مسلمو الفلبين والحكم الذاتي

  • | الخميس, 25 أكتوبر, 2018
مسلمو الفلبين والحكم الذاتي

"هل سيسهم قانون الحكم الذاتي في الفلبين في إحلال السلام في المنطقة التي تعاني منذ عقودٍ من الصراع الانفصالي؟"

كان هذا هو التساؤل الذي طُرح في الفلبين على نطاقٍ واسع خلال الأيام الماضية، خاصّةً بعد كشْف الرئيس الفلبيني، "رودريغو دوتيرتي"، عن التشريعات المتعلقة بمنْح المسلمين الأحقيةَ في الحكم الذاتي للمنطقة الجنوبية من البلاد، وإعرابه عن رغبته في أن تُسهِمَ هذه الخطوةُ في وضع حَدٍّ للنزاعات الانفصالية في تلك المنطقة من آسيا، وذلك خلال كلمته التي ألقاها قبل تقديمه نسخةً من "قانون بانجسامورو"، لـ"الحاجّ مراد إبراهيم"، زعيمِ "جبهة تحرير مورو الإسلامية الانفصالية".

Image

                                                                                                                                                              رئيس الفلبين وهو يُسَلِّم "حاجّ مراد إبراهيم" نسخةَ القانون


ووافقت "جبهة تحرير مورو" على "قانون بانجسامورو" _الموَقَّع منذ 4 سنوات، والمؤجَّل منذ عام 2014 _ والذي يحمل اسم المنطقة الجنوبية التي تتكوّن من 5 أقاليم، يُشَكِّل فيها المسلمون الأغلبية، في مقابلِ تنازُلِها عن الحصول على الاستقلال التام عن البلاد، وإنهاء الصراع الدائر منذ عام 1978، والذي أَودى بحياة ما يَقرُب من 150.000 شخصٍ (تُشير بعضُ المصادر إلى أنهم 120.000).

ويَنُصّ "قانون بانجسامورو" على أن تَحكمَ الإقليمَ في البداية سلطةٌ انتقالية، تتكوّن من مقاتلين انفصاليين سابقين، وذلك قبل خضوعه في نهاية المطاف لهيئةٍ برلمانية، وستحتفظ الحكومةُ بالوجود الأمنيّ (الشرطيّ والعسكريّ) في المنطقة.

ومن المفترَض أيضًا: أن يقومَ عددٌ من المقاتلين الانفصاليين المسلَّحين، بتسليم أسلحتهم على مَراحِلَ، بموجَب القانون الجديد، كما تحتفظ المنطقة بنسبة 75% من الضرائب المحصَّلة من الإقليم، وستتلقّى مُخَصَّصاتٍ ومِنَحًا سنوية تبلغ قيمتها 5% من الإيرادات الوطنية للبلاد، والتي تبلغ حَوالَي 1.1 بليون دولار.

كما سيمنح القانونُ الإقليمَ الحقَّ في وجود نظامٍ قضائي خاصٍّ به، مُكَوَّنٍ من مَحاكِمَ شرعيّةٍ إسلامية؛ للبَتّ في القضايا المتعلقة بالمسلمين.

من جانبه، وصَفَ الأمينُ العامّ للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريس"، القانونَ؛ بأنه "إنجازٌ كبير على طريق السلام الدائم". كما وصفته بعضُ الصحف العالمية، ومنها: صحيفة CNN؛ بـ"الخطوة التاريخية" في الفلبين، ذاتِ الأكثرية المسيحية الكاثوليكية.

وعلّق "جميل قَيِّم الدين"، أستاذُ القانون والسياسة الإسلامية بجامعة الفلبين، على القانون؛ بأنه يَهدِف لمعالجة شَكاوى المسلمين ومطالبهم في تقرير المصير، ذلك المطلب الذي رفعوه منذ عقود.

بينما صرَّح "مراد إبراهيم"، زعيمُ الجبهة؛ بأنه على ثقةٍ بأن القانون سيُسهِم في إعادة الجماعات الانفصالية المنشقة إلى الساحة السياسية، وهذا بدَوره؛ سيؤدّي لمنع تَكرار سيناريو مدينة "مراوي"، التي تعرّضت للاحتلال، على يد مجموعةٍ من العناصرِ التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي.

