المرأة وأدوارها داخل تنظيم داعش

  • | الجمعة, 25 مايو, 2018
المرأة وأدوارها داخل تنظيم داعش

     منذُ أنْ ظَهَرَ تنظيمُ "داعش" عام 2014م، وهو يحرِصُ على ترسيخِ أيديولوجيته في أذهانِ أنصارِهِ لضمانِ انتشارِها عَبْرَ الأجيالِ المتعاقبة.

لذا أعطى التنظيمُ أهميةً خاصةً للنساءِ والأطفالِ، "أشبال الخلافة" على حَدِّ تعبيرِه، لكونِهِما أفضل أداتين لنقلِ أفكاره المتطرفة؛ فالدور الرئيس الذي كانت تلعبه النساءُ في بدايةِ نشأةِ التنظيم، هو الإنجاب وتلقين أبنائهن الفكرَ المتطرف منذُ نعومةِ أظافرِهِم وكانت تقف مهمتهن عند حَدِّ الأعمالِ المنزلية.

فعندما تُذْكَرُ المرأةُ تحتَ حكمِ التنظيماتِ الإرهابية، تتبادَرُ إلى الأذهانِ تلك الصورة عن فتياتٍ سبايا ومُغْتَصَبات ومُنْتَهَكات الآدمية.

 لكن مع تنظيم "داعش"، حيثُ يُعَدُّ حضورُ المرأةِ أكثرَ بكثيرٍ مقارنةً بغيرِهِ من التنظيماتِ الإرهابية، بدأت المرآة تُكَلَّفُ بمهام رقابية "كتيبة الخنساء"، ودعائية وقتالية واستقطاب فتيات جديدات للتنظيم، على عكس الاعتقاد بأنَّ مشاركة النساء مع التنظيمِ قائمةٌ في الأساس على "العاطفة"، ما ينفي عنهم "العنف"، فهن زوجات وأمهات من حيثُ المبدأ.

ولكنَّ هذا المبدأ بدا مختلفًا، فالمرأةُ في الجماعات الإرهابية يتِمُّ استغلالُها بطريقةٍ ممنهجةٍ، بخلافِ طبيعتها، لارتكابِ أعمالِ عنف. وهو ما يُفَسِّرُ وجودَ نساء في أوروبا على استعدادٍ لارتكابِ أعمالِ عنفٍ إرهابيٍّ شأنها شأن الرجال. فبعض النساء شَعُرْنَ بوجوبِ تلبيةِ نداء "محمد العدناني" المتحدث الرسمي باسم تنظيم "داعش" باستهدافِ القارةِ العجوز بأعمالٍ إرهابية.

يشهدُ دورُ المرأةِ تطورًا فاعِلًا داخلَ التنظيماتِ الإرهابية: فمن إنجاب أجيال تحمل الفكر المتطرف مرورًا بنزعَتِها لحمايةِ نفسها عَبْرَ التآخي مع مَنْ يقمعها من جنس الرجال، ومن ثَمَّ التمادي معه وصولًا إلى الانتقام لهذا القمع مِمَّنْ هو أضعفُ منها حصرًا (النساء الأخريات)، وبالتالي اكتساب مكانة سلطوية للتفوق عليهن.

وأوضحَ وزيرُ العدلِ البلجيكي، "كوين جينز"، لعضو مجلس الشيوخ، السيناتور "جون جاك دي جوش"، أنَّ هناك نحو 80 امرأة بلجيكية في صفوفِ الجماعاتِ الإرهابيةِ، منهن 54 لا يزلن في العراق وسوريا، بينما عاد منهن إلى الأراضي البلجيكية نحو 26.

وأشار إلى أنَّ الدَّوْرَ الذي تسنده جماعاتُ التَّطَرُّفِ الإرهابية إلى المرأةِ كان قد شَهِدَ تطورًا خطيرًا، فلم يَعُدْ إقدامُ النساءِ المقاتلات على القيامِ بعملياتٍ عسكرية أمرًا من المحذوراتِ الأيديولوجية.

 وهناك العشراتُ من النساءِ البلجيكيات المنتميات إلى تنظيم "داعش" تشكلن خطرًا، هذا على الرغم من عدم توفر النية لدى الغالبية منهن للمشاركة الفعلية في مناوراتٍ عسكرية إرهابية، حيثُ إنَّ دوافعهن كانت تَكْمُنُ في إطارِ مجموعةٍ من الأسبابِ الأيديولوجية والشخصية كالمشاركة في المشروع الأيديولوجي لــــ"داعش".

وفي فرنسا يتزايدُ عددُ النِّساءِ الفَرَنْسياتِ المنضمات لصفوف تنظيم "داعش" في سوريا: ففي عام 2015م، غادر نحو 140 امرأة فرنسية للانضمامِ لصفوفِ التنظيم في سوريا، بينما كان عددُ النساء الفرنسيات المنضمات للتنظيم خلال عام 2014م، نحو 100 امرأة فرنسية. كما تُمَثِّلُ النساءُ الفَرَنْسيات نسبة 44 % من إجمالي عددِ النساءِ المنضماتِ للتنظيم.

