ظاهرة العنف ضد المرأة .. وجه آخر للتطرف

  • | الخميس, 19 ديسمبر, 2019
ظاهرة العنف ضد المرأة .. وجه آخر للتطرف

يحتفل العالم في 25 من نوفمبر من كل عام بـ "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة"... العنف الذي يعد أحد أكثر الجرائم انتهاكًا لحقوق الإنسان وأكثرها انتشارًا عبر العالم. ولكن رغم هذا لا يتم الإبلاغ عنه؛ لأسباب عدة، منها: الخوف من الجناة، أو الخوف من العار، أو الخوف من الإفلات من العقاب. فحسب التقرير الصادر عن الأمم المتحدة ، فإن ما يقرب من ثلث النساء والفتيات يتعرضن في حياتهن للعنف البدني أو الجنسي. كما أن نصف النساء اللاتي قُتلن حول العالم قد قتلن على أيدي أسرهن أو شركائهن، وأن العنف المرتكب ضدهن هو أحد الأسباب الشائعة للوفاة والعجز مقارنة بمن يتوفون بسبب السرطان والأمراض المعدية وحوادث الطرق، أو حتى خلال عمليات الوضع.

ما هو العنف الموجه ضد المرأة؟ وما هي صوره؟

يُعَرِّف إعلان "القضاء على العنف ضد المرأة"، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، العنف ضد المرأة على أنه: "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".

ولهذا العنف العديد من الأشكال والصور منها: الجسدي والجنسي والنفسي، وذلك حسب تقارير الأمم المتحدة، أبرزها:

  • الاعتداء بالضرب أو القتل.
  • الإساءة النفسية.
  • التحرش والمضايقات والاغتصاب.
  • الاتّجار والاستغلال الجنسي.
  • الزواج المبكر.
  • العنف الأسري الموجه ضد المرأة.

 

    مؤشرات وتقارير عالمية

تشير التقديرات إلى أن 35% من النساء في جميع أنحاء العالم قد تعرضن لصورة من صور العنف في مرحلة ما من حياتهن، بينما تظهر بعض الدراسات أن ما يقرب من 70% من النساء قد تعرضن للعنف البدني أو الجنسي خلال حياتهن.

كما تمثل النساء البالغات ما يقرب من نصف ضحايا الاتجار بالبشر - حوالي 49% - على مستوى العالم، وتمثل النساء والفتيات مجتمعة 72%.

وتشير كذلك إلى أن ما يقرب من 650 مليون امرأة وفتاة حول العالم قد تزوجن قبل سن 18 عامًا، وذلك رغم الانخفاض في المعدل العالمي لزواج الأطفال، حيث شهدت منطقة جنوب آسيا انخفاضًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، ومع ذلك، فإن ما يقرب من 12 مليون فتاة تقل أعمارهن عن 18 عامًا يتزوجن كل عام في أفريقيا، وغالبًا ما يؤدي هذا الزواج إلى الحمل المبكر والعزلة الاجتماعية، والانقطاع عن الدراسة، ويحد من فرص الفتاة ويزيد من خطر تعرضها للعنف المنزلي.

على جانب آخر، أظهرت بعض البيانات المتعلقة بعدد من الدول في آسيا وأفريقيا أن النساء ذوات الإعاقة أكثر عرضة بنسبة مرتين إلى أربع مرات لتجربة عنف الشريك من أولئك اللاتي ليس لديهن إعاقات. وأن خطر التعرض لجميع أشكال عنف الشريك والعنف الجنسي يزداد مع شدة الضعف. ففي دراسة استقصائية شملت 3706 من تلاميذ المدارس الابتدائية في "أوغندا"، أبلغت 24% من الفتيات ذوات الإعاقة في الفئة العمرية من 11: 14 عامًا عن تعرضهن للعنف الجنسي في المدرسة، مقارنة بـ 12% من الفتيات غير المعوقات.

    أسباب العنف ضد المرأة

"العنف الجنسي ضد النساء والفتيات يستمد جذوره من هيمنة الذكور التي دامت قرونًا من الزمن. ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن أوجه عدم المساواة بين الجنسين التي تغذي ثقافة الاغتصاب هي في الأساس مسألة اختلال في موازين القوة"... جملة وردت على لسان "أنطونيو غوتيريس"، الأمين العام للأمم المتحدة بشكل واضح وصريح، وتُعَبِّر كليًا عن الواقع والسبب الرئيس فيما تعانيه المرأة عبر العالم.