وأضاف: أن كل هذه المجموعات المنشقة جاءت نتيجةً للإحباط الناتج عن فشل المباحثات وعملية السلام في البلاد، كما أن العناصر الأجنبية المتطرفة بعد هذه الخطوة، لن تتمكّن من التوافُد إلى الفلبين.

وأكّد "مراد إبراهيم"،  كذلك؛ أن المجموعة المتمرّدة التي تضم ما بين 30.000: 40.000 مقاتلٍ، سوف يَتَخَلَّوْنَ عن أسلحتهم، وهي أولى خطوات الحَدّ من انتشار الأسلحة النارية غيرِ المرخَّصة في المنطقة.
وكانت الاشتباكات التي وقعت في "مراوي"، بين القوات الأمنية والعناصر الإرهابية التابعة لتنظيم "داعش"، قد أسفرت عن مقتل ما يقرب من 1100 شخصٍ، وتَسَبّبتْ في خسائرَ كبيرةٍ بالمدينة، التي من المتوَقَّع هي الأخرى أن تحصل على الحُكم الذاتي.

Image

                                                                                                                                                         مجموعةٌ من العناصرِ التابعة لـ "جبهة تحرير مورو" وهم يحتفلون بالقانون

المسلمون في "بانجسامورو"

Image


نعود مرّةً أخرى إلى "بانجسامورو"، وهي منطقةٌ تَضُمّ جزءًا من جزيرة "مينداناو"، ثاني أكبرِ جزيرةٍ في الفلبين، وسلسلةً من عشرات الجُزُر الصغيرة الواقعة غربَ البلاد، التي تشتهر بأعمال القرصنة واللصوصية.
ويعيش ما يَقرُب من خمسة ملايين مسلمٍ في "بانجسامورو"، وجُزُرِها النائية، منذ ما يَقرُب من عامٍ، ويواجه معظمُهم ظروفًا مَعيشيّةً صعبة، ويشتكي الكثيرون منهم من الظلم وعدم المساواة؛ بسبب الاستياء من سيطرة الأغلبية المسيحية على المعادن والوَقود والثروات المعدنية، لصالح فئةٍ معيّنة من الشعب؛ وهو الأمر الذي يُعَدّ أحدَ مُسَبِّبات العنف العِرْقي هناك.

Image

                                                                                                                                مُتظاهِراتٌ مسلماتٌ في العاصمة "مانيلا" يُطالِبنَ بإيجاد حَلٍّ لإقرار عملية السلام


