روايات بعض العائدين من التنظيم

  • | الخميس, 14 مارس, 2019
روايات بعض العائدين من التنظيم

لا يعنينا في هذا التقرير إصدار أحكام أو تصنيفات لمن وقع في شباك عمليات التجنيد الإرهابية، بل يهمُّنا ربط المعلومات الواردة في روايات العائدين من هذا التِّيه؛ لتحذير المقبلين عليه والمتحمِّسين له، ولدعم الهيئات والمؤسَّسات العاملة في مجال الحماية من التطرف. في هذا التقرير، نقرأ ونحلل تصريحات اثنين من العائدين من تنظيم داعش بسوريا، وهما "ليونورا" و"لوكاس"، وقد أدليا بشهادتيهما للصحف الإخباريَّة الألمانيَّة فور وقوعهما بأيدي القوات النظامية أو القوات الكردية، ونشرتهما الصحف الألمانيَّة بداية الشهر الجاري.

     تبدأ - عادة - شهادة العائدين بتسجيل موقف الندم والحسرة على الاختيارات التي دفعت الشخص إلى ذاك الطريق، وأحيانًا يَتهم المرءُ نفسه بالسذاجة والسطحية، كما هو الحال في شهادة "ليونورا" (ألمانيَّة الجنسيَّة)، والتي نشرتها مجلة (بيلد) الألمانية بتاريخ 2 فبراير 2019، حيث قالت "لقد كنت ساذجة عندما قررت السفر من ألمانيا إلى سوريا للانضمام لتنظيم داعش تزوجت "ليونورا" فور وصولها سوريا -ما يطلقون عليها أرض الجهاد- بأحد عناصر التنظيم الإرهابي، ويُدعى "مارتن لمكا" (ألماني الجنسية)، حيث لم يمضْ على قدومها أيامٌ معدودة، ثم صارت بعدها إحدى زوجاته الثلاث.

لم تكن "ليونورا" وحدها التي سجَّلت تلك الحسرة بعد وقوعها في أيدي قوات النظام أو القوات الكردية، بل صرَّح أيضًا "لوكاس ج"، البالغ من العمر 23 عامًا، لشبكةZDF  الإخبارية الألمانية بتاريخ 14 فبراير 2019 أنَّه حين قرَّر الالتحاقَ بتنظيم داعش كان يافعًا وساذجًا غير مدرك لعواقب الأمور.

Image

 

جرس إنذار ينطلق من نبرة الندم ليعلم من خلفها، ممَّن تراودهم أفكار الالتحاق بهذا التنظيم، أنَّهم مقبلون على خيبة أمل لا مثيل لها، وأنَّهم بوضع أقدامهم على هذا الطريق يكتبون على أنفسهم التِّيه. لعلهما أيضًا يرسلان رسالة لمن يفكرون في العودة عن هذا الطريق والخروج من التنظيم، أنَّ ثمّة فرصة، أول خطواتها التفكير في الأخطاء التي سلسلت فكرَ المرء وأودت به إلى هذا الطريق.

أسلمت "ليونورا" ذات ال 15 ربيعًا وهي بألمانيا، ولم تمر شهورٌ على إسلامها حتى وضعت نفسها على طريق الهجرة، ذاهبة إلى معاقل ما يسمى بالدولة الإسلامية بسوريا. لا شك أنَّه لا بدَّ من ربط إسلامها والتصور الذي اكتسبته أثناء ذلك بعملية انتقالها، إذ كيف لمن في سنها أنْ تتخذَ ذلك القرار الصعب دون أنْ يتلاعبَ أحد بفكرها البسيط وتصوراتها عن الحياة. لا شك أنَّ القائمين على إسلامها أقنعوها بأنَّ للحق بلادًا يهاجر المرء إليها، وللباطل بلادا يهاجر المرء منها، وبناء عليه غادرت الفتاة بلدها التي نشأت وتعلمت وكبرت فيها، والتحقت ببلد لا تعرف فيها سوى بعض الأشخاص. ويؤكد هذا الاستنتاج ما صرَّح به "لوكاس ج." في شهادته، أنَّ إمام المسجد الذي يرتاده شجَّعه على المضي قدمًا في هذا الطريق.

من الغريب أنْ تتفكك هويَّة المرء الوطنيَّة بهذه السرعة، إذ بحسب كلامها، لم تمرْ أشهر قليلة على إسلامها، حتى قررت الرحيل من وطنها، إذ لا شكَّ أنَّ لهذا التفكك السريع أسبابًا. فالشعور بالظلم والتهميش، وكذلك التعميم في الأحكام على المجموعات وتصاعد موجات الإسلاموفوبيا والسياسات التي تدعو إلى طرد اللاجئين والوقوف في صف واحد ضد "أسلمة ألمانيا"، كل هذا تنسج عليه التنظيمات الإرهابيَّة دعايتها لتحويل المسلمين الجدد إلى صفوفها، حيث يشعروهم أنَّهم بإسلامهم سيتحولون إلى مطاردين ملعونين في أوطانهم، أمَّا في معاقل الدولة الإسلامية فهم منعَّمون في رغد العيش ورحابة الجنان. وقد شعر بهذا "لوكاس" أيضًا، عندما أسلم وهو في ألمانيا، حيث قال: شعرت بمعاملة غير عادلة داخل ألمانيا بسبب إسلامي وممارسة شعائري الدينيَّة، كما تهكم الكثيرون على زوجتي.

