هَل القَلْبُ الإعْلامي لِــ"داعِش" مازالَ يَنْبِضِ؟!!

  • | الخميس, 9 أغسطس, 2018
هَل القَلْبُ الإعْلامي لِــ"داعِش" مازالَ يَنْبِضِ؟!!

     تناوَلنا في دِراسةٍ سابِقَةٍ بِمَرْصَدِ الأزْهَرِ، تَرَنُّحَ الآلةِ الإعلاميةِ لتنظيمِ داعش، لكنَّ هذا التنظيمَ يحاوِلُ بشَتّى الطُّرُقِ وجميعِ الوسائل، أن يجْعَلَ من هذه الآلة الأداةَ الفعّالةَ والأكثر استغلالًا، لتحقيقِ غاياتِهِ وبلوغِ مآرِبِهِ في نشرِ رسائل الكراهيةِ، وتجنيدِ المراهقينَ والأطفال؛ أملًا في استمرارِ أيديولوجيتِهِ إلى الأبد.
لذا فالحربُ ضِدَّ "الإرهابِ الإلكتروني" تبدو وكأنَّها حربٌ نَفَسُها طويلٌ. وكما أوْضَحَتْ صحيفةُ "لكسبريس" الفرنسية، في مقالٍ نُشِرَ يوم الاثنين 23 من يوليو الماضي، أنَّ الهزيمةَ العسكريةَ التي تكبَّدها تنظيمُ "داعِش" في عام 2017، لم تمنع التنظيم من التواجُدِ على الشبكةِ العنكبوتية، بل إنَّ التنظيمَ يسعى لتعزيزِ وجودِهِ عليها بالوسائل المتنوعة، رُّغْم أنَّ القدرةَ الإعلاميةَ للتنظيمِ قد تعرَّضَت لضربةٍ خطيرةٍ، بفقدانِ مدينةِ الرقة السورية، التي كانت بمثابةِ مدينةِ إنتاجٍ إعلاميٍّ للتنظيم، وكذلك باستهدافِ الفِرَق الدِّعائيةِ للتنظيم.
وانتَهَجَت التنظيماتُ الإرهابيةُ المتطرِّفةُ، وعَلى رأسِها تنظيما "القاعدة" و"داعش" سياسةَ "المراوغةِ الإعلاميةِ"، كإحدى وسائل الحربِ الدِّعائيةِ.
 وذلك لخلقِ صورةٍ وهميةٍ لما بعد الموتِ لِمَن يسقُطُ من صفوفِهِم، لإغواءِ المقاتلينَ من جهةٍ، وإخراج أُسَرِهِم من حالةِ الحزن من جهةٍ أخرى، كما تُستخدمُ "المراوغة الإعلامية " لمُغازلةِ أجهزة الأمن، بادِّعاء الموت لمقاتلينَ لديهم مطلوبين أمنيًا.
وهناكَ وكالاتُ أنباء، ومحطاتٌ إذاعيةٌ، ومجلاتٌ رقميةٌ، ومنصاتٌ إلكترونيةٌ، تعملُ عَلى مدارِ الساعةِ؛ لبثِّ الأخبار والبيانات المُرَوِّجَة لاعتناقِ الفِكرِ المتطرف، حيث نُشرِ أكثر من ألفي مقطع فيديو تَمَّ إعدادُهُم خصيصًا لاجتذابِ الشباب.
كما أنّ الفوضى العسكرية التي تكبَّدها تنظيمُ "داعش"، والعواقبَ الماليةَ المترتبة على ذلك؛ أجبَرَت التنظيمَ عَلى تعزيزِ أنشطتِهِ الدِّعائية عَبْرَ الشبكةِ العنكبوتية، وجعلَت النشاط الرقمي  في المحافظات التي ما زالت تحتَ سيطرتِهِ، (لا مركزيًّا)، للحفاظِ عَلى نشرِ أفكاره، وفيما يتعلَّقُ بالصعوباتِ المالية، بخصوصِ تمويلِ أداتِهِ الإعلامية، لجأ التنظيمُ إلى (التمويلِ الجماعي)، لضمانِ استمرارِ استغلالِ الفضاءِ الإلكتروني.