"جبهة تحرير مورو"، وتاريخ الصراع الانفصالي

تمّ تأسيسُ "جبهة تحرير مورو الإسلامية" (MILF) عام 1981، وهي منظّمةٌ إسلاميّةٌ انفصالية، مَقَرُّها في جنوب الفلبين، وكانت تسعى إلى إقامة دَولةٍ إسلامية مستقلة، أو منطقةٍ تَتمتّع بالحُكم الذاتيّ للأقلية الفلبينية المسلمة، المعروفة باسم شعب "مورو"، كما تُعَدّ أكبرَ وأقوى مجموعةٍ انفصالية في الفلبين.
نشأتْ "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، باعتبارها مجموعةً مُنْشَقَّة عن "جبهة مورو للتحرير الوطني" (MNLF)، والتي تأسّست في سبعينيّات القرن الماضي؛ بسبب الخلافات السياسية والأيديولوجية بين "هاشم سلامات"، أحدِ مؤسّسي الجبهة الإسلامية، و"نور ميسواري"، زميلِه المؤسِّس لـ "جبهة مورو الوطنية للتحرير الوطني"، وزعيمِها، حيث اتهم "سلامات" "ميسواري" بأنه لم يكن يسعى إلى تحقيق أهدافٍ إسلامية حقيقية، أثناء سعيه لاستقلال شعب "مورو".
في ديسمبر من عام 1977، تَزَعّم "سلامات" مجموعةً من أعضاء "جبهة مورو للتحرير الوطني"؛ في محاولةٍ منه للسيطرة على "ميسواري"، ولكن عندما فشلت المحاولة، أَسّس "سلامات" مجموعةً مُنشَقَّة، تُسَمَّى: "جبهة مورو الوطنية للتحرير الوطني الجديدة"، والتي انفصلت بالكامل عن "جبهة مورو الوطنية للتحرير الوطني"، وأصبح اسمُها: "جبهة تحرير مورو الإسلامية".
في أواخر السبعينيّات وأوائل الثمانينيّات، سافَرَ "سلامات" وعددٌ من رفاقه في "جبهة مورو للتحرير الوطني الجديدة"، إلى مُختلِف البلدان الإسلامية؛ من أجل الحصول على الدعم، وقاموا بتقديم تنظيمهم الجديد على أنه البديلُ المعتدِل لـ "جبهة مورو الوطنية للتحرير الوطني"، والتي كانت تُطالِب في ذلك الوقت باستقلالٍ تامٍّ عن الفلبين.
وأعربت "جبهة تحرير مورو الوطنية الجديدة" عن استعدادها لقَبول استقلالٍ ذاتيٍّ إقليميٍّ كبير، مُعتبِرَةً أن هذا الموقفَ سيكون الأكثرَ قَبولًا، والأكثرَ مُناسَبةً لحَشْدِ الدعم من الدول الأجنبية، لكنهم لم ينجحوا في تأمين الدعم الخارجي المادي، خاصّةً وأن معظم الدول الأجنبية كانت تدعم "جبهة مورو للتحرير الوطني".
وفي بداية ثمانينيّات القرن الماضي، شاركت عِدّةُ مجموعاتٍ من قادة "الجبهة" في معسكراتِ تدريبٍ عسكريّ في أفغانستان؛ حيث تَدَرَّبَ هناك ما يزيد عن 300 شخصٍ، لمدة عامٍ واحد ، وحارَب ما يَقرُب من 200 منهم ضد الاتحاد السوفيتيّ في أفغانستان، وقد أكسبتهم هذه المشاركةُ خبرةً قتاليّة؛ كانت سببًا في زيادة العنف المسلَّح في الفلبين، خاصّةً بعد عَودة هؤلاء المقاتلين.
في عام 1984، غَيّرت الجبهةُ الجديدة اسمَها بشكلٍ رسمي؛ ليُصبِحَ: "جبهة تحرير مورو الإسلامية (MILF)"؛ من أجل تمييز نفسِها تمامًا عن "جبهة مورو الوطنية للتحرير الوطني"، ومن أجل تقديمها على أنها جبهةٌ ذاتُ أيديولوجيّةٍ إسلاميّةٍ خالصة.
بدأت "جبهة مورو" نشاطَها المسلَّح بشكلٍ رسمي، بأوّلِ هجومٍ مُسَجَّلٍ لها؛ حيث قامت فيه باستهدافِ زفافٍ كاثوليكي، في عام 1986، وخاضت "جبهةُ تحرير مورو"  "انتفاضةً" _حسَبَ وَصْف بعضهم_ منذ أواخِر السبعينيّات؛ أسفرتْ عن مقتل ما يزيد عن 120.000 قتيلٍ؛ وأدخلتْ جنوبَ الفلبين إلى دائرةٍ من الفقر المُدْقِع والعنف والدموية.
وفي العام الماضي (2017)؛ أدّى النزاع المسلّح وعدم التوصل لحَلٍّ، إلى قيام عددٍ من مُسَلَّحي جنوبِ شرقِ آسيا والشرق الأوسط، وبمساعدةٍ من أحد الفصائل المحلية المعتنِقة للفكر الداعشي _أغلبُهم كانوا ضمنَ "جبهة تحرير مورو" الإسلامية، ويَئسوا من تحقيق عملية السلام، حسَبَ بعضِ المصادر_ بالاستيلاء على مدينة "مراوي"؛ ممّا أدَى إلى نُشوبِ مَعارِكَ استمرّت لمدة 5 أشهر، وخلفت المئات من القتلى.
لعل خطوةَ منْحِ المسلمين الأحقيّةَ في الحكم الذاتي للمنطقة الجنوبية من البلاد، تكون خطوةً مُهِمّةً في إقرار السلام الدائم في المنطقة، والذي بات هدفًا يسعى العالَم لتحقيقه، خاصّةً في تلك المناطق التي تَعَرّضتْ لخطر الإرهاب، ولو لفترةٍ قصيرة، مِثْلَ ما حدَثَ مع الفلبين.  

وحدة رصد اللغة الأردية

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.