إسبانيا تواجه الفكر المتطرف بمجموعة جديدة من الإجراءات

  • | الأربعاء, 19 يناير, 2022
إسبانيا تواجه الفكر المتطرف بمجموعة جديدة من الإجراءات

 

     تعد إسبانيا من الدول الرائدة في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، فهي تعمل بشكل دائم على متابعة أنشطة التنظيمات الإرهابية، وتحاول دائمًا أخذ الخطوة الاستباقية لمواجهة أي مُستجدات في هذا المجال على جميع المستويات، خصوصًا الفكري والأمني، وترجع خبرتها الكبيرة في مجال مكافحة التطرف إلى تاريخ أجهزتها الأمنية والاستخباراتية الطويل في مواجهة منظمة "إيتا" الإرهابية وتفكيكها بعد سنوات من الصراع الطويل. وبعد وقوع آخر حادث إرهابي في شارع "لا رامبلا" (برشلونة) في أغسطس عام 2017م، أولت السلطات الإسبانية اهتمامًا كبيرًا بطرق مكافحة الأنشطة الإرهابية، وأخذت الأجهزة الأمنية على عاتقها العمل بشكل قوي وفعال في ملاحقة المشتبه بهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير أمنية وإجراءات احترازية لمنع وقوع أي عمل إرهابي على أراضيها، الأمر الذي دفع التنظيمات المتطرفة إلى التركيز على استخدام الفضاء الإلكتروني كوسيلة لنشر أفكارها واستقطاب المزيد من الشباب، بعد فقدانها الكثير من عناصرها أو ما يعرف بـ "الذئاب المنفردة"، وأصبحت هذه واحدة من أسهل الطرق وأقصرها في تجنيد عناصر جديدة يمكنها الانخراط في تنفيذ مخططاتها الإرهابية.

وعليه استغلت التنظيمات الإرهابية المنصات الإلكترونية المُتعددة لإثبات وجودها على أرض الواقع، بعد فقدانها الكثير من عناصرها واعتمادها على استراتيجية "الذئاب المنفردة" في تنفيذ عملياتها. وقد استفاد التنظيم الإرهابي من انتشار المنصات الإلكترونية المختلفة، حيث أخذ ينشر أفكاره المتطرفة ويبث سمومه بين الناس، خصوصًا بين الشباب. وقد استطاع التنظيم الوصول إلى تلك الفئة بسهولة غير معهودة، واستقطاب البعض منهم. وقد تبنى التنظيم في الفترة الأخيرة استراتيجية إعلامية تهدف إلى تحويل أبشع الأعمال الإرهابية إلى مشهد يتابعه الكثير من المتابعين كما لو كان فيلمًا سينمائيًّا، حتي يجعل الرعب يدب في قلوبهم، خاصة في الغرب. ونجح في جذب انتباه الكثير من الشباب المسلم في العالم الغربي، وهنا تكمن الخطورة، حيث إن هؤلاء الشباب ليسوا على دراية واسعة بعلوم الدين الإسلامي مما يجعل من السهل اختراقهم فكريًّا وانقيادهم الأعمى وتحويلهم إلى أداة لينة في يد كل صاحب فكر متطرف.

وفيما يتعلق بسبل مكافحة المحتوى الإلكتروني المتطرف، أشارت صحيفة "إل إسبانيول" الإسبانية، في عددها الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2021م، إلى أن الحكومة الإسبانية أعلنت عن إنشاء غرفة لمراقبة المحتوى المتطرف على شبكة الإنترنت وإزالته تمامًا، ويأتي هذا في إطار استراتيجية الأمن القومي الجديدة، بسبب وباء "كورونا" المستجد وكونه أحد العوامل العالمية الرئيسة الذي يؤثر على الأمن القومي، وبحسب ما ذكرته "إل إسبانيول"، فإن أبرز ما نصت عليه الاستراتيجية ما يلي: تحديث نظام المراقبة داخل الدولة، وتطوير خطة وطنية استراتيجية لمكافحة حملات التضليل والمنشورات المتطرفة من جانب التنظيمات الإرهابية. كما تؤكد الاستراتيجية على أهمية تحديث الخطة الخاصة بالحماية والوقاية من الإرهاب ومشاركة القوات المسلحة في المهام الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، ومن ثم التمكن من القضاء على التهديدات الإرهابية في الوقت المناسب. كما تهدف هذه الوحدة إلى وقف نشر الأنشطة الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد ارتفاع معدلاتها في الآونة الأخيرة. وطبقًا لما ورد في المجلة العلمية "خوسيه ماريا كوردوبا"، فإن تكيف الإرهاب بسرعة مذهلة مع التطور التكنولوجي لشبكة الإنترنت، سمح للتنظيمات الإرهابية في بعض الأحيان أن يتقدم بخطوة عن قوات الأمن، وربما يرجع ذلك إلى أن التنظيمات الإرهابية عمومًا لم تعد بحاجة إلى نشر تصريحاتها وتهديداتها عبر صفحات الويب الخاصة بها؛ بسبب وجود شبكة إنترنت واسعة بها آلاف الصفحات والمنتديات والملايين من حسابات الأفراد حول العالم.

ومن المقرر أن تُركز الحكومة الإسبانية في الفترة المقبلة على تحديث أدوات الوقاية التكنولوجية من التطرف واكتشافها ومراقبتها، فضلًا عن تركيز القضاء على التطرف داخل السجون من خلال برامج تقييم مخاطر التطرف، كما توصي الاستراتيجية بالتعاون وبذل المزيد من الجهود بين المؤسسات للقضاء على تمويل الإرهاب والوصول إلى الممولين له وملاحقتهم أمنيًّا. أيضًا أكد التقرير، الذي أعدته وزارة الأمن الداخلي، على ضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات لتحديد التهديدات والمخاطر الإرهابية الموجهة ضد إسبانيا، موضحًا أن مكافحة الإرهاب تستند على أربعة ركائز أساسية: القضاء، والوقاية، والمتابعة، والإعداد. كما أكد التقرير على أهمية التعاون المشترك بين الشرطة والجيش والاستخبارات والقضاء في دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والجرائم الخطيرة وتحقيق الأمن.

وبناء على تلك الخطوة التي اتخذتها الحكومة الإسبانية، سيتم فرض رقابة إلكترونية لمواجهة تلك المنشورات الإرهابية عبر الفضاء الإلكتروني، الذي يدخل محتواه كل المنازل ويهدد جميع الأسر، والعمل على إزالتها تمامًا.

ويرى مرصد الأزهر أن عملية القضاء على المحتوى المتطرف والوقاية منه، عملية تكاملية تتضافر فيها كل الجهود؛ فالأجهزة الأمنية لها دور فعال، كما أن للأسرة أيضًا دورًا كبيرًا في مراقبة أبنائها، وحمايتهم من هذا الغزو الإلكتروني، لتجنب وقوعهم فريسة لتلك الأيديولوجيات المتطرفة؛ خاصة مع زيادة استخدام الأفراد لوسائل التواصل الاجتماعي في ظل تفشي جائحة كورونا، واستغلال التنظيمات الإرهابية فترة الحجر المنزلي السابقة لترويج أفكارها المتطرفة.

كما ينبغي على القائمين على مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا القيام بدور أكبر في ضبط المحتوى المنشور على منصاتهم الاجتماعية، وكذلك المنظمات الرسمية وغير الرسمية منوط بها القيام بدور توعوي فعال ونشط لحماية الشباب من الانجرار وراء الأفكار المغلوطة والمتطرفة.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

 

 

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.