الهزيمة الجغرافية لـ"داعش" لا بُدَّ لها من هزيمة أيديولوجية

  • | الأربعاء, 20 فبراير, 2019
الهزيمة الجغرافية لـ"داعش" لا بُدَّ لها من هزيمة أيديولوجية

     دَقّت قواتُ سوريا الديمقراطية "قسد"، طبولَ آخر معارِكِها ضد تنظيم "داعش"، في آخر جيب يتشبث به في شرق "سوريا"؛ للقضاء على ما تبقى من عناصر هذا التنظيم.

جديرٌ بالذِّكْرِ أنّ تنظيم "داعش" يُسيطر الآن على أقل من 1 % من مساحة الأراضي التي كان يسيطر عليها في "العراق" و"سوريا"، فهل تم القضاء تمامًا على تنظيم "داعش"؟!

وفقًا للتقرير الثامن الصادر في 1 من فبراير 2019، عن "الأمانة العامة للأمم المتحدة" بشأن التهديد الذي يُمَثِّلُهُ تنظيم "داعش" في "العراق" و"سوريا" للسلام والأمن الدوليين، فإن التنظيم ما زال يمتلك حتى الآن ما بين (14 ألف) إلى (18 ألف) من المقاتلين في هذين البلدين وحدهما، من بينهم (ثلاثة آلاف) مقاتل أجنبي، إضافة إلى قدرة التنظيم على الوصول إلى الاحتياطات المالية التي استطاع تهريبها إلى بلدان مجاورة للحفاظ عليها، والتي تتراوح ما بين 50 إلى 300 مليون دولار.

وأشار التقرير الأممي إلى أنه في الوقت الذي تكبَّدَ فيه التنظيم نكسات عسكرية كبيرة في "سوريا"، فإنه قد حافظ على قدراته العسكرية التي سمحت له بتنفيذ هجمات إرهابية كبيرة من خلال خلاياه النائمة والمتسللة إلى العديد من المناطق السورية – العراقية.

  • مصير "البغدادي" مجهول حتى الآن:

 

Image

 

هناك سيناريوهات متضاربة حول مصير "البغدادي" المجهول حتى الآن، فما بين أول وآخر ظهور علني لزعيم تنظيم "داعش" "إبراهيم عواد البدري" الملقب بـ "أبي بكر البغدادي" عام 2014، ليُعلن عن دولته المزعومة ويُنصِّب نفسه "أميرًا وخليفة للمسلمين"، من على منبر الجامع "النوري" الكبير في مدينة "الموصل"، معقل تنظيم "داعش" في "العراق" آنذاك، يتساءل مراقبو نشاط التنظيم الإرهابي، ما إذا كان البغدادي على قيد الحياة أم لا؟ وإذا كان على قيد الحياة فأين يختبئ؟!.

في بعض الأحيان تُطالعنا الأخبار والروايات عن تأكيد مقتله، مثلما أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 28 من مايو 2017، وقالت: إنه من المُرجَّح مقتل "البغدادي" إثر ضربة من قِبَلِ القوات الجوية الروسية، والتي استهدفت اجتماعًا للبغدادي في مدينة "الرّقة" معقل التنظيم في "سوريا" آنذاك مع كبار المسئولين في التنظيم.

كما أكَّدَ أيضًا مسئولون إيرانيون في الآونة الأخيرة مقتله، ولكنْ مسئولون أمريكيون قد شكَّكوا في هذه الادعاءات، وقالوا: إن "البغدادي" قد فَرَّ من "الموصل" مع مجموعة من كبار قادة التنظيم، قبل بدء عملية تحريرها في الخريف الماضي. وتارة يُعلن التليفزيون السوري رسميًّا مقتل "البغدادي" في الرّقة.

