"هدم الجدران" إستراتيجية "داعش" الجديدة لاستعادة قواه!

  • | الخميس, 10 فبراير, 2022
"هدم الجدران" إستراتيجية "داعش" الجديدة لاستعادة قواه!

     ما إن سقطت المعاقل الرئيسية لتنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق وتم السيطرة أمنيًّا على تلك المنطقة بنسبة كبيرة عن ذي قبل، وتحديدًا في مطلع عام ٢٠١٨م، إلا وتحدث العالم عن أفول نجم التنظيم الإرهابي وفقدانه أهم مقومات وجوده على الأرض ألا وهي عناصره المتطرفة التي انتهى الأمر بالكثير منها ما بين قتيل وسجين، وهو ما فسره البعض على أنه تلاشي دولة التنظيم المزعومة.

وعلى الرغم من ذلك لم تنخدع معظم الدول التي لها خبرة في مجال الإرهاب من هذا التلاشي الظاهري، وخاصة الدول الأوروبية، التي احتفظت بحالة تأهبها الأمني خشية وقوع هجمات إرهابية على أراضيها.

وكما هو معلوم فإن الخطاب المتطرف يتبع غالبًا طريقة واحدة في نشر أفكاره وبث سمومه، تعتمد أساسًا على النص الديني وتأويله، واجتزائه من سياقاته الزمانية والمكانية؛ لتسويغ أفعاله الإجرامية الخبيثة، مع تغيير طفيف في الأساليب والأدوات التي يستخدمها دعاة هذا الفكر وفقًا لتغير الزمان والمكان.

ولم يخرج داعش عن هذا الإطار الذي انتهجته التنظيمات الإرهابية الأخرى، والتي تسترت برداء الدين ورفعت لواء الدفاع عنه كذبًا وزورًا لشرعنة هجماتهم الإرهابية التي دمرت الحجر والشجر والبشر.

ولكن داعش اختلف نوعًا ما عن باقي التنظيمات، ومن أبرز هذه الاختلافات هو أن انتشاره أخذ طابعًا عالميًّا، واستفاد أيما استفادة من الوسائل التكنولوجية والتواصلية المتقدمة، والتي ساعدته في الانتشار في أقل وقت وبأقل التكاليف، معتمدًا في ذلك على مجموعة من عناصر محترفة استخدمها في إدارة الترويج الإعلامي لفكره المتطرف.

وبعد هذا التلاشي الظاهري كما أسلفنا، فقد التنظيم زعيمه السابق "أبو بكر البغدادي"، والذي لقى مصرعه في السادس والعشرين من أكتوبر ٢٠١٩م في أعقاب ‏هجوم للقوات الأمريكية الخاصة على مدينة "باريشا" في سوريا. وقد أكّد التنظيم نبأ مقتل "البغدادي" في 31 أكتوبر 2019م ‏في تسجيل صوتي نشره عبر تطبيق "تليجرام"، كما أعلن تعيين خليفة له يُدعى "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، زعيم التنظيم الحالي.‏

ولا شك أن مقتل "البغدادي" قد سبَّب تراجعًا ملحوظًا للتنظيم، وتشتُّتًا بين عناصره، ومع ذلك فإن وجود العديد من العناصر الأجنبية ‏في مناطق النزاع بسوريا والعراق شكل خطرًا محدقًا وإشكالية كبرى في كيفية التعامل مع ملف العائدين، حيث أشارت تقارير إلى أن ‏العناصر المتبقية للتنظيم في سوريا والعراق يتراوح عددها ما بين 14 و18 ألف شخص، حسب وزارة الخارجية الأمريكية.

وبناءً على ذلك حاول التنظيم العودة إلى الساحة العالمية من خلال انتهاج بعض الإستراتيجيات الجديدة التي يراوغ من خلالها لإثبات وجوده واستمرار قوته التنظيمية، فكانت وسائل التواصل الاجتماعي والكتائب الإلكترونية هي السلاح الأبرز للتنظيم في ترويج فكره المتطرف، ومحاولة استقطاب عناصر جديدة لصالحه، والتي تُعرف باسم: "الذئاب المنفردة" وهي أحد أهم أدوات التنظيم في المرحلة الأخيرة، إن لم تكن الوحيدة، لتنفيذ هجمات إرهابية، وخاصة في الدول الأوروبية.

 

واعتمد التنظيم على نشر محتويات وتعليمات لتلك العناصر الموالية له عبر الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، وعلى رأسها تطبيق "التيليجرام"، حيث نشر التنظيم طرقًا لكيفية تصنيع المتفجرات من خلال استخدام ‏أجهزة التحكم عن بعد والقنابل اليدوية والزجاجات الحارقة وكيفية استخدامها؛ مع شرح كيفية الاختباء ‏من الكاميرات الحرارية وطائرات التجسس العادية؛ وكيفية تحضير غاز السارين، وغير ذلك من ‏الأنشطة الإرهابية.

