تأثير ارتفاع الأسعار على أوضاع اللاجئين في ظل النزاعات العالمية المعاصرة

  • | الثلاثاء, 17 مايو, 2022
تأثير ارتفاع الأسعار على أوضاع اللاجئين في ظل النزاعات العالمية المعاصرة

يشهد العالم أزمة كبيرة خصوصًا بعد اندلاع الحرب الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا، وتزايد النزاعات العالمية بوجه عام، الأمر الذي أثر بشكل سلبي ملحوظ على النمو الاقتصادي وأدى إلى ارتفاع غير مسبوق لأسعار الكثير من المواد الغذائية، لا سيما في الدول التي تعتمد بشكل رئيس على استيراد نسبة كبيرة من هذه المواد، فقد شهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل السعر غير المسبوق الذي وصل له سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية، إضافة إلى حدوث طفرة تاريخية مؤخرًا في تدفقات اللاجئين.
ومن شأن زيادة حدة ارتفاع أسعار الغذاء أن تؤدي إلى مخاطر أكبر في زيادة انعدام الأمن الغذائي في الدول الأكثر فقرًا كما هو الحال في بعض الدول في القارة الإفريقية والشرق الأوسط، وفي هذا الشأن، أفاد رئيس البنك الدولي "ديفيد مالباس"، أن الارتفاع القياسي في أسعار المواد الغذائية دفع بمئات الملايين من الناس إلى الوقوع في براثن الفقر، كما حذرت الأمم المتحدة، في مطلع شهر أبريل 2022، من تعرض 50 دولة أفريقية وشرق أوسطية لشبح الجوع جراء الحرب.

ومن جانبها، نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" تقريرًا حول انعكاسات استمرار الحرب الحالية على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أوضح "جيلبرت هونجبو"، رئيس صندوق الأمم المتحدة الدولي للتنمية الزراعية أن تأثير ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل بدأ يتضح بالفعل في الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد يتسبب ذلك في تفاقم الجوع والفقر، مع تداعيات وخيمة على الاستقرار العالمي، كما أشار"فريد بلحاج" نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في التقرير ذاته أن "تهديد متحورات كوفيد-19 لا يزال قائمًا، لكن الحرب في أوكرانيا قد ضاعفت المخاطر، خاصة بالنسبة للفقراء".
وبالحديث عن اللاجئين في ظل هذه الأزمة الطاحنة، سنجدهم أكثر الفئات عرضة للمخاطر وأول من تطاله آثار ارتفاع التكاليف، في وقت ما زالت تعاني فيه الدول والمجتمعات من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، في هذا السياق حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الملايين من العائلات النازحة في أنحاء شرق إفريقيا وغيرها من دول الشرق الأوسط سوف يقعون بشكل ملحوظ في براثن الجوع في ظل تضاؤل الحصص الغذائية الناجمة عن الضغوط التي تعاني منها الموارد الإنسانية، جنبًا إلى جنب مع التكاليف المتصاعدة للمواد الغذائية والوقود، كما هو الحال في كينيا والسودان، وتنزانيا وأوغندا، وليببا وسوريا ولبنان، إضافة إلى اليمن التي تمثل أكثر الحالات مأساوية لأنها تضم أكثر من (١٦) مليون شخص يعانون نقصًا حادًّا في المواد الغذائية و(٥) ملايين على وشك المجاعة.
ووفق إحصائيات الأمم المتحدة، فقد تضاعف عدد اللاجئين في شرق إفريقيا ثلاث مرات تقريبًا، من (1.82) مليون في عام 2012م إلى ما يقرب من (5) مليون لاجئ حاليًا، لكن الملفت أن هذه الزيادة الضخمة في عدد اللاجئين لم يقابلها زيادة في المساعدات، بل على العكس، فقد لاحظنا تقليصًا في الحصص الغذائية والمستلزمات الطبية، خاصة بعد تداعيات الحرب الأخيرة في أوكرانيا التي أثرت بشكل كبير على ارتفاع الأسعار في كافة المواد الغذائية والطبية.
إن ارتفاع الأسعار وتصاعد الصراعات يرسمان مستقبلًا بائسًا لملايين اللاجئين والنازحين، وبالتالي ستتسبب هذه الحالة من انعدام الأمن الغذائي في كارثة إنسانية خطيرة ربما تخلق بدورها بيئة حاضنة للعنف والكراهية، أو السخط على الوضع العام خصوصًا بين فئة الشباب مما سيجعلهم عرضة للسقوط بسهولة في براثن التطرف أو الجريمة.
وفي هذا المقام، لا يمكننا أن نغض الطرف عن اللاجئين والنازحين داخليًّا في المخيمات، فهُم من سيعانون من تخفيض الحصص الغذائية، خاصة بعد انقطاع المساعدات الأممية بسبب ارتفاع الأسعار، مما أدى إلى تفاقم الوضع البائس لملايين الأشخاص الذين نزحوا من ديارهم جراء الصراعات والأزمات، ويعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، تبرز من بين سيناريوهات هذه الأزمة الإنسانية تلك المخيمات المعروفة باسم "مخيمات الأرامل" في سوريا، حيث تعيش المئات منهن مع أبنائهن وبناتهن، فعلى الرغم من أن معظم مخيمات النازحين تقدم شكلًا من أشكال المساعدة الإنسانية، فإن سكان "مخيمات الأرامل" تصلهن المساعدات الإنسانية بصورة محدودة جدًّا ومن الصعب للغاية الاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
وفي هذا الصدد، يؤكد تقرير لمنظمة (ورلد فيجن) الظروف المعيشية الصعبة في هذه المخيمات ومعاناة نحو 88٪ من النساء في هذه المخيمات نقصًا في الخدمات الرئيسية من رعاية صحية وسكن لائق وحماية، حيث أوضح أن الغالبية العظمى منهن (95٪) يعتريهن مشاعر سلبية وأن اليأس تمكن منهن، ووضع أبنائهن ليس بحال أفضل منهن، حيث يُجبر أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 11 عامًا على مغادرة المخيمات والاعتناء بأنفسهم في الخارج، ونتيجة لذلك، غالبًا ما يتم تجنيدهم من قبل التنظيمات الإرهابية، أو الانخراط في عالم الجريمة، وهو الأمر الذي حذرت منه "إليانور مونبيوت"، المديرة الإقليمية للمنظمة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، مؤكدة أن الأطفال هم من يدفعون الثمن الأكبر في الحرب، ويتحملون وطأة الحرمان الاقتصادي والظروف المعيشية لأمهاتهم.

بدوره، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الحروب والصراعات هما أساس الخراب والفقر وانتشار الأمراض والاضطرابات نتيجة للظروف غير الآدمية التي يعيشها ملايين من اللاجئين، فلولا الحروب لما اضطر ملايين البشر إلى ترك أوطانهم والتوجه إلى مصير مظلم يعتريه الحرمان من المأكل والملبس والمسكن، والصحة والتعليم والأمن وكل ما يُعين الإنسان على الحياة بشكل طبيعي، فهم أول من يدفع الثمن.
لذا، يناشد المرصد العالم ألا يدير ظهره للاجئين، وعلى وجه الخصوص، مجتمعات اللاجئين الأكثر ضعفًا من الذين لديهم فرص محدودة للحصول على فرص كسب العيش ويعتمدون على برنامج الأغذية العالمي من أجل البقاء، ليس فقط في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، بل اللاجئين في العالم أجمع.
ويرى المرصد أن إنشاء مخيمات للاجئين وفصلهم عن العالم الطبيعي الذي من المفترض أن يعيشون فيه يسهم في تفاقم مشاكلهم وليس حلها، وبالتالي على الدول التي يوجد بها مخيمات للاجئين العمل على دمجهم بشكل طبيعي في المجتمع دون تمييز، وتدريبهم في كافة القطاعات، كالزراعة والصناعة والتجارة وغيرها من القطاعات، إضافة إلى منحهم الحقوق التي تساعدهم على ذلك، مما يؤهلهم للالتحاق بسوق العمل في البلد المضيف والمشاركة الفعالة في الحياة الاقتصادية ليصبحوا فاعلين في هذه المجتمات ونقطة قوة لها.
إن دمج اللاجئين في سوق العمل لا يعود بالنفع على اللاجئين وحدهم، بل على تنشيط اقتصاد الدول المضيفة لهم، وتحول اللاجئين من عبء اقتصادي إلى فرصة لتطوير الاقتصاد، والنموذج الألