بناء السلام عن طريق "إعادة التوجيه"

  • | الأربعاء, 13 يونيو, 2018
بناء السلام عن طريق "إعادة التوجيه"

كل شيء في الحياة له جانبان أحدهما يحمل الخير والآخر يحمل الشر، كذلك ما توصلت إليه البشرية من التكنولوجيا الحديثة، فهي إما أن تكون لخدمة البشرية ورخائها ونهضتها، وإما أن تكون مِعْوَلًا يهدم حضارتها، وهذا المِعْوَل لا يهدم الحضارة الإنسانية فحسب، بل يهدم معها أيضًا الإنسان وعقله، فقد دأبت الجماعات المتطرفة على استخدام التكنولوجيا الحديثة؛ لخدمة أغراضها الخبيثة والهدّامة، وتشويه الفكر الإنساني وصورة الإسلام والمسلمين؛ لخدمة أعداء الإسلام.

يتجه المجتمع الدولي حاليًّا إلى انتهاج نموذجٍ مختلف لمكافحة التطرف، بعيدًا عن سبل مكافحة التطرف التقليدية، وذلك عن طريق بناء السلام ومنع وجود التطرف من البداية، وتقليص عدد الأشخاص المُعَرَّضين للتطرف، من خلال علاج العوامل الفردية والاجتماعية المُسَبِّبة للتطرف والإرهاب.

 ففي محاولة من بعض الشركات للمساهمة في مكافحة التطرف، تَقَدَّم بعضها بتخصيص إعلانات مُوَجَّهة مناهِضة للمتطرفين؛ من أجل توجيههم للابتعاد عن المحتوى المتطرف، وتتبنّى هذه الخطواتِ شركةُ (Moonshot CVE)، وهي شركةٌ استشارية  لا يوجد مَقَرٌّ لها، تعمل على مناهضة المحتوى المتطرف، أسّسها كلٌّ من: "روس فرينيت"، وهو مدير شبكة Against violent  extremism التابعة لمعهد الحوار الإستراتيجي (ISD)، و"فيديا رامالينجام"، وهي المسئولة عن برنامج معهد الحوار الإستراتيجي، الذي يعمل على التطرف بعيدِ المدى والتعايش والتعددية.

وتقوم الشركة بعرض إعلانات موجّهة للمستخدمين، الذين يبحثون عن أشرطةِ فيديو التعذيب الخاصة بداعش، أو عن بعض المحتويات المتطرفة مثل: "كيفية الانضمام لداعش"، وذلك بالتعاون مع شركة (Gen Next Foundation) ومؤسسة (Jigsaw) التابعة لشركة (Google).

 وبالفعل تمكّنت مؤسسة (Moonshot) من تحويل 1300 من الباحثين في (Google)، من أصل 56000 شخص يبحث عن محتوى راديكالي، ولكن اللافت للنظر أنه ذُكر أيضًا أن الشركة في تحليلها للمحتوى المتطرف تَعُدّ المحتوى المناهِض لليهود محتوًى متطرّفًا، وهذا من الممكن أن يُحدِثَ لَبْسًا في التمييز بين المحتوى المناهِض لليهود كأتباعِ دينٍ، وبين ممارسات الكِيان الصهيوني واعتداءاته، وبالتالي؛ من الممكن ألّا تستطيع برامجهم التمييز بينهما، فتعتبر أيَّ محتوى مناهض لاعتداءات الكِيان الصهيوني محتوًى متطرّفًا، وبالتالي ربما ينتج عن ذلك تغييب وعي الرأي العام باعتداءاته وانتهاكاته.

والإستراتيجية التي تتبنّاها مؤسسة (Moonshot CVE) تقوم على:

  1. التوجيه: توجيه الباحثين عن المحتوى المتطرف إلى محتوى مناهِض له.
  2. المساعدة: تقديم الدعم النفسي من خلال برامج تأهيل نفسي، للمستخدمين الباحثين عن محتوى عنيف.
  3. التقنين: نظرًا لكثرة المواقع الإلكترونية الخاصة بالجماعات المتطرفة، قامت بتقنين قدرة المتطرفين على العثور على هذه المواقع.