كما ركز التنظيم على استخدام أدوات وأساليب أخرى في تنفيذ الهجمات الإرهابية، بعيدًا عن التفجير والمواد المكلفة والتي تحتاج إلى عناصر كثيرة لتنفيذها، فحثَّ أتباعه على تنفيذ هجمات باستخدام ‏أدوات بسيطة ومتاحة مثل إشعال الحرائق باستخدام ادواته الشخصية أو الدهس بالسيارات أو الطعن بالسكين أو الطائرات "المسيرة" بدون طيار.

كل هذه الإستراتيجيات تعد بعضًا مما لجأ إليه التنظيم في المرحلة الأخيرة؛ لإثبات وجوده ولمحاولة العودة على الساحة العالمية والخريطة الإرهابية من جديد، ولكن أخطر ما توجه إليه التنظيم في وقتنا الحالي، على الرغم من محاولاته السابقة لتنفيذه، هو تهريب عناصره الإرهابية المحتجزة في سوريا والعراق.

جدير بالذكر أن "أبا بكر البغدادي" زعيم تنظيم داعش الإرهابي السابق أوصى مقاتليه باقتحام السجون في خطابه الأخير الذي نُشر في نهاية عام 2019م قبل مقتله بثلاثة أشهر.

 

وفي محاولة من التنظيم لجمع عناصره مجددًا تحت رايته، أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم على سجن "غويران"، أكبر سجن في سوريا والذي يشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية، والواقع شمال شرق سوريا، حيث وقع الهجوم في 22 يناير 2022م، الأمر الذي أدى إلى فرار عدد كبير من العناصر الإرهابية من السجن. ويعد سجن "غويران" أكبر السجون السورية التي تحتجز عناصر إرهابية تابعة لـ"داعش" والتي تقدر بـ ٣٥٠٠ إرهابي. ويأتي هذا الهجوم في إطار حملة وإستراتيجية جديدة أطلقها تنظيم داعش الإرهابي تحت عنوان: "هدم الجدران"، وتعد هذه الإستراتيجية الأخطر من بين إستراتيجيات التنظيم، والتي تهدف إلى تحرير عناصره من السجون لجمع شملهم مجددًا تحت رايته تمهيدًا لتنفيذ عمليات أوسع نطاقًا وإعادة السيطرة على المناطق التي هزم فيها قبل ثلاث سنوات.

ومن أبرز الأسباب التي تجعل هذه الإستراتيجية هي الأخطر هو أن العناصر الهاربة على قدر كبير من التدريب والاحترافية في تنفيذ الهجمات الإرهابية، فضلًا عن معرفتها بالمنطقة وكذلك وجود نزعة انتقامية لديها ضد المجتمع والمؤسسات الحكومية للدول. ورغم تأكيد القائمين على شؤون السجن بأنه تم إلقاء القبض على المئات من العناصر الفارة، إلا أن عمليات ملاحقة الفارين استمرت في المناطق المحيطة بالسجن؛ من أجل السيطرة على تلك المناطق بعد فرار السكان منها عقب الاشتباكات التي رافقت الهجوم.

وبدوره، نشر "داعش" مقطع فيديو عقب الهجوم زعم فيه فرار العديد من عناصره خلال الهجوم، عارضًا في الوقت ذاته لقطات لرهائن تحتجزهم عناصره المسلحة. وقد أظهرت هذه اللقطات وجود بيعة جديدة مواكبة لمحاولات التهريب، مما يدلل على أن هناك تخطيطًا مسبقًا بين فلول داعش والقيادات القابعة داخل السجون، الأمر الذي سيترتب عليه تبعات كارثية مستقبلًا.

 ولا يعد هذا الهجوم هو الأول من نوعه، فقد شن تنظيم داعش الإرهابي هجومًا في أكتوبر ٢٠٢٠م على سجن "كانجباي" في الكونغو مما أسفر عن فرار أكثر من 1300 من السجناء، وفي أغسطس من العام نفسه هاجم سجن "ننغرهار" في أفغانستان والذي نجم عنه هروب ما يزيد عن 300 سجين بينهم عدد كبير من عناصر داعش، وذلك وفق ما نشرته صحيفة "لا راثون" الإسبانية.

وطبقًا لتصريحات خبراء مكافحة الإرهاب، فإن هذا الهجوم يعد الأكبر من نوعه منذ سقوط التنظيم، حيث ‏ظل التنظيم الإرهابي يبحث بقوة في المرحلة الأخيرة عن عودته للظهور مرة أخرى على الساحة، وقد وجد ‏ضالته في خطة تهدف إلى الهجوم على السجون التي تقبع فيها عناصره وبعض قياداته وتهريبهم، ‏وبذلك سيكون قد أصاب عصفورين بحجر واحد: تهريب عناصر التنظيم المحبوسين، ورفع معنويات أتباعه ومؤيديه في جميع أنحاء العالم. ‏

وعلى الرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية أعلنت في بيان رسمي لها على أنها استعادت السيطرة عليه عقب الهجوم ، كما تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحباط أية محاولة فرار يمكن أن يقوم بها عناصر التنظيم، إلا أن هذا الإصرار من قبل عناصر التنظيم على الفرار وتعرضهم للموت يعني أنهم عازمون على المضي قدمًا في مخططهم "هدم الجدران".  

ويرى مرصد الأزهر أن تحقيق التنظيم لأي نجاح فيما يتعلق بهذا الملف ستكون له عواقب وخيمة على المستويين المحلي والعالمي، وليس أدل على ذلك مما أشارت إليه الأمم المتحدة في 24 يناير ٢٠٢٢م من التداعيات الأولية لوقوع هذا الهجوم، حيث ذكرت أن حوالي 45 ألف شخص اضطروا إلى مغادرة منازلهم في الحسكة (شمال سوريا) ‏بسبب المعارك الدائرة بين القوات الكردية وعناصر داعش في أعقاب الهجوم الداعشي على سجن "غويران".

وألمحت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، "رافينا شمداساني"، إلى أن الهجوم مكن "عشرات السجناء" من الفرار وأدى إلى وقوع  ‏اشتباكات مسلحة حول المنشآت العامة في المنطقة، بما في ذلك الأحياء السكنية، كما أعربت عن قلقها على سلامة ‏المدنيين وخاصة الأطفال، وذلك بعد صدور العديد من التقارير التي تفيد بأن عددًا كبيرًا من الأطفال ‏محتجزون هناك، داعية المجتمع الدولي إلى التواصل مع الأطراف كافة من أجل تحقيق الحماية للمدنيين.

وكان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف قد حذر سابقًا من تداعيات الأوضاع داخل السجون في كل من سوريا والعراق ومن تهريب السجناء تحديدًا. كما يجدد المرصد تحذيره للقائمين على السجون، مؤكدًا على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من تنامي مخططات تنظيم داعش الإرهابي لتهريب السجناء مستقبلًا، داعيًا إلى ضرورة تكثيف العمليات الأمنية والاستخبارتية، وتغيير إستراتيجية التعامل مع السجناء داخل السجون من أجل القضاء على أية مخططات داخلية أو خارجية لتهريبهم.

ويلفت مرصد الأزهر إلى أن هذا الهجوم يعد أكثر هجمات "داعش" تنظيمًا وقوة بعد الهزيمة التي لحقت بالتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق ومقتل زعيمه "أبي بكر البغدادي" قبل نحو ثلاث سنوات.

كما يحذر المرصد من مغبة هروب عناصر تابعة لداعش من سجن "غويران" وغيره من السجون على استعادة التنظيم جزءًا من قوامه وأحد أهم مقوماته التي تتمثل في عناصره المتطرفة، الأمر الذي يستدعي وجود استنفار أمني خشية وقوع هجمات إرهابية في المنطقة مستقبلًا.

كما يؤكد على خطورة الاهتمام المتزايد لتنظيم داعش الإرهابي بالإفراج عن السجناء من عناصره المتطرفة، وما يترتب على ذلك من مخاطر شديدة سيتأثر بها المجتمع الدولي بأسره؛ لذا ينبغي اتخاذ التدابير اللازمة كافة؛ للحيلولة دون فرار عناصر التنظيم، خصوصًا قياداته، وكذلك العمل على ملاحقة الفارين من العناصر الإرهابية.

وينبه المرصد إلى خطورة اقتصار بعض الحكومات على سياسات السجن تجاه العائدين إلى ديارهم من صفوف التنظيمات الإرهابية دون مراعاة جانب التأهيل النفسي أو المراجعات الفكرية، الأمر الذي يؤدي إلى إرجاء المشكلة وتفاقمها وتزايد مخاطرها؛ إذ إن السجون غير المؤهَّلة تُعد بيئة خِصبة لاحتضان العناصر المتطرفة وتجنيدها.

 لذا ‏يرى المرصد أنه على المجتمع الدولي سرعة إيجاد حلول لمشكلة السجون في العراق وسوريا والمقاتلين الأجانب الموجودين بها، مشيرًا إلى أن اقتحامات السجون التي حدثت في العراق خلال عامي ٢٠١٤م و٢٠١٥م كان لها أثر كبير في زيادة قوة تنظيم داعش الإرهابي.

 

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.