مُعْضِلَةُ الفئة "S"

  • | الخميس, 24 مايو, 2018
مُعْضِلَةُ الفئة "S"

المتابِعُ للأحداثِ الإرهابيةِ الدّاميةِ التي ضَرَبَتْ فَرَنْسا في الآونةِ الأخيرةِ، يجدُ أنَّ معظمَ مرتكبيها هم مِمَّنْ أدرجتهم السلطاتُ الفَرَنْسية على قائمةِ المصنفينَ "أس" "S"، الأمر الذي يوحي بخطورةِ هذا المَلَفّ وضرورةِ التصدي له. فَمَنْ هُمْ المُصَنَّفونَ "أس"؟ وكيفَ ينبغي على الدولةِ الفرنسيةِ أنْ تتعاملَ مع الأشخاصِ المتطرفين؟

جديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ تنظيمَ "داعش" الإرهابي قد فَقَدَ الأراضي التي كان يُسَيطِرُ عليها في العراق وسوريا وكذلك معظمَ مصادر دخله، لكنه احتفظَ بجزءٍ من شراستِهِ وأصبحَ المقاتلون يرتكبونَ هجمات باسمِهِ في العديدِ من البُلْدانِ لا سيما في أوروبا، حيث يمارِسُ التنظيمُ نفوذَهُ الأيديولوجي عَبْرَ الشبكاتِ العنكبوتية، وهو ما سمحَ له بإعطاءِ تعليماتٍ إلى أنصارِهِ في هذه الدول عن كيفيةِ القيامِ بالهجماتِ الإرهابيةِ وكذلك تصنيع المتفجرات. وها هو تنظيم "داعش" يدخلُ مرحلةً جديدةً يعتمد فيها أكثر على شبكاتٍ من الأفرادِ أو الخلايا الأقل ظهورًا والتي تعمل بدرجة معينة من الاستقلالية، الأمر الذي يُوضِّح أنَّ الهجمات الإرهابية رخيصة التكلفة ليست محض صدفة، حيثُ تتوافقُ مع إستراتيجيةِ "داعش" المسماة "ألف لطمة"، والتي ترمي إلى إنهاكِ قوى الخصم وإفقاده القدرة على الصمود من خلالِ إصابتِهِ بالعديدِ من الجِراحِ الدّامية والتي من شأنِها تركيعه ومن ثَمَّ إخضاعه...

وفي الوقت الذي يحاولُ فيه تنظيم "داعش" أن يُلَمْلِمَ أوراقَهُ من جديد من خلال تعدد هجماته الإرهابية في كثيرٍ من البلدان، تُعتبر فرنسا أكثر دول القارة العجوز استهدافًا من قِبَلِ هذا التنظيم، وذلك لتعرضها لـ 79 هجومًا إرهابيًّا أسفر جميعها عن سقوط العديد من الضحايا من الشباب الفرنسي، وكذلك إحباط العديد من الهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية في أقل من خمسة أعوام.

فمن هم المصنفون "أس"؟ وكيف يتم تصنيفهم؟

تملك وزارة الداخلية الفرنسية ملفًا يُعرف باسمِ المصنفينَ "أس" والحرف "أس" يرمز لكلمة "أمن" بالفرنسية، تُجَمِّعُ فيه الوزارة كلَّ المعلومات عن أي شخص يُشتبه بأنه "يُشكل خطرًا على الأمن العام الفرنسي" كالأشخاص المتطرفين، حتى الأشخاص الذين يشكلون خطرًا من اليساريين واليمينيين المتطرفين، إضافة إلى الأشخاص الذين يتم تقييمهم على أنهم يُشَكِّلونَ "تهديدًا إرهابيًّا"، والذين تَمَّ تسجيلهم في سجلاتِ بلاغاتِ الوقايةِ من التطرف الإرهابي (FSPRT)، والذين بلغ عددُهُم في فرنسا نحو عشرين ألف مشتبه به.  

يضمُّ هذا الملف أشخاصًا يمثلون تهديدًا بدرجات متفاوتة، تنتهي بالأشخاص الذين يدعمون التنظيمَ أو من خلال اتصالهم به عن طريقِ السفر أو العزم على السفر إلى المناطقِ التي يفرِضُ سيطرته عليها. ويتِمُّ تحديثُ القوائم باستمرار من خلال ما تُبَلِّغُ عنهُ الأجهزةُ الأمنيةُ أو عَبْرَ الخط المجاني الساخن الذي خصصته وزارةُ الداخلية منذ أبريل 2014م.