فالمُجَندات في أغلب الأحيان صغار السن، تَمَّ تجنيدُهُنَّ عَبْرَ شبكةِ الإنترنت، ورحلوا جميعًا للحاقِ بصديق، وفي أغلبِ الأحيانِ بصحبَةِ أطفالِهِم المولودين بفرنسا. ومن جانِبِهِ صَرَّحَ "باتريك أمويل"، محلل نفسي، قائلًا: إنَّ "الفتيات لا تنخدع عادة بالمعركة نفسها، ولكنها تنخدع بالزواج عن طريق زوج تثق به وتأمن معه"....

مُعْطَياتٌ غَيْرُ مَسْبوقَةٍ عَنْ "جِهادِ النِّساءِ":

تمكنت جريدةُ "لوموند" الفرنسية من الوصولِ إلى دراسةٍ أجرتها إدارةُ الشؤون الإجرامية تحت عنوان : "جهاد النساء". ذكرت هذه الدراسة أنَّ النساءَ المنضمات لــــ"داعش" كانت متحفظات في بداية نشأة التنظيم، ولم تكن أجهزة الاستخبارات الفرنسية تتابعهن إلا قليلا، بسبب أنه لم يكن من حقِّهِنَّ المشاركة في المعارك المسلحة.

وفي هذا الصدد كان نائب عام باريس "فرانسوا مولان" يقول في سبتمبر 2016م: "لقد كنا مرتابين بشأن النساء في بادئ الأمر، حيث كنا نقول إنَّ النساءَ كُنَّ مجبرات على اتِّباع أزواجهن وفقط، وكنا نعتقد أنَّ مهمتَهُنَّ كان تقف عند حَدِّ الأعمالِ المنزليةِ في سوريا". ولقد تغير منظورنا بشكلٍ كامل فيما يختص بالنساء المقاتلات بُعَيْدَ صيف 2016م، وذلك أثناء إحباط الهجوم على كاتدرائية "نوتر دام" باريس باستخدام أنابيب الغاز.

 وعليه فقد كرَّسَت إدارةُ الشؤون الإجرامية بدءًا من مارس 2018م، دراسةً تحتَ عنوان "جهاد النساء" لدراسة تلك الحالة، وهي المرجعية التي لجأت إليها جريدةُ "لوموند" في تقريرِها.

تحرك غير مسبوق ممثلًا في هجرة نساء غربيات:

النقطةُ الأولى تختص بالعددِ الهائلِ للنساء اللائي ذهبن للانضمامِ لـصفوف "داعش": فتتحدث الدراسةُ عن حركةِ هجرةٍ غيرِ مسبوقةٍ لنساء غربيات. فقط الثلث من بين هذا العدد قد ذهبَ للهجرةِ إلى "أرض الخلافة" على حَدِّ تعبيرِهِنَّ، في إطار رحيلٍ عائلي.

 أما فيما يختص بالثلثين الآخرين فإننا نتحدثُ عن رحيلٍ بشكلٍ فردي، فهن نساء رحلن إلى هناك بُعَيْدَ تجنيدِهِنَّ أو بُعَيْدَ الوقوعِ على زوجِ المستقبل عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.

هذا ومن خلال استجواب العائدات من نساء داعش تبين أنَّ الانضمامَ إلى المشروع الداعشي هو عبارة عن قضية التزام أيديولوجي، فبالنسبة لهن الانضمامُ لـــ"داعش" كان وسيلةً لكي يعيشون إيمانهن والخلاص من الظلم الغربي.

وعلى أرض الواقع فقد كان لهن دور بالمنزل لكونهن نساء، على غِرارِ الاهتمامِ بالمنزلِ وإنجابِ الأطفال الذين يزعمون بأنهم "أشبال الخلافة".

ويقول "ديفيد تومسون" في كتابه المُعَنْوَن بـ "العائدين" والصادر عن دارِ نشر  "Le  Seuil" لعام 2016م "كان عليهن دور أعمق وهو المتمثل في زرع المذهبية من خلال الاشتراك في تجنيد النساء عبر منصات التواصل الاجتماعي".

الرَّجْمُ والاعْداماتُ وقَطْعُ الرؤوسِ

هذا وتتعرض شهادات تلك النساء العائداتِ للكثيرِ من الفظائعِ والأهوالِ والعنفِ اليومي: "من رجمٍ لنساء تَمَّ اتهامُهُنَّ بالزنا، إلى مباريات كرة قدم بين أطفالٍ يتقاذفون عوضًا عن الكرة رؤوس بشرية، أو تنفيذ إعداماتٍ وعرضٍ للأجساد للتمثيل بأصحابها".

وفي إطار أسري بين زوجين، تروي إحدى زوجات الدواعش أنها قد تعرضت ولمدة ثلاثة أشهرٍ للاغتصاب والعنف من قِبَلِ زوجِها البلجيكي، فقد أُجْليَت إلى فرنسا بُعَيْدَ أن قام زوجُها بإلقائِها من النافذة مما تسبب لها بإسقاط الحمل.

هذا وإذا كانت قد عادت بعضُ النساء مروعةً من إقامتِهِنَّ مع تنظيم "داعش"، فإنَّ هذا التقرير يُسَلِّطُ الضَّوْءَ على انفصالِ بشاعةِ عنفِ التنظيم، فقد قالت إحدى الأمهات إنها -ودونما الشعور بأيِّ ألمٍ- قد أتاحت لأطفالِها الفرصةَ لمشاهدةِ فيديو إعدام  يسلط الضوء على عنف التنظيم.

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.