وها هي صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تَكَهُّنًا آخر حول المصير الغامض للبغدادي، وتكشف عن محاولة اغتيال وانقلاب ضده، في آخر مكان يتشبث به التنظيم في "سوريا"؛ حيث ذكرت الصحيفة أنَّ "أبا بكر البغدادي" زعيم تنظيم "داعش" قد تعرَّضَ في "العاشر من يناير الماضي" لمحاولة اغتيال، نفذها مقاتلون أجانب في صفوف التنظيم في قرية بالقرب من مدينة "هجين" السورية، والتي تقع على الحدود مع "العراق"، حيث يحاول التنظيم التشبث بآخر قطعة من الأراضي التي كان يسيطر عليها في "سوريا".. مشيرةً إلى أنه لم يتم تأكيد هذه المعلومات من قِبَلِ مصادر رسمية حتى الآن. فهل سيتم اغتيال "أبي بكر البغدادي" على يَدِ رجاله؟!

ونقلت الصحيفة عن مسئولين استخباراتيين إقليميين، أنَّ محاولة الهجوم هذه أدَّت إلى تبادل إطلاق النار بين مجموعة من المقاتلين الأجانب والحراس الشخصيين لقائد التنظيم الإرهابي الهارب "البغدادي"، والذين فَرّوا به إلى الصحاري المجاورة.

ووفقًا لنفس المصادر فإنَّ هذا الهجوم كان بقيادة "أبي معاذ الجزائري"، أحد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم. وقد رصَدَ تنظيمُ "داعش" منذ ذلك الحين مكافأة مقابل رأس هذا الرجل الذي يُعتقد أنه كان المُدبِّر الرئيسي لعملية اغتيال "البغدادي"، ولكن تلك المحاولة التي استهدفت زعيم التنظيم لم تؤكدها الدعاية الداعشية أو أجهزة الاستخبارات الغربية.

  • إستراتيجية "التمرد":

لقد تحوَّلَ تنظيم "داعش" في معاقله الرئيسية بـ "العراق" و"سوريا" إلى شبكة سِرّية، تُعطي الأولوية للعمليات الإرهابية المحلية على غِرار حرب العصابات المبنية على "الكر والفر"؛ وذلك لمرور التنظيم بمرحلة انتقالية يعمل خلالها على توحيد صفوفه وإعادة ترتيب أوراقه في كلا البلدين، ليضمن استمرار انتشاره ولو سِرًّا، وليتمكن من استغلال نقاط ضعف تلك الدولتين لإثارة الفتن الطائفية، وكان ذلك سببًا في انخفاض عدد الهجمات الخارجية خلال عام 2018، مقارنة بالأعوام السابقة؛ ويُعزى ذلك الانخفاض إلى الخسائر التي تكبَّدَها التنظيم على يَدِ قوات التحالف الدولي، وإلى تقلُّص أعداد مقاتلي التنظيم، غير أنَّ خطر "داعش" محليًّا أو دوليًّا ما زال مستمرًّا؛ لنيته الصريحة في تشجيع ذئابه المنفردة وخلاياه النائمة ومناصريه على ارتكاب هجمات عشوائية لصعوبة التصدي لها.

وإذا ما أمعنَّا النظر في الوضع الحالي للتنظيم، نجد أنَّ التنظيم قد غيَّرَ جلدَه وانتهجَ سياسيةَ "التمرد"؛ حيث لجأ التنظيم إلى التخلي مؤقتًا عن فكرة تحقيق "الخلافة" المزعومة على أرض "الشام"، لكنه ما زال يتطلع إلى تحقيق هذا المسعى على المدى البعيد. ويظهر ذلك جليًّا من خلال الدعاية الداعشية عَبْرَ الشبكة العنكبوتية.

كما أشار التقرير الثامن الصادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة، إلى وجود حوالي (ثلاثة آلاف) مقاتل داعشي نشطين حاليًا في "العراق"، وستزداد أعدادُهُم بانضمام العناصر الداعشية الفارة من "سوريا"؛ للبحث عن ملاذٍ آمن في صحراء محافظتي "الأنبار" و"نينوى" العراقيتين.

ويبدو أنَّ خلايا التنظيم النائمة في "العراق"، تُخَطِّطُ لأنشطةٍ إجرامية تهدف إلى تقويض السلطة الحكومية في البلاد؛ لتوفير مناخ فوضوي، وإفشال المصالحة بين أطياف الشعب العراقي، مثل اغتيال القادة المحللين، واستهداف مؤسسات الدولة العراقية. ويساعد هذا المناخ الفوضوي الجماعات المتطرفة على لملمة نفسها وتدشين صفوفها وضم المزيد من العناصر للظهور من أجل إشعال حالة من التمرد ضد الحكومة العراقية.