إن الثقافة الذكورية المنتشرة في عدد من المجتمعات - لا سيما الشرقية منها - والتي ترى في المرأة العنصر الأضعف إنسانيًّا، والكائن الذي خلق فقط لتلبية احتياجات الرجل وتحمل تقلباته وطباعه، كانت بمثابة البيئة الخصبة لتنامي هذه الظاهرة. كذلك التحيز الواضح للرجل على حساب المرأة والتفرقة في المعاملة بينهما منذ النشأة الأسرية، والتي يقوم فيها رب وربة الأسرة بالتفريق في المعاملة بين أبنائهما من الذكور والإناث، وما تولده هذه التفرقة من إحساس الابن بالتفوق المبني على النوع وما يترتب على هذا الإحساس من تعامل بفوقية مع شقيقته في البداية، ثم زميلته فزوجته فابنته.

هناك سبب آخر أشارت إليه بعض التقارير ويعود أيضًا إلى طبيعة البيئة التي نشأ فيها الرجل، حيث أشارت هذه التقارير إلى أن الرجال الذين يمارسون العنف ضد المرأة أغلبهم قد شاهد خلال طفولته والده وهو يعنف والدته ويمارس ضدها العنف بصوره المختلفة. هذه السطوة بمثابة الأداة التعجيزية وحجر العثرة الذي يقف في طريق المرأة والفتاة في حال ما حاولت الإبلاغ عما تتعرض له من عنف وتعنيف. وفي هذا الصدد أشارت بعض التقارير إلى أن أقل من 40% من النساء اللاتي يتعرضن للعنف يطلبن المساعدة. ويعود هذا كما ذكرنا إلى السطوة الذكورية وإلى أن الجاني في بعض الحالات يكون فردًا من أفراد الأسرة، أو حتى بسبب خوفها من العار والفضيحة وذلك في حال تعرضها للتحرش أو الاغتصاب. وأن القليلات منهن تلجأن إلى المؤسسات الرسمية مثل الشرطة.

تتعرض المرأة كذلك للعنف بسبب بعض الإجراءات الإدارية والقانونية والتي تساعد في تنامي حجم الظاهرة ضدها، ففي باكستان على سبيل المثال تعتبر الناشطات الباكستانيات في مجال حقوق المرأة أن مراكز الشرطة النسائية التي يتم إنشاؤها لتكون معنية بمتابعة مثل هذه الحالات يتم إنشاؤها في المدن في حين أن أغلب حالات العنف تحدث في القرى والمناطق الريفية. هذا إلى جانب سطوة العديد من الجماعات الإسلامية والعرقية المتشددة، للدرجة التي تمكنها من الوقوف أمام أي محاولة حكومية لإصلاح الوضع، فعندما حاول البعض تمرير مشروع قانون لتجريم "العنف الأسري" ضد المرأة، عارضته الجماعات الدينية المتشددة والعلماء والسياسيين المنتمين لها؛ بسبب أنه "يخالف الشريعة الإسلامية"؛  حسب زعمهم.

وهنا يجب التنويه إلى أن ظاهرة العنف ضد المرأة في باكستان تتزايد بالدرجة التي احتلت معها باكستان المرتبة السادسة بين دول العالم الأكثر خطورة على حياة النساء، فإنه وفقًا للإحصاءات التي جمعتها White Ribbon Pakistan - منظمة غير حكومية تعمل في مجال حقوق المرأة -  فإن ما يقرب من 7344 امرأة قد واجهن العنف الجنسي بين عامي 2004: 2016، وسجلت 15000 حالة من حالات جرائم القتل باسم الشرف. كما تعرضت 1800 امرأة للعنف المنزلي، وما يزيد عن 5500 امرأة للاختطاف خلال نفس الفترة. ووفقًا لعدد من التقارير الإعلامية، فقد تم الإبلاغ عن ما يزيد عن 24151 حالة عنف ضد المرأة في الفترة ما بين يناير 2011 ويونيو 2017.

إلى جانب ما سبق، يمكن القول بأن أحد أبرز أسباب العنف ضد المرأة هو سوء التنشأة، وتعاطي المواد المخدِّرةِ، وحب التملُّكِ والسيطرة، وضعف الوازع الديني، وغياب القدوة. هذا بالإضافة إلى نشر ثقافة العنف عبر وسائل الإعلام المختلفة.

    جهود الدول في مكافحة هذه الظاهرة

إلى جانب إصدار 144 دولة لقوانين تجرم العنف المنزلي، وامتلاك 154 دولة لقوانين خاصة بالتحرش، تسعى العديد من الدول إلى تحجيم هذه الظاهرة والحد من حدوثها؛ لما لها من تأثير مباشر على سلامة الأسرة، وبالتالي الصحة النفسية للمجتمعات ككل، ولعل باكستان واحدة من تلك الدول التي تكافح من أجل تحقيق هذا الهدف. فمؤخرا، وعلى الصعيد القضائي أعلن كبير قضاة باكستان - مؤخرًا - إنشاء 1000 محكمة للتعامل مع قضايا العنف ضد المرأة. وعلى الصعيد البرلماني وفي نهاية عام 2018 تم تقديم مشروع قانون - في إقليم خيبر بختون خواه - يقضي بتجريم الزوجة التي تتورط في اتهام زوجها بتهم باطلة مثل تهمة التورط في العنف الأسري، بالغرامة التي قد تصل إلى 30 ألف روبية، ومعاقبة الزوج بدفع غرامة تصل إلى 50 ألف روبية، والحبس لمدة ثلاثة أشهر، في حال تورطه بالفعل في مثل هذه الجرائم. وينص القانون - الذي لا يزال معلقًا - كذلك على تجريم الزوج في حال تعديه على زوجته في المنزل أو في مكان العمل، أو في حال قيامه بتهديدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الشبكة العنكبوتية أو الهاتف، وفي حال قيامه أيضًا بتهديد أقاربها. ويتعين كذلك على الزوج في حال حدوث سوء فهم مع زوجته ضمان سلامتها وأمنها، وتوفير النفقة وغيرها من ضروريات الحياة لها ولأبنائها.

كما وافقت اللجنة الدائمة لمجلس الشيوخ في عام 2017 على مشروع قانون يسعى إلى رفع سن الزواج القانوني للنساء من 16 إلى 18 عامًا بأغلبية الأصوات.

وعلى الصعيد الفني، بدأت المخرجة الباكستانية "شرمين عبيد تشينوي"، مهمة جديدة تهدف من خلالها إلى توعية النساء الباكستانيات إلى حقوقهن القانونية، حيث قامت بإطلاق سلسلة جديدة من الرسوم المتحركة بعنوان: "آگاہى: الوعي"، والتي تهدف إلى تثقيف المرأة الباكستانية حول حقوقها، حيث تتحدث إحدى حلقاتها عن العنف الأسري والمنزلي والذي يحدث غالبًا خلف الأبواب المغلقة، وأنه عندما نشاهد امرأة يائسة أو حزينة وتظهر على ملامح وجهها علامات القلق فهذا يعني أنها في الغالب تتعرض لهذا النوع من العنف، والذي يعد من الأمور المنتشرة خاصة في محيط الأسرة أو العلاقات العائلية. أشار الفيديو كذلك إلى أن المرأة ليست الفريسة الوحيدة لهذا النوع من العنف، بل يتعرض له أيضًا الأطفال والرجال، لكن في نفس الوقت تعتبر النساء والأطفال أكثر ضحاياه. وأضاف الفيديو والذي بلغت مدته 2.38 دقيقة أن لهذا النوع العديد من الأشكال منها الاعتداء الجسدي: كالضرب والخنق والحرق، وكذلك العنف الجنسي والنفسي، وكذلك الاعتداء الاقتصادي (المالي).

كما تحدث عن ما يجب فعله على أي مواطن باكستاني خاصة النساء منهن، إذا ما تعرضوا لهذا النوع من العنف أو تعرض له أحد المحيطين بهم، أهمها: التواصل مع الشرطة عبر الخط الساخن (15)، أو التوجه مباشرة إلى أقرب مخفر للشرطة وتسجيل شكوى ضد الجناة. أو عن طريق المراسلة البريدية أو حتى عن طريق المراسلة الإلكترونية. ونوه كذلك على بعض التفاصيل القانونية حتى تكون الفتاة على علم بكل خطوة من الخطوات القانونية المتاحة وفقًا لبنود الدستور.

لقد عزز الإسلام من قيمة الرحمة ومن أهمية نشرها بين عباده، وأرسل رسوله بالهدى وليكون رحمة للعالمين. ونخص بالذكر هنا المرأة الأم والابنة والزوجة. والأخيرة قال فيها عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}... وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}. كما أمر خير خلق الله صلى الله عليه وسلم بحسن معاشرتها، مبيِّنًا أنَّ الخيرية الحقيقية للإنسان في حُسن المعاشرة، وطيب المعامَلةِ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي». كما أوصى صلى الله عليه وسلم‏ بالنساء بشكل عام، ووصفهم بالقوارير، وأوصى بحسن معاملتهم وذلك خلال خطبة الوداع.

إن العنف ضد المرأة بكافة صوره مخالف للشريعة الإسلامية ولنصوصها الصريحة، ولابد من تضافر كافة الجهود من أجل انتزاع هذه الثقافة البعيدة كل البعد عن روح الدين وروح الإنسانية؛ حتى نضمن تأسيس مجتمعات سليمة نفسيًّا وخلقيًّا وروحانيًّا.

 

وحدة رصد اللغة الأردية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.