وإذا كان المُحَلِّلونَ وخُبَراءُ مكافحةِ الإرهابِ، يَرَوْنَ أنَّ تنظيمَ "داعش" قد ماتَ إكلينيكيًّا، فالقَلْبُ الإعلامي له ما زالَ يَنْبِضُ، فَهَل سيستطيعُ هذا النَّبْضُ أن يُعيدَ إحياءَ التنظيمِ من جديدٍ أم أنَّها سكراتُ الموتِ؟!
وفي خِضَمِّ الصعودِ الصّاروخي لتنظيم "داعش" إبّانَ خريف 2015، غَمَرَ التنظيمُ الساحةَ الافتراضية بنسيجِهِ المُرَصَّع بالقتلِ والدِّماءِ، ولم يتمكن أيُّ تنظيمٍ أو جماعةٍ إرهابيةٍ من قَبْلُ، أن يحتل مسرحَ شبكاتِ التواصُلِ الاجتماعيِّ، مثلما فَعَلَ تنظيمُ "داعش" مستخدمًا في ذلك التشفيرَ لصندوقِ الرسائل، وتحويرَ الصفحاتِ الخاصة بهم باستخدامِ التقنياتِ الفنيةِ الحديثة؛ لجذبِ وتجنيدِ جحافل المعجبين من كثيفي الاستخدام للإنترنت.
ولكن بُعَيْدَ هزيمَتِهِ السّاحقة عَلى يَدِ التَّحالُفِ الدّولي عام 2017، فها هُم مقاتلو تنظيمِ "داعش" يختبئون في الصحاري النائية؛ في محاولة منهم لفتحِ جبهاتٍ جديدةٍ عَلى صعيدِ حربِهِم الخاصة في أفغانستان وجنوب شرق آسيا وإفريقيا، فهل مَعَ خسارَتِهِ لجهازِه العصبي المُتَمَثِّل في مدينتي "الرقة" السورية و"الموصل" العراقية، بإمكانِ التنظيم الإرهابي الاحتفاظ بقدراتِهِ التدميرية والاتصالية؟!
لأبعد ما يُمْكِنُ تخيُّلَه فالآلة الإعلامية هي السِّلاحُ الأهَمُّ بالترسانةِ الإرهابيةِ، بجانبِ حروبِ العصاباتِ، ومحاولاتِ شَنِّ الهجماتِ.
 ويقولُ المتخصصُ في العلومِ السياسيةِ والدِّعايةِ الخاصةِ بالتنظيماتِ الإرهابيةِ السَّيد "أسييم الدّفراوي" : "بالنسبةِ لـــ(داعش) الذي يفقِدُ يومًا بعدَ يومٍ المزيدَ من تسارُعِهِ عَلى أرضِ الواقِع، فيُمثلُ له الإعلامُ أولويةً قُصْوى، فالدِّعاية الشبكية توفِّرُ له حفظًا لخطابِهِ الإعلامي، وكلماتِهِ الآمرة بالانضمامِ  إليهِ".
 ويَسْتَكْمِلُ حديثَهُ قائلًا : "نحنُ نلاحِظُ تفكيكًا للمركزيةِ التي كانت مسيطرةً عَلى تنظيمِ الدولةِ من قبلُ، فهناكَ أبواقٌ إعلاميةٌ قد حَلَّت مَحَلَّ أبواق أخرى لولاياتٍ أخرى قد سقطَت بالفعلِ، عَلى غِرار "ولاية خُراسان"،التي حَلَّت مَحَلَّ الكثير من الواجهاتِ الإعلامية الداعشية التي سبقت".
ولَقَدْ لاحَظَت الجهاتُ الاستخباراتيةُ، أنَّ لدى التنظيم قدرةً فائقةً عَلى استعادَةِ قوتِهِ الإعلاميةِ وبسرعةٍ فائقةٍ، حيثُ تَمَّ رصدُ مجلة جديدة تُسَوِّقُ لنفسِ المنتج الدّاعشي أسماها "MEDIACTION"، وهي مجلةٌ ناطقةٌ باللغةِ الفرنسيةِ، يتِمُّ نشرُها عَبْرَ حلقاتِ الرسائل المشفرة بـ"تليجرام".
 وهذه المجلة في عدَدِها الأول تكوّنت من 44 صفحة مزودة بالعديدِ من الصور، مع إخراجٍ صحافيٍّ بمستوى عالٍ، وتُسيطرُ عليها الرُّوح الندّية للصحافةِ الفرنسيةِ التي يقولون عن صحافييها أنَّهم مأجورون لتزييفِ الحقائق.
وما أن علمت الجهاتُ الاستخباراتية عن تلك المجلة حتى حجبَتها قبلَ انتشارِها، ولم يُسْمَع عنها مجددًا إلا مَعَ ظهورِ آخرِ أعدادِها شهر أبريل الماضي.
كما أعْلَنْ تنظيمُ "داعش" الحربَ عَلى أكبر موقعِ تواصلٍ اجتماعيٍّ في العالمِ "فيسبوك"، وهدَّدَ بقطعِ رأسِ "مارك زوكربيرج" الرئيس التنفيذي لهذا الموقع.
وكَشَفَتْ شركةُ "Sixgill" للأمنِ السيبراني، النِّقابَ عَنْ هذا التهديدِ المُرَوِّع الذي نشرَتهُ وِحدةُ القراصنةِ التابعة لتنظيمِ "داعش" الإرهابي "United Cyber Caliphate (UCC)". حيثُ نشرَ التنظيمُ صورةً لـــ"مارك زوكربيرج" وهو مقطوع الرأس، ومصحوبة برسالةٍ تهديدية.
كما كَثَّفَت "وحدة القراصنة الداعشية" عملياتِ القرصنة باعتبارها جزء من حملةٍ أُطلقَ عليها الإرهابيونَ "#OpTheWorld."، وتَمَّ خلالها استهدافُ العديدِ مِن المواقِعِ الإلكترونيةِ بنجاحٍ. ووفقًا لخُبَراءِ شركة "Sixgill" للأمنِ السيبراني فإنَّ وحدةِ القراصنة التابعة لتنظيمِ "داعش" الإرهابي (UCC)، قد كَثَّفَت جُهودَها مُنْذُ نهايةِ شهرِ مايو 2018، ونَجَحَتْ في اختراقِ سبعةِ مواقع حكومية عَلى الأقلّ في شرقِ آسيا.
جَديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ هذه ليست المرة الأولى، التي يتِمُّ فيها تهديدُ الرئيس التنفيذي لموقع "فيسبوك" مِنْ قِبَلِ تنظيمِ "داعش"، ففي 2016 نشرَ التنظيمُ مقطعَ فيديو يُظْهِرُ فيهِ ثقوبَ الرَّصاصِ في وجِهِ "مارك زوكربيرج"، وكذلكَ وجه "جاك دورسي" الرئيس التنفيذي لـ "تويتر".
وأرْجَعَت شركةُ "Sixgill" هذا التهديدَ لإغلاقِ إدارةِ هذه المواقع العديدَ من الحساباتِ المتطرفة، وأيضًا باعتبارها وسيلةٍ للرَّدِّ عَلى الإجراءاتِ التي فرضتها، من أجلِ رقابةِ المُحتوى وحظرِ الجماعاتِ الموالية لــــ"داعش"، خاصةً وأنَّ موقِعَ "فيسبوك" يُنْظَرُ إليهِ عَلى أنَّهُ رمزٌ غربيٌّ.
مِمّا سَبَقَ يَتَّضِحُ أنَّ تنظيمَ "داعش" يستغل الفُرْصَةَ ويعمل عَلى استعادَةِ قوتِهِ الإعلاميةِ رُغْمَ الخسائر التي يَتَكَبَّدَها، في محاولةٍ منهُ لتوريةِ خسائِرِهِ عَلى أرضِ الواقع، وللتأكيدِ عَلى أنَّ ما يتعرَّضُ لَهُ من خسائِر هو أمرٌ عارِضٌ، فَهَلْ سيستغِلُّ التنظيمُ "ذِراعَهُ الإعلامي" لتجاوزِ القصورِ العسكريِّ الذي تَعَرَّضَ لَهُ؟ أم أنَّ محاولاتِهِ ستبوءُ دومًا بالفَشَلِ والخُسرانِ؟

 

 

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.