أضف إلى ذلك وجود نحو (13 ألف) قاصر في "العراق" تحت سِنِّ الثانية عشرة، مجهولة هويتهم وجنسيتهم، لعدم وجود أوراق ثبوت هوية، وعدم إدراجهم في سجلات المواليد العراقية، بعضهم من أبناء مقاتلي "داعش" الأجانب في "العراق"، ويُعْتَبَرُ هؤلاء ثروةً بشريةً للجماعات المتطرفة، في الوقت الذي تتنصَّل فيه الدول من تحمل نصيبها العادل من المسئولية حِيالَ رعاياها، لا سيما هؤلاء القُصَّر الذين يمثلون "قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر في أية لحظة، إذا لم يتم دمجهم داخل مجتمعاتهم.

كما أنَّ سياسة "التمرد" التي يتبعها التنظيم في محافظة "دير الزور" السورية، لم تُعرقل القدرات العسكرية للتنظيم، على الرغم من خسارته الأراضي التي كان يسيطر عليها هناك، حيث تقع محافظة "دير الزور"، في شرقي البلاد على شاطئ نهر "الفرات"، وتنقسم حاليًا إلى قسمين: القسم الأول والمتمثل في الجزء الغربي من نهر "الفرات"، مع مدن "دير الزور" و"الميادين" و"البوكمال"، والتي استعادها النظام السوري من قبضة التنظيم. وغَرْب هذه المنطقة لا يزال يُحافظ تنظيم "داعش" على وجوده في الصحراء التي تمتد حتى شرق محافظة "حمص".

أما القسم الثاني فيتمثل في الجزء الشرقي من نهر "الفرات"، وتسيطر عليه القوات الديمقراطية السورية (FDS)، التي أزاحت التنظيم من الشمال في سبتمبر 2017، ولم يبق للتنظيم فيه الآن سوى جيب "هجين"، الذي يقع على الجانب الشرقي من نهر "الفرات".

  • استمرار الدعاية الداعشية وإنْ قَلَّ عددُها:

 

Image

 

اعتمد تنظيم "داعش" فيما مضى اعتمادًا كبيرًا على إستراتيجية إعلامية متكاملة (مسموعة ومقروءة ومرئية)، في الانتشار وتجنيد الشباب حول العالم. وأملًا في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، حاول محاربو التَّطَرُّف إيقاف آلياته الدعائية، التي تُعَدُّ من أبرز ما يُمَيّز هذا التنظيم؛ حيثُ تُبَثُّ محتوياتٌ إرهابيةٌ تعمل على استقطاب الشباب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

ونظرًا لأهمية التصدي للدعاية الداعشية، حاول "ماتيو باكستون"، المتخصص في قضايا الدفاع والمراقب لنشاطات الجماعات المتطرفة، والذي يعمل أيضًا على رصد الصِّراع السوري وتحليله منذ عام 2013، ودراسة المواد الدعائية الداعشية منذ 2015، رسم بيان حالة الدعاية الداعشية عبر الشبكة العنكبوتية، خلال مقابلة له على قناة "TV5MONDE"، والتي كشف خلالها أنَّ الدعاية الداعشية لم تتراجع كما كنا نتصور.

وبسؤاله عن مدى واقعية الانطباع السائد منذ مدة بأن تنظيم "داعش يبث عبر الشبكة العنكبوتية عددًا قليلًا من الفيديوهات الدعائية فهل هذا واقع أم لا؟ أجاب "ماتيو باكستون" – أنَّ هذا الأمر يعتمد على وجهة النظر التي نتبناها، فمن الناحية الكَمية، بدأ عدد الفيديوهات الدعائية في الانخفاض منذ صيف 2015، حتى قبل هجمات "باريس" الدامية، عندما بدأ التحالف الدولي بشَنِّ ضربات مكثَّفة على "العراق" و"سوريا"، فكان هذا الانخفاض متزامنًا مع بداية الخسارة الإقليمية للتنظيم.