وبحسب تصريحها لجريدة (بيلد) الألمانية، لم تعش "ليونورا" أيامًا كثيرة في ذلك الرغد، حيث كان للتنظيم سيطرة على المدن الكبيرة بسوريا. ومع فقد التنظيم السيطرة على تلك المدن –وخاصة مدينة الرقة-، خسر التنظيم بذلك أهم رافد من روافد المال، وخسر نقاط ارتكازه وتحول أفراده إلى متنقلين بين المدن، لا ينعمون باستقرار أو رغد أو طمأنينة.

لم تتحمل الفتاة ذات ال19 ربيعًا تلك الحياة القاسية، فقد حاولت بحسب كلامها الهرب من تلك التهلكة، إلَّا أنَّ التنظيم لم يدعها وشأنها في المرة الأولى، حيث قبضَ عليها وأودعها السجن فترة من الوقت حتى استلمها زوجها وتكفَّل بإثنائها عن فكرة الهرب، ولكنها حاولت مرة أخرى، إلَّا أنَّ زوجها استطاع الإمساك بها.

لا يمكن الهربُ بسهولة من هذا التنظيم، فسيمسك بك مرات ومرات، إلَّا أنَّه لا مفرَّ من الهرب، حيث لا عيش مع خيبة الأمل ولا ثمَّة رغد ولا استقرار هناك. وكان خلاص "ليونورا" بأنْ وقعت هي و"زابينا"-زوجة مارتن الثانية- في أيدي القوات السورية الديمقراطية ليتم تفتيشهما واستجوابهما، وكان السؤال الرئيس هو عمل زوجهما بالتنظيم، ماذا كان عمله بشكل محدَّد.

تدّعي كلٌّ من "ليونورا" و "زابينا" أنَّ دورَه اقتصر على تصليح الأجهزة المحمولة والحواسيب، إلَّا أنَّه طبقًا لمعلومات تحصلت عليها جريدة (بيلد) الألمانية فإنَّ "مارتن" كان مشاركًا في العمليات الإجرامية للتنظيم. كذلك عمل "مارتن" في جهاز الحسبة (الشرطة)، حيث كانت مهمته مراقبة مدى التزام الناس بالقيم والتشريعات الإسلامية طبقًا لفهم داعش، وتمَّت ترقيته للعمل بجهاز الأمن العام بفضل تزكية قام بها قائده "أبو ولاء". وطبقًا لمصادر جريدة (بيلد) فإنَّ "مارتن" عمل أيضًا بجهاز الأمن الخاص بالتنظيم الإرهابي (أمنيات)، وكان من مهامِّه في هذه الوظيفة مراقبة الهاربين المحتملين، ومن تشوبهم الشبهة ليأمرَ باعتقالهم.

ويبدو من استجوابهما أنَّهما ليسا على دراية تامَّة بمهام زوجهما "مارتن" داخل التنظيم، حيث لم يكنْ مخولا لهما ترك مهامهما الرئيسة والاهتمام بعمل عناصر التنظيم؛ كانا لا يقومان إلَّا بالطبخ والتنظيف والقيام بأمور الأولاد وتربيتهم، فـ"ليونورا" تحمل على يدها ابنها الثاني، والذي يبلغ عمره أسبوعين، رغم أنَّها لم تتجاوز ال19 عشرة من عمرها، وهي تحكي عن أيامها مع مقاتلي التنظيم وتقول: "كانوا لا يأبهون للنساء، ويتركونهن دون طعام، فقد كنا لا نمثل لهم أي شيء".

وفي نهاية روايتها تأمل "ليونورا" وكذلك "لوكاس" في الرجوع لحياتهما الطبيعيَّة، حيث تقول ليونورا في شهادتها "أريد العودة إلى ألمانيا، إلى أسرتي وحياتي الطبيعية، فقد تيقنت أنني ارتكبت خطأً كبيرًا".

من جانبه، يؤكد  مرصدُ الأزهر إلى أن أهميَّة احتضان العائدات والعائدين من داعش وأطفالهم، وتوفير وسائل الدعم النفسي لهم حيث إنَّهم -لا شك - يعانون أزمات نفسية واضطرابات خطيرة، تعد أحد وسائل حل المشكلة وتقليل حدة تبعاتها، وعلى الدول الحاضنة إيجاد طرق لمساعدتهم ودعمهم قبل التفكير في مثولهم أمام المحاكم.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.