخرافات لاتزال منتشرة بين أفراد هذه المجتمعات وطوائفها بنسبة متفاوتة بين الاعتقاد الفردي أو المنهج الجماعي، فهم يستمدون من الدين أحيانًا عقلانية زائفة لوجودها ومشروعية باطلة لبقائها، وقد عرّف بعض الباحثين الخرافة بأنها "فكرة تحاول تفسير ظاهرة جزئية نوعية –أيْ: نوعًا معيّنًا من أنواع الوجود– عينية موجودة في مكان وزمان معينين، دون أن تكون قابلة للتحقق من صدقها أو كذبها بالتجربة والاختبار العلمي التجريبي".
 والمجتمع الباكستاني مجتمع ذو أكثرية مسلمة، يتسم بالطيبة والخُلُق الحَسَن والكرم وحبه الشديد للإسلام ورسوله الكريم، ولكن للأسف الشديد تنتشر فيه بعض الخرافات والاعتقادات الخاطئة خاصّةً في الأماكن التي تنخفض فيها نِسَب التعليم، والمؤسف أن بعض هذه الممارسات تُمارَس باسم الدين، وبوجه خاص في إقليم السند حيث تقيم إحدى الطوائف هناك مهرجانًا يُطلَق عليه اسم "شيدي ميلا" والذي أعيد إحياؤه في إحدى ضواحي مدينة كراتشي (عاصمة إقليم السند) بعد توقف دام سبع سنوات، حيث يذهب الناس لزيارة بركة مياه مليئة بالتماسيح في قرية "منجوبير"؛ لاعتبارهم تلك التماسيح "مقدسة"، والبركة ملحقة بضريح شيخ صوفي يُعتقد أن روحه تجلّت في هذه التماسيح مما أكسبها قوى خارقة، ويحتفل بهذا المهرجان أتباع طائفة "شيدي" الصوفية في مدينة كراتشي الباكستانية، والتي تنحدر من أصول إفريقية، ويقومون في هذا المهرجان بتزيين التماسيح بالورود والألوان و يحتفلون بقرع الطبول والرقص والغناء، ويُقَدِّمون لها الهدايا والحلوى.

Image

 

                                        (المصدر: VOA)

   ومن العادات الغريبة في الإقليم نفسه: "زواج الفتيات من القرآن الكريم"، ونُكَرِّر مرة أخرى: الزواج من القرآن وليس بالقرآن، فهو ليس ذلك النوع من الزواج الذي تعارفت عليه المجتمعات الإسلامية بأن يتقدم الخاطب وهو يحفظ كتاب الله ويُقَدِّم مهرًا لزوجته سورة أو اثنتين من القرآن؛ أي: أن يُعَلِّمها أجزاءً من كتاب الله تكون بمثابة الصَّداق، ولكن المقصود هنا هو"الزواج من القرآن"، وتلك بدعةٌ لا تَمُتّ للإسلام بصِلَة، ولا تعرفها المجتمعات الإسلامية. وتنتشر هذه العادة بين الأسر الكبيرة وخاصّةً تلك التي تَنْسُب نسبَها إلى سيدنا محمد، ممّن يُطلَق عليهم في مصر "الأشراف"، ومعروفون بـ"سيّد" في باكستان، فإن لم تجد هذه الأُسر أزواج أَكْفاء في نطاق العائلة لبناتهم، فإنهم يُزَوِّجون الفتاةَ القرآنَ الكريم، حيث تتزين العروس وتتجمل في أبهى صورتها، وترتدي زيّ الزفاف الأحمر التقليدي، وتضع الحِنّاء على كفيها، وتغني أقارب وصديقات العروس الأغاني، وبجوارها يجلس عريسها مرتديًا غطاءً من الحرير ومُعَطَّرًا بالصندل والكافور، ولكن العريس هذه المرة ليس زوجًا عاديًّا وإنما هو كتاب الله "القرآن الكريم"!! .. وبعدها يأتي الشيخ ويردد بعض الجمل وتقوم عجائز العائلة بوضع المصحف في حَجْر العروس التي تحمله وتُقَبِّله وتطلب منها كبار سيدات العائلة أن تقول: إنها وهبت نفسها للقرآن، وتُجبر الفتاة على قول هذا، وحينها تتعالى أصوات التهنئة، وتصبح الفتاة الشابة مُحَرَّمة على أيّ رجل حتى الممات وتصبح كالراهبة بدون زوج أو أسرة، وإذا فكرت في أمر الزواج يقول لها أهلها: إنها سوف تصبح ملعونة في الدنيا والآخرة.
ويُطلَق على هذه الفتاة اسم "بي بي"، وتظل ترتدي ملابس بيضاء طَوال حياتها، ويصبح هذا اللباس الأبيض كفنًا لآمالها وأمانيها، وتُحرم من أن تكون زوجةً وأُمًّا، ولكنها تصبح وليّةً من أولياء الله الصالحين، حتى وإن كانت بعيدة كل البعد عن الزهد أو الورع، وتحمل أمهات القرية أولادها لها حتى تباركهم ويأتوا لها بالنذر والهدايا، ولكنها دون شك تُحرَم من أغلى هدية في الكون، ألا وهي ممارسة أدنى حقوقها كإنسانة، وينتهي الأمر بهذه الفتاة في أغلب الأحيان إلى أنها تصاب بالهستيريا، والتي يعتبرها أهلها أعلى درجات الروحانية، ولكنها في الحقيقة أعلى درجات الظلم والقهر.

عوامل انتشار الخرافات في المجتمع الباكستاني:

يُرجِع الباحثون في باكستان أسباب هذه الظواهر إلى التأثير المتبادل بين المسلمين والهندوس، فإن مجتمع شبه القارة الهندية مجتمع فُسَيْفِسائي تتعدد فيه الديانات وتكثر فيه الطوائف وتتنوع فيه العادات والتقاليد والعِرْقيات المختلفة، حيث يُمَثِّل المسلمون والهندوس أكبر هذه التكتلات الدينية، وعلى الرغم من انفصال باكستان عن الهند منذ أكثر من 70 عامًا إلا أن المسلمين ظلوا متأثرين بالمعتقدات الهندوسية، هذا بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى وهي:
* انتشار الأنظمة القبلية والعشائرية.
* ارتفاع معدل الأمية بين أفراد المجتمع.
* ضعف الإمكانيات التعليمية.
* عدم وجود خطاب ديني معاصر يحاور العقل ويناقش القضايا المجتمعية في ضوء القرآن والسنة، دون الإخلال بالعقيدة والهُوِيّة الإسلامية.

الدين والخرافة .. جدلٌ دائم!

مثل هذه الممارسات والطقوس الدينية التي تقام باسم الإسلام في باكستان تتشابه مع الطقوس الدينية والمعتقدات للديانات الوضعية بالهند، فلا يوجد في الإسلام تقديس المخلوقات وتقديم القرابين لها، ولا يوجد أيضًا في العقيدة الإسلامية حلول الأرواح في الآخرين من بشر وحيوانات، كما أن عبادة الله والتقرب إليه لا يحتاج إلى وسيط سواء كان بشرًا أو مخلوقًا آخَرَ، فالمشركون قد عمدوا إلى عبادة الأصنام ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمر الدنيا قائلين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) _سورة الزمر:3 .
إن الدين الإسلامي مناهض للخرافات، ولكن نجد من المسلمين من يعتقد ويؤمن بهذه الخرافات وينسُبها للإسلام، وكما يقول الباحثون: ارتبطت الخرافة منذ القِدَم وتداخلت مع الأديان لدى مختلف الشعوب، وذلك على اعتبار أن كلًّا من الدين والخرافة يتمثّل فيه محاولة تفسير ظواهر الكون المختلفة، في الوقت الذي لم يكن الإنسان قد بلغ من المعرفة والعلم ما يمكّنه من تفسيرها آنذاك، وقد ساعد على ذلك أن كلًّا من الخرافة والدين لا يستند بطبيعته إلى التعليل العقلي المطلق ولا يخضعان للتجربة العلمية، كما أن ربْط الخرافة بالدين يُكسِبها القوةَ والمصداقية، ويدفع الجماهير الجاهلة إلى قَبولها وتصديقها.
وتكمن خطورة الإيمان بالخرافات في أنها تصيب الفكر من ناحية وتصيب العقيدة من ناحية أخرى كما تصيب النفس أيضًا، فمن أبرز سلبياته: نشر الاعتقاد الباطل في عبثية سنن الله في الكون، فمعلومٌ من دين الإسلام: أن الله ــ عزّ وجلّ ــ هو خالق كل شيء، وخالق الأسباب والمُسَبَّبات، ويسير هذا الكون بتدبيره وحكمته؛ لذا فليس في ملكه عبث (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون) ــ المؤمنون:115 ــ وقد وضع الله تعالى قوانينَ لهذا الكون، فقال: (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) ــ الفتح: 23، وبالتالي فإن الإيمان بالخرافة يتنافى مع كل هذا، وهو ما يُفضي إلى القول بالعبثية في سنن الله بالكون، هذا الكون الذي لا يسير سوى بتدبير وحكمة خالقٍ واحد، لا يشاركه في قدرته شيءٌ ولا أحد.


  (وحدة رصد اللغة الأردية)

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.