لكنَّ المُعْضِلَةَ تَكْمُنُ هنا في أنه بعد إدراج اسم المشتبه به في هذا الملف، يبقى لمدة خمسة سنوات على هذه القائمة، لكن قد لا تَتِمُّ مراقبتُهُ بشكلٍ نشطٍ خلال تلك الفترة.

هل هناكَ مستويات متفاوتة من المصنفينَ "أس"؟

هناك العديد من المستويات من المصنفين "أس" لضمانِ تَعَقُّبِ الأشخاص وفقًا لدرجة خطورتِهِم، حيثُ تتراوحُ درجاتُ الخطورة من 1 إلى 16، وليس بالضرورة أن يكون "S16" أكثر خطورة من "S1". فالرقم يَهْدُفُ في المقامِ الأولِ إلى مساعدةِ أجهزةِ إنفاذِ القانونِ في تنفيذِ الإجراءاتِ الأكثرِ ارتباطًا بحالةِ الأشخاص الذين يرصدونها. فعلى سبيلِ المثالِ، واعتمادًا على المستوى، قد يوصى بأن يقوم مسئولو إنفاذِ القانونِ "بعدم جذب الانتباه" و"تحديد هوية الأشخاص المرافقين"... كما أنَّ بطاقة S16 تقابل المقاتلين المتطرفين العائدين من العراق أو سوريا.

بعض المصنفين "أس" الذين ارتكبوا أعمالًا إرهابية:

- "عادل كرميش وعبد الملك بيتيجين"، مرتكبا الهجوم على كنيسة "سانت اتيان دو روفاري" في 26 يوليو / تموز 2016.

- "العروسي عبالا"، قاتل اثنين من الشرطة في "ماني فيل" في 13 يونية 2016.

- "اسماعيل عمر مصطفى و سامي أميمور وفؤاد محمد أجاد"، مرتكبو هجمات 13 نوفمبر 2015 في فرنسا.

- "أيوب الخزاني"، قام بتفجير قطار "تاليس" في 21 أغسطس 2015. كان S3 منذ عام 2014 وكانت إسبانيا قد أبلغت عنه.

- "ياسين صالحي"، الذي قتل رئيسه "هيرفي كورنارا" في "سان كوينتن- فالافييه" (إيزير) في يونية 2015. تم تسجيله في S13 من عام 2006 إلى 2008.

- "شريف وسعيد كواشي" : مرتكبا هجوم "تشارلي إيبدو"، 7 يناير / كانون الثاني 2015.

- "أميدي كوليبالي"، صاحب هجمات يناير 2015 في فرنسا.

- "مهدي نيموش"، صاحب الهجوم على "المتحف اليهودي البلجيكي"، 24 مايو 2014.

- "محمد مراح"، مؤلف أعمال القتل التي ارتكبت في الفترة من 11 إلى 19 مارس ، 2012 في "تولوز ومونتوبان". كان لديه بطاقة S"" من عام 2006 إلى عام 2010 و "S5" في عام 2011.

- "رضوان لاكديم" – مرتكب حادث "أود"

- "حمزة عظيموف" مرتكب حادث "الأوبرا" بباريس.

 

المصنفونَ "أس" في أعينِ الفرنسيين :  

أكَّدَ رئيسُ الوزراءِ الفرنسي "إدوارد فيليب" أمام الجمعية الوطنية، في أعقاب هجوم "أود" الإرهابي، بشأنِ المصنفينَ "أس" : "أن طردهم جميعًا، أو سجنهم جميعًا، يُعَدُّ تجاهلًا كبيرًا لأدواتنا الاستخباراتية"، في الوقت الذي كان قد تَمَّ استدعاءُ "رضوان لاكديم" من قِبَلِ الأجهزةِ الاستخباراتية؛ من أجل "مقابلة تقييمية"، قبيل ارتكابه هجوم "أود" الإرهابي. جديرٌ بالذِّكْرِ أنه كان مصنفًا "أس" منذ عام 2014، ومسجلًا منذُ 2015م في سجلاتِ بلاغاتِ الوقايةِ من التَّطَرُّفِ الإرهابي (FSPRT). فهل تَمَّ تقييمُ درجةِ خطورةِ "رضوان لاكديم"؟ حيث يوضح إقدامه على تنفيذ هذا العمل الإرهابي التحدي الكبير الذي تواجهه أجهزةُ الاستخباراتِ المسئولة عن مراقبةِ 19745 من المتطرفين، المصنفين على أنهم "تهديدٌ" للداخلِ الفرنسي.