ونظرًا لسياسة التصدي للدعاية الإرهابية التي تُطبقها بعض منصّات شبكات التواصل الاجتماعي، مثل موقع التواصل "تويتر"، والذي يُسْتَغَلّ كثيرًا من قِبَلِ الجماعاتِ الإرهابية حتى 2015 – 2016، سارع تنظيمُ "داعش" إلى استغلال التطبيقات المُشَفَّرة ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذَّكية في نشاطاتِه الدعائية والتجنيدية والعسكرية كافة، لا سيما خلال مراحل الإعداد والتجهيز والتنفيذ لهجماتها الإرهابية، حتى بلَغَ استخدام الإرهابيين لتلك الأدوات الإلكترونية ذِرْوَتَه في الوقتِ الرّاهِن.

لكن ما يجب تَذَكُّرُه هو أنَّ الدعاية الداعشية مستمرة حتى مع خسارة تنظيم "داعش" معاقله الرئيسية فى "الموصل" و"الرقة". ففي عام 2018، بَثَّ تنظيمُ "داعش" نحو(62) من مقاطع الفيديو الدعائية الطويلة على الطراز العسكري، وهو أمر مهم نظرًا لعودته إلى سياسة التمرّد في "العراق"، وتقلُّص الأراضي التي كان يسيطر عليها في "سوريا"، ناهيك عن العديد من مقاطع الفيديو الدعائية الأخرى.

وابتداءً من أغسطس 2018، اعتمد تنظيم "داعش" على بَثِّ فيديو واحد طويل كل أسبوع؛ حيثُ قامت وكالةُ "الحياة" الإعلامية التابعة للتنظيم، والتي تستهدف الجمهور الدولي غير العربي - بإنشاء سلسلة جديدة من مقاطع الفيديو التي تُبيّن إحصائيات العمليات العسكرية التي قام بها التنظيمُ، والتي تُضخِّم من إجمالي العمليات كل شهر، ومنذ ذلك الحين يتِمُّ بَثُّ فيديو أسبوعي من هذا القَبيل.

ومِمّا لا شَكَّ فيه أنَّ القدرة الإعلامية لتنظيم "داعش" قد تعرَّضت لضربة قاصمة بسبب فقدانه مدينة "الرّقة" التي كان يستغلها التنظيم كمدينة إنتاج إعلامي. كما أنَّ قوات التحالف الدولي المناهض للتنظيم استهدفت على وجه التحديد خلايا الدعاية التابعة له على مدى الأشهر الماضية، إضافة إلى سياسة حذف المحتويات الداعية للإرهاب والتَّطَرُّف والتي تنتهجها العديد من المواقع الإلكترونية، إلا أنَّ الدعاية الداعشية ما زالت مستمرة.

  • التمويل المادي:

يُشير التقرير الأممي الثامن إلى أنه رغم كون تنظيم "داعش" تنظيمًا عالميًّا بقيادة مركزية متمثلة في شخص "البغدادي" مجهول المصير حتى الآن، إلا أن القيادة العليا للتنظيم أصبحت مختزلة في مجموعة متناثرة من كبار قادة التنظيم الذين يثق بهم "البغدادي"، ويحاول كل عضو منهم تنفيذ عدد من المهام الأساسية التي لا يُمكن بدونها أن يستمر التنظيم، منها الشؤون المالية، واللوجستية، والإعلامية؛ لذا سيواصل التنظيم تقديم الموارد والتعليمات للولايات التابعة له خارج "العراق" و"سوريا"؛ لإثبات قدرته على الوجود.