كما قامت شركة "جوجل" أيضًا باستحداث أدوات جديدة؛ من أجل مكافحة المحتوى المتطرف، وتتبع الشركةُ الإستراتيجياتِ التاليةَ:

  1. استخدام تكتولوجيا أحدث

تستخدم "جوجل" "نموذج تحليل الفيديو"، وهو يساعد على تمييز أكثرَ من 50% من المحتويات المتطرفة، ومن ثَمّ قامت بإزالتها خلال الأشهر الست الماضية، ولكن تقف أمامهم في بعض الأحيان تَغَيُّر طبيعة الفيديوهات؛ مما يُصَعِّب التعرُّفَ على محتواها وحظرها، كما تواجههم أيضًا معضلة استخدام الفيديو نفسِه من قِبَل المؤسسات الإخبارية المعتمدة؛ للإبلاغ عن الرهائن المحتجَزين لدى الجماعات المتطرفة.

  1. استخدام برامج أكثر

يستخدم موقع "اليوتيوب" والتابع لشركة "جوجل" برنامجًا يُسَمَّى : “Trusted blogger”، ويوفّر البرنامج أدواتٍ إضافيّةً للمستخدمين، يقومون من خلاله بالإبلاغ عن المحتوى المخالف لسياسة الموقع، وهذا البرنامج أثبت كفاءته بنسبة 90% تقريبًا.

  1. تقليص مجال المحتوى المشكوك في تطرفه

حاولت "جوجل" خلْق توازن بين حرية التعبير  وحجب المحتوى الخطير أو المتطرف، ولكنها طوّرت الأمر عن طريق قَصْر المشاهدين على الفيديوهات التي لا تنتهك سياساتِ الموقع.

 

وسائل التواصل الاجتماعي

تستخدم الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الاجتماعي  لنشر فكرها المتطرف والهدّام؛ لذا قامت إدارة "فيسبوك" بمكافحة نشر هذه الأفكار، عن طريق حذف 1.9 مليون منشور، به محتوى متطرف تابع لداعش أو القاعدة، في الأشهر الثلاث الأولى من عام 2018، وهو ما يعني ضعف العدد عن العام السابق.

كما نشرت إدارة "الفيس بوك" تعريفها الخاصّ "للإرهاب" للمرة الأولى، وهى خطوة جديرة بالاهتمام، حيث عرّفته بأنه: "أيّ فعلٍ يُمارَس من قِبَل أي شخص أو مؤسسة غير حكومية، ويندرج تحت أعمال عنفٍ متعمدة ضد أشخاص أو ممتلكات، لبَثّ الذعر بين المدنيين أو الحكومة أو المنظمات الدولية؛ من أجل تحقيق هدفٍ سياسي أو ديني أو عقائدي".

وجاءت هذه الخطوة ردًّا على بعض الضغوط، التي تعرّضت لها إدارة "الفيس بوك" وجميع مواقع التواصل الاجتماعي لحذف المحتوى المتطرف، إضافةً إلى: إرسال تحذيرات للمستخدمين الذين يقومون بمشاركة محتوى متطرف، وقد استعانت إدارة "الفيس بوك" ببرامجَ آليّةٍ، مثل: مطابقة الصور لاكتشاف بعض المواد المتطرفة، وقالت الشركة: إن متوسط ​​الوقت اللازم لعمليات الحذف كان أقلَّ من دقيقةٍ واحدة.

وهكذا؛ فإننا نرى أن مكافحة التطرف تتعدد وسائله، وتُعَدّ أكثرَ هذه الوسائل تأثيرًا، تلك التي تكافحه من الجذور؛ لمنع حدوث التطرف، ومنع انتشاره بين أفراد المجتمع، والوقوف على الأسباب التي تساعد على انتشار التطرف، والعمل على علاجها ومواجهتها، والوقوف أيضًا على عوامل انتشاره والحَدّ منها، واستخدام جميع الوسائل الحديثة الممكنة لذلك.

 

وحدة الرصد باللغة الأردية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.