"الأطفال" آخِر ضحايا العنصرية في الهند

  • | الأربعاء, 9 مايو, 2018
"الأطفال" آخِر ضحايا العنصرية في الهند

     الأطفال .. براعم الحاضر، وبُناة المستقبل، اللَّبِنَة التي تعمل المجتمعات على إعدادها الإعدادَ الجيد؛ حتى تتسلمَ الراية، وتقود الدول نحو التطور والتمدن، أحباب الله، الذين يرسمون البسمة على الشفاه، ويزرعون البهجة في القلوب، ببراءتهم وطفولتهم التي لم تلوّثها معتركات الحياة وقسوتها.
خلال السنوات القليلة الماضية، وللأسف الشديد أصبح أطفالنا في مرمى نيران عدوين أساسيين .. عدوين بدأت أنيابهما تفتك بجسد أطفالنا، وبدلًا من أن يعيشوا طفولتهم كما يجب أن تكون، وجدوا أنفسهم وعن عمدٍ، أداةً لتصفية الحسابات، ووسيلةً لتسويغ الغايات الشيطانية لبعض المختلين؛ العدو الأول: هو "داعش"، ذلك التنظيم الإرهابي الذي استغل الأطفال في عملياته الإرهابية، إمّا كدروعٍ بشرية، وإمّا في تفخيخهم وإرسالهم إلى الأهداف المراد تفجيرها، أو حتى تدريبهم على القتل وسفك الدماء، بدعوى تأسيس أشبال الخلافة، ليحملوا مستقبلًا راية الجهاد، كما يدّعون.
ولعل مرصد الأزهر بوحداته المختلفة قد تطرّق لهذا الموضوع باستفاضة، خلال العديد من مقالاته وتقاريره المصورة والمكتوبة.
أما الثاني: فهو العنصرية، العدو الذي بدأ مؤخرًا هو الآخَر في قتل براءة الأطفال، وانتهاك حرماتهم، وتحديدًا العنصرية الدينية والمذهبية، فعندما يتمّ اغتصاب الأطفال من أجل الانتقام الطائفي أو المذهبي، هنا علينا أن ندركَ أن الأمور قد أخذت مُنْحَنى آخَرَ، أكثرَ وحشيّةً وهمجية.
"آصفة"؛ الطفلة الهندية المسلمة، التي تبلغ من العمر 8 أعوام، وتنتمي لإحدى القبائل المسلمة الرَّحّالة، والموجودة بإقليم "جامو وكشمير" الواقع تحت السيطرة الهندية، اغتُصبت ثم قُتلت على أيدي مجموعةٍ من المُهَوَّسِينَ الهندوس، لا لشيءٍ سوى الانتقام الطائفي، وإجبار قبيلتها على ترك مناطق وجودهم، وذلك حسب ما أوردته وسائل الإعلام.
فحسب ما تردد، كانت "آصفة بانو"، ترعى الخيول، عندما اصطحبها أحد المزارعين عَنْوَةً، إلى غرفةٍ داخل أحد المعابد الهندوسية الصغيرة، وهناك تمّ تخديرها، واغتصابها لمدة 5 أيام على أيدي 8 من الرجال، ثم قتلوها بعد ذلك بواسطة صخرة؛ حتى يضمنوا عدم فضح أمرهم.
من جانبها، تزعم الشرطة أن الجريمة قد تمّ التخطيط لها على يد "سانجي رام"، حارس المعبد، والذي قام بدفع 500 ألف روبية لضُبّاطٍ محليين؛ لإيجاد أدلةٍ كاذبة، من شأنها أن تجعل المحققين يبتعدون عن مرتكبي الحادث.
وأضافت: أنه كان معارضًا لوجود هذه القبيلة في المنطقة، وربما يكون قد أَقْدَمَ على فعلته هذه لتخويفهم، وإجبارهم على الرحيل.

Image

الطفلة آصفة


الخطير في الأمر، وبصرف النظر عن الدافع وراء الجريمة سواء كان أخلاقيًّا، أم مذهبيًّا، لكن ما يدعو بالفعل للقلق، هو رفْض عددٍ من رجال القانون الهندوس قبضَ الشرطة على المتهمين، بعد تفريغ الكاميرات، واكتشاف تورطهم في الحادث، ليس هذا فحسب، بل جهودهم المضنية والهادفة لعرقلة تحقيقات الشرطة، وهو ما ساهم بدوره في تزايد المخاوف من إمكانية إفلات القوميين المتطرفين من العقاب، فعندما ذهبت الشرطة إلى المحكمة لتقديم لائحة الاتهام يوم الاثنين الماضي، واجهها العشرات من المحامين المصممين على إبقاء المتهمين خارج السجن، والإفراج عن أحد الضباط المتهمين في القضية، وادَّعَوْا أن عددًا من الضباط المُتَوَلِّينَ أمرَ التحقيقات من المسلمين، وبالتالي لا يمكن الوثوق بـ"حياديتهم".

Image

عددٌ من المحامين الهندوس أثناء محاولاتهم منْعَ الشرطة من تقديم أدلة الاتهام


تمّ تسجيل قضايا جنائية ضد أكثرَ من 40 محاميًا؛ لمحاولة منع الشرطة من تقديم التهم، وهو ما دعا نقابةَ المحامين لإصدار بيانٍ دعمًا للاحتجاجات، واعتبرت أن الحكومة قد فشلت في "فهم مشاعر الشعب".
على جانبٍ آخَرَ، يرى البعض أن العنف الطائفي قد تزايد في البلاد مؤخرًا؛ بسبب التهاون مع بعض المتعصبين، ممن خالفوا القانون، وبدءوا في ممارسة عنصريتهم وعنفهم بدعوى حماية الدين الهندوسي، والهُوِيَّة الهندوسية للهند، وأن بعضًا ممّا يحدث مُخَطَّطٌ ومُرَتَّبٌ من أجل تجريف المسلمين من هُوِيَّتهم الإسلامية، وسَلْخهم عن عقيدتهم الدينية، أو حتى انتزاع وجودهم الكُلي من الهند؛ لتكونَ دولةً هندوسية خالصة بلا "أقليات"، خاصّةً "الأقليةَ المسلمة".
هذا، فضلًا عن تَبَنّي عددٍ من الأحزاب السياسية أجنداتٍ طائفيّةً، هدفها الأساسي إشعال الجبهة الداخلية في عدد من الولايات الهندية، وبَثّ نيران الفُرْقَة بين المسلمين والهندوس لأسبابٍ سياسية.
إن ما حدث للطفلة "آصفة" من عنفٍ يؤكّد، ممّا لا يَدَعُ مجالًا للشك، أن الأمور قد بدأت تأخذ منحنى آخَرَ .. منحنى قد يلجأ فيه الجاني ــــــبكل بساطةــــــ إلى استخدام الأطفال، والتنكيل بهم؛ من أجل الانتقام لطائفته أو لدينه ومذهبه، وهو ما سيفتح بدوره الباب على مصراعيه لعددٍ آخَرَ من الحوادث المماثلة والمشابهة، إذا لم تُتَّخَذْ ضد الجناة الإجراءات القانونية الحازمة واللازمة، خاصّةً وأن الأمر يتزامن مع تصاعد حِدّة الاختلافات الدينية، ومحاولات اليمين المتطرف استغلال الأمر لصالحهم، والترويج إلى أنّ ما يحدث دفاعٌ عن الدين ونُصْرَةٌ له.

وحدة الرصد باللغة الأردية

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.