كما أنه من المرجح أن يسعى التنظيمُ إلى تدشين مركز قيادة لخلافته المزعومة، حال تمكنه من إيجاد بيئة مواتية مرة أخرى؛ ليستغلها في التخطيط للهجمات الخارجية، ولتجميع مقاتليه المشردين بعد سقوط معاقله في "سوريا" و"العراق"، ولاستقبال مقاتليه المفرج عنهم من السجون المحلية أو الأوروبية بعد انقضاء مدة عقوبتهم، ما سيشكل تهديدًا عالميًّا أشرس من ذي قبل، لا سيما وأنّ التنظيم رغم خسارته بعض مصادر تمويله وتقليص التزاماته، لا يزال فى مقدوره الوصول إلى احتياطات مالية تتراوح بين (50) إلى (300) مليون دولار نقدية، نقلها مقاتلو التنظيم في أثناء فرارهم من معاقلهم السابقة في "العراق" و"سوريا" إلى بلدان مجاورة، إضافة إلى استثماره لبعضها في مؤسسات تجارية مشروعة؛ ليستغل هذا المال في تمويل العودة المستقبلية للتنظيم، وتمويل هجمات على نطاق أوسع بمجرد وجود فرصة جديدة.

وليس ثَمَّة رَيْب في أنَّ الخلايا السِّرية، وولايات التنظيم الأخرى لديها القدرة على توفير التمويل الذاتي من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة الإجرامية، منها الاختطاف طلبًا للفدية والابتزاز، إضافة إلى خبرات التنظيم في مجال التمويل وتكنولوجيا المعلومات، التي يمكن استخدامها في خدمة أهدافه التمويلية، مثل التشجيع على استخدام التكنولوجيا المالية الجديدة، كالعملات المشفرة وما إلى غير ذلك.

وفي ظِلِّ إستراتيجيات التمويل المختلفة التي يتبعها تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى، هناك حالة مُلَحَّة إلى التصدي لتمويل الإرهاب؛ وذلك من خلال استحداث تدابير تعمل على تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمكافحة تدفق الأموال إلى الدول والمنظمات والجماعات التي ترعى الإرهاب، وتعمل أيضًا على رفع كفاءة العاملين في مجال الخدمات المالية، لمنع غسيل الأموال ومكافحتها، وكذا التداولات المالية غير المشروعة.

كما أنَّ هناك العديد من التقارير الدولية التي تُحَذِّر من أنَّ خسارة التنظيم لمعاقل نفوذه التقليدية ليست نهاية التنظيم، وليست دليلًا على أنَّ التنظيم قد غَضَّ الطَّرْفَ عن استقطاب وتجنيد عناصر جديدة تُمَكِّنُه من الحفاظ على فكره ونشاطه، إنما تُعَدُّ تلك الهزيمة بمثابة نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة يسعى خلالها التنظيم لمحاولة إعادة تمركزه جغرافيًّا في مناطق بعيدة عن دائرة الصِّراع في "الشرق الأوسط"، وصالحة لاحتضانه ونشر أيديولوجيته، ما يمنح للتنظيم حرية أكبر في الحركة والمناورة، مثل مناطق عدة في "الساحل الإفريقي"، وفي "جنوب شرق آسيا"؛ حيث تشهد موجة عنيفة من بطش جماعات متطرفة قد أعلنت ولاءها لـ"داعش".

ومما سبق سرده يتضح لنا أنَّ الركائز التي يقوم عليها تنظيمُ "داعش" من الفكر المتطرف، والآلة الإعلامية، والتمويل، والمقاتلين، والبيئة الخصبة، ما زالت موجودة وإن ضعُفَت، ما يؤكِّدُ أنَّ الخطرَ الداعشي ما زال قائمًا، لأنَّ الأيديولوجية الداعشية ما زالت مستمرة؛ وذلك لأنها لا تُهزم بالقنابل والسلاح وحدَه، ما يضع دول العالم أمام تحديات من أجل ضرورة مكافحة هذه الأيديولوجية والتصدي لها بشتّى الوسائل؛ لأنه إذا لم يتم التعامل معها بكل حسم، من الناحية الفِكرية والعَقَدية، مع التصدي للبؤر الفوضوية التي تُعَدُّ بيئةً خصْبَةً للجماعات المتطرفة في تلك المناطق، فقد يعودُ التنظيمُ، من جديد، أكثر شراسة في المناطق التي تَمَّ دحرُهُ فيها. فالهزيمة الجغرافية مرتبطة تمامًا بالهزيمة الأيديولوجية. 

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.