فعمدة بلدية بيزييه "روبير مينار" يدعو إلى اتخاذِ تدابير أكثر حسمًا، قائلًا : "من بينِ المصنفينَ "أس"، هناك أجانب ومزدوجو الجنسية وفرنسيون. والقانونُ الفَرَنْسي لا يتعاملُ بنفس الطريقة مع الأصناف الثلاثة. أعتقد أنه في حالة تصنيف الشخص الأجنبي بـ "أس"، فمن الطبيعي أن لا يتعين عليه البقاء على الأراضي الفرنسية. وهذا هو الحل الأمثل".

كما يرى "روبير مينار" أنه لم يَعُد هناك مكانٌ في فرنسا لكلِّ مَنْ ذهبوا للانضمامِ لصفوفِ "داعش" في سوريا أو العراق قائلًا : "لقد خانوا بلدهم وأعلنوا الحرب عليها واختاروا الذهاب إلى مكان آخر والبقاء فيه. وكذلك نساؤهم وأولادهم، هذا شأنهم وليس شأن فرنسا. لا أريد أن تربي فرنسا أطفالًا أُرضعوا كرهًا لها".

وبعد ارتكاب "رضوان لاكديم" المُصَنَّف "أس" للهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة "تريب"، أجري مركز " Odoxa-Dentsu Consulting" استطلاعًا للرأي على عينةٍ مُكَوَّنَةٍ من 1009 فرنسيين، لصالح جريدة "لوفيجارو"، و"فرانس أنفو"، وأظهرت نتائجُ الاستطلاعِ أنَّ الغالبية العظمي من العينة التي أُجري عليها الاستطلاعُ تؤيد إلى حَدٍّ كبيرٍ المقترحات التي دافعت عنها الأحزاب اليمينية والجبهة الوطنية بشأن التعامل مع الأشخاص المتطرفين على الأراضي الفرنسية.

ووفقًا لنتائجِ الاستطلاعِ فإنَّ 87% من الفرنسيين يرغبون في وضعِ المصنفين "أس"، الذين يُعتبرون "الأكثر خطورة"، قيدَ الاحتجازِ الإداري، وهو الاقتراح الذي دافع عنه مؤخرًا "مانويل فالس" رئيسُ الوزراءِ الاشتراكي السابق، الذي لاقت فكرته حول حظر السلفية في فرنسا صدى كبيرًا للغاية بين عينة الاستطلاع، حيثُ أيَّدَ هذه الفكرة نحو 88%. بينما أيَّدَ نحو 83% من العينةِ فكرةَ طردِ الأجانب المصنفين "أس" من الأراضي الفرنسية.

وفيما يتعلقُ باستعادةِ حالةِ الطوارئ في البلاد، والتي دعا إليها الزعيمُ الجمهوري، "لوران واكويز" في أعقابِ هجماتِ "أود"، والتي يوافق عليها نحو 61% من المشاركين، حيثُ يبدون رغبَتَهم في التضحية بحرياتهم لصالح اتخاذ تدابير استثنائية جديدة لأمنهم.

وإذا كانت هذه النتائجُ ملائمةً لسياسةِ الأحزابِ اليمينة، فإنَّ 15% فقط من عينةِ الاستطلاعِ يعتقدونَ أنَّ الأحزابَ اليمينية ربما يكون لديها مقدرة على معالجةِ ملفِّ مكافحةِ الإرهابِ أفضل من رئيس الدولة.

ومن جانِبِهِ اقترح نائب إيسون "نيكولا دوبون – انيان"، وزعيم حزب "انهضي فرنسا"، على شاشة قناة ""BFMT، عِدَّةَ حلولٍ لمواجهةِ الإرهابِ في فرنسا، في أعقابِ هجومِ "أود" الإرهابي الذي أسفرَ عن مقتلِ أربعة أشخاص وجرحِ العديد. ومن بين تلك الحلول تمنى "طرد المجرمين الأجانب"، وذلك باستعادة العقوبة المزدوجة، و"الطرد المنهجي للمصنفين أس من الأجانب".

فيما أكَّدَ وزيرُ الداخليةِ الفرنسية "جيرار كولومب" خلالَ لقاءٍ له مع صحيفة "Ouest-France"، بشأنِ طردِ الأجانب المتطرفين، الذي طالب به حزبُ اليمين واليمينُ المتطرف، بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في "أود"، يوم 23 مارس، أنه تَمَّ طردُ 20 أجنبيًّا من فرنسا في عام 2017م، بسبب تطرفهم، قائلًا : "لقد حدث هذا الأمر من قبل! وتَمَّ طردُ نحو 20 أجنبيًّا من فرنسا في عام 2017م، وهو رقم قياسي". دون إعطاء مزيد من التفاصيل بما في ذلك جنسية المطرودين.

كما أشار "جيرار كولومب" إلى أنَّ الهجمات الإرهابية التي وقعت في "تريب وكاركسون" "يصعب التنبؤ بها". وأضاف أنَّ مُنَفِّذَ هذه الهجمات "رضوان لاكديم" مسجلٌ في سجلات بلاغات الوقاية من التطرف الإرهابي (FSPRT) منذ نوفمبر 2015م، ولكن التحريات لم تظهر "أية إشارة لاحتمال مروره إلى تنفيذ أعمال إرهابية". كما أرسلت له الإدارة العامة للأمن الداخلي (DGSI) خطاب استدعاء في شهر مارس لإجراء "مقابلة تقييمية" لدرجة خطورته، وللتأكُّدِ من أنه "لم تظهر عليه علاماتُ التَّطَرُّفِ قبل أن يَتِمَّ غلقُ ملفِّهِ".

وردًّا على الانتقاداتِ الموجَّهة للمعارضة التي تطالبُ باتخاذِ إجراءاتٍ أكثرَ صرامة ضد الأشخاص المصنفين "أس"، قال "جيرار كولومب" إنَّ "وضعَ 26000 من المصنفين "أس"، أو الأشخاص المصنفين بـ "الخطيرين" في السجن، كان "مستحيلًا"...

كيفَ ينبغي على الدولةِ الفَرَنْسيَّةِ أنْ تتعاملَ معَ الأشخاصِ المتطرفين؟

بعد حادثِ طعنِ "الأوبرا" الإرهابي الأخير، والذي أسفرَ عن مقتلِ شخصٍ وإصابةِ أربعةٍ آخرين، على يَدِ "حمزة عظيموف" الذي قُتِلَ على يَدِ الشرطةِ الفرنسيةِ، والذي كان مدرجًا في ملف المصنفين "أس"، عاد هذا الملف مرة أخرى ليحدث جدالًا واسعًا داخل الأوساط الفرنسية، وصل لدرجة انتقاد حكومة "إدوارد فيليب" واتهامها بالتقصير في التعامل مع هذا الملف، وأثار في الداخل الفرنسي العديد من التساؤلات: ما هي المعايير المعتبرة لإدراج أي شخص مشتبه به على القائمة "أس"؟ وما وجه الاستفادة من هذه القوائم بعد ذلك؟ هل التعامل مع المصنفين "أس" يكون بالطرد أم بإعادة الاندماج من خلال تفعيل دور المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية؟ وهل فرنسا تملك الموارد المطلوبة لمراقبة المشتبه بهم على مدار الساعة، حيثُ إنَّ مراقبةَ مشتبه به واحد تتطلب 20 شرطيًا وفق أحد الخبراء؟ أم على السلطات الفرنسية اعتراض الهواتف أو شبكات التواصل لتجنب المخاطر الكبيرة؟ وهل المراقبة باستخدام التقنيات الذكية ستكون كافية؟ أم هل من الممكن اتخاذ تدابير تشريعية جديدة لضمان تجريم هؤلاء الأشخاص المصنفين "أس"؟

والأيام المقبلة هي التي ستكشِفُ النقابَ عن طريقة التعامل مع هؤلاء.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.