نشاط حركة اللاجئين في بحر إيجه

  • | الثلاثاء, 17 أبريل, 2018
نشاط حركة اللاجئين في بحر إيجه

     بحر إيجه هو أحد أفرع البحر المتوسط، يبلغ طوله 643.5 كم، وعَرْضه 322 كم، ويقع بين اليونان وتركيا، كما يتصل ببحر مرمرة عن طريق مضيق الدردنيل، وتُطِلّ عليه كذلك تركيا واليونان.
وتُعَدّ تركيا البوابةَ الأولى للاجئين الذين يبحثون عن رحلة أمل إلى أوروبا، حيث يأتون أوّلًا إلى تركيا، ومنها عن طريق البحر إلى اليونان، ثم إلى دول أوروبية أخرى عن طريق البحر أيضًا، وفي هذه الرحلة الشاقة  يواجهون الموت وجهًا لوجه؛ فمنهم من ينجو ويُحقّق أمله، ومنهم من يُقبَض عليه ويُرسَل إلى أي دولة تحددها له "المفوضية العليا للاجئين"، ومنهم من يكون على موعد مع الموت الذي فرّ منه في بلاده، ليلاقيَه في البحر، وبذلك يصبح رقْمًا من الأرقام التي يتعامل معها البعض بعطفٍ وتأثر، فيَنْقِم على ضمير العالم الذي ترك هؤلاء عُرْضَةً للموت في عرض البحر.
ولقد شهد "بحر إيجه"السالف الذكر، والذي كنا قبل ذلك لا نسمع اسمه إلا في خلاف على الحدود البحرية والمياه الإقليمية بين تركيا واليونان، العديدَ من حوادث الغرق والموت الذي لا يُفَرِّق بين كبار أو أطفال، الأمر الذي جعله يستحق عن جدارة لقب "مقبرة اللاجئين" ولقد رأيناه وهو يُلقي على شاطئه جثمان الطفل السوري (إيلان كردي) ذي السنوات الثلاث، والذي عُثر عليه ميتًا على شواطئه، ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى، فقد سبقها الكثير من حوادث غرق النازحين.
 وقد صرحت "المفوضية العليا للاجئين" في الخامسَ عشرَ من سبتمبر 2015؛ أن عدد الأشخاص الذين لَقُوا حتفهم في البحر المتوسط، أثناء ذهابهم إلى أوروبا بطرق غير شرعية، بلغ ألفين وثمانمائة شخص، وكان نصيب بحر إيجه 1000 لاجئ لقُوا مصرعهم في مياهه أثناء نزوحهم إلى أوروبا، وفي الخامسَ عشرَ من يناير 2016م، لقي ثلاثة أطفال مصرعهم نتيجة لغرق قارب بلاستيكي في بحر إيجه، كان يحمل على متنه ثلاثة وعشرين لاجئًا قرب جزيرة (أشك).
وفي تصريحٍ لـ "وليم سبندلر"، المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين، قال فيه: إن عدد اللاجئين الذين لَقُوا حتفهم في البحر المتوسط  عام 2016 تجاوز ثلاثة الآلاف وثمانمائة شخص؛ لذلك أُطلق على عام 2016 عام الموت، فهذا العدد كبير جدًّا، خصوصًا إذا عرفنا أن من استطاع الوصول إلى أوروبا عام 2016 هم فقط 327 ألف و800 شخص، في حين أنه وصل إلى أوروبا عام 2015 مليون و15 ألف و78 لاجئًا، وقُدِّر مَن فقد حياته منهم بـ 3771 شخصًا.
وفي التاسع والعشرين من مايو 2016م، صرّح "وليم سبندلر" أيضًا، بغرق سبعمائة لاجئ في أسبوعٍ واحد، في البحر المتوسط، واصفًا هذا الأمر بالشيء المقلق للغاية، وفي العشرين من ديسمبر 2016م ، فقد أربعة أطفال وسيدة حياتهم نتيجة غرق قارب يحمل على متنه ثلاثةَ عشرَ لاجئًا، في جزيرة (أيوقليق) في مدينة باليق أسير التركية.  
وفي الحادث نفسه، تمّ إنقاذ ثمانية أشخاص بينهم طفلٌ في الثالثة من عمره، وكان في حالة خطيرة عند إنقاذه، واللافت للنظر أن سبعة من بين هؤلاء الثلاثةَ عشرَ، كان قد تم القبض عليهم قبل ذلك أثناء محاولتهم الهروب إلى أوروبا عبر طريق بحر إيجه.
وكان إجمالي من فقد حياته في بحر إيجه في ثلاثةِ الأشهُر الأولى من عام 2017 حوالَي 400 شخص،   وفي  أبريل 2017م، غرق قارب كان يحمل على متنه لاجئين، في جزيرة (ميدلي) الواقعة في بحر إيجه، وفقد ستةَ عشرَ شخصًا حياتهم في هذا الحادث، بينهم نساءٌ وأطفال.
وفي شهر مارس المنصرم تزامن إتمام اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي عامَها الثانيَ، مع غرق قارب يحمل على متنه لاجئين بالقرب من مدينة "ديدم" التابعة لولاية "آيدن" التركية، نتج عن هذا الحادث غرق خمسةَ عشرَ لاجئًا، ولفت مُمَثِّلو جمعيات اللاجئين النظرَ إلى أن الحرب الدائرة في سوريا والشائعات المنتشرة حول إعادة اللاجئين إلى مدينة "عفرين" السورية، نشَّطت من حركة تنقلات اللاجئين مرة أخرى عبر بحر إيجه.
حيث يرى "مرصد الأزهر" أن اللاجئين السوريين فقدوا الثقة في كل شيء، وأصبحت الحرب ماثلة أمام عيونهم في كل لحظة والخوف منها متأصِّلًا في نفوسهم، فبمجرد أن يُشاع أو يظهر في الأُفق بادرة لعودتهم إلى سوريا في هذه الظروف نراهم يُهْرَعون ويحاولون الهروب إلى أماكن أخرى بعيدة، ولا نشك في أن هذا الأمر إنما هو نتيجة ما رأوه من مآسٍ وويلات الحرب الدائرة في بلدهم، وليس رغبة منهم في الغربة، لذلك لو تمّ حلّ القضية السورية حلًّا نهائيًّا وتوقفت الحرب عبر مفاوضات كانت المصلحة العليا للشعب السوري هي الأساس فيها، سيعود السوريون إلى بلادهم مرة أخرى وسيشاركون في إعمارها من جديد.
ومع  دخول اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي عامها الثالث في  20 مارس الماضي، فإن حركة انتقال اللاجئين عبر بحر "إيجه" التي كانت قد قَلّت، بدأت تزداد مرة أخرى في الفترة الأخيرة، ووَفْقًا لمُعْطَيات "منظمة الهجرة الدولية"؛ فإن هناك 3562 لاجئًا قد قاموا بالعبور إلى اليونان عَبْرَ تركيا في الفترة من 1 يناير إلى 14 مارس 2018،  منهم حوالَي  800 لاجئ عبَروا في شهر مارس فقط، كذلك تمّ إلقاء القبض على 3380 لاجئًا آخَرَ أثناء محاولاتهم العبورَ إلى اليونان.
وزيادة العابرين مؤشِّرٌ على زيادة الوَفَيات، فقد شهد يوم الثامنَ عشرَ من مارس غرَق خمسةَ عشرَ شخصًا؛ منهم خمسةُ أطفال، كانوا على متن قارب في بحر "إيجه" انقلب بهم بالقرب من مدينة "ديدم".  
ولقد أَجْرَت جريدة "أفرنسل" التركية حوارات ومناقشات مع ممثلي الجمعيات الخاصة باللاجئين؛ لمعرفة أسباب عودة الحركة النشطة للاجئين في بحر "إيجه" مرة أخرى.  
وقد قامت جريدة "أفرنسل" التركية بسؤال ممثلي هذه الجمعيات، التي تهتم بشئون اللاجئين، عن أسباب عودة الهجرة مرة أخرى عن طريق بحر إيجه.
و أفاد منسّق حقوق اللاجئين في "منظمة العفو الدولية"، "فولكان كورنداغ"؛ أن الحادثة الأخيرة في بحر إيجه تأتي بالتزامن مع الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاقية الخاصة باللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لافتًا النظر إلى أن الاتفاقية لم تستطع أن تعوق عبور اللاجئين، ومِن ثَمّ لم تمنع موتهم،  بل أصبحوا يحاولون العبور في ظروف أصعب وأخطر مِن قَبْلُ، مشيرًا إلى أنه من الواجب على المسئولين في تركيا ونظرائهم في الاتحاد الأوروبي تطوير عمليات البحث والإنقاذ أكثر مما هي عليه الآن؛ من أجل منْع حوادث الموت المحتملة، حيث بات واضحًا أن أوروبا هي هدف اللاجئين الذين يعيشون في تركيا.
أما المحامية "أده بكتشي"، رئيس رابطة اللاجئين، فقالت: "لم تُتَّخذ التدابير الحقوقية من أجل منع عبور اللاجئين، السياسيون لا يأتون بحلول دائمة، لابد أن يُطبّق حق اللجوء بشكله القانوني كما نصّت عليه معاهدة جنيف، وهذه المشكلةُ مشكلةٌ عالمية إذا لم يُمنح هذا الحق، فلا يجب أن ننتظر تَوَقُّف الهجرات غير القانونية، لا مَفَرَّ من تطبيق حق اللجوء، فالتدابير الأمنية لن تأتيَ بحلولٍ دائمة".
من جهته، قال نائب رئيس جمعية "خلق كوبروسى"، "يلديريم شاهين": إن أمل اللاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم يَقِلّ مع مرور الوقت، وخاصّةً مع عملية عفرين، وعدم تَحَسُّن معيشة اللاجئين في تركيا، كل ذلك أدّى إلى اتجاههم إلى أوروبا، وأصبحت أوروبا أملًا لهم.
وأضاف: أن هناك احتمالية لازدياد حركة التنقلات في بحر إيجه خلال الفترة القادمة، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يفتح حدوده، وأن يتحمّل المسئولية، ويُؤَمِّن عبورهم بسلام.
ويرى مرصد الأزهر؛ أن عدم نجاح الاتفاقية يرجع لأسبابٍ سياسية بحتة لا يتحمّل اللاجئون أيّ مسئولية في عدم نجاحها، وأنه لابد من العمل على إيجاد حل لقضية اللاجئين، في إطارٍ عادل يضمن أوّلًا نهاية الحرب الدائرة في سوريا؛ حتى يأمنَ السوريون على أرواحهم عندما يعودون إلى بلادهم ويبدءون إعمارها من جديد.
لذلك يُهيب "المرصد" بجميع أصحاب التأثير في القضية السورية، إلى سرعة إيجادِ حلٍّ لهذه القضية وإيقاف هذه الحرب التي تحوّلت إلى مأساةٍ إنسانية، لا نَعْدو الحقيقة إذا قلنا: إن التاريخ لم يعرف لها مثيلًا من قبلُ، حرب ليس الخاسر فيها هو الشعب السوري فقط، بل الخاسر الأكبر هو الضمير الإنساني.
 كما يُقَدِّر "المرصد" المساعيَ والجهود التي تقوم بها الخارجية المصرية في هذا السبيل؛ إذ تسعى مصرُ دائمًا إلى إيجادِ حلٍّ للقضية السورية يحول دون المساس بوَحدة الأراضي السورية، ومنْع انهيار مؤسساتها، ودعم المسار السياسي للخروج من الأزمة.


وحدة رصد اللغة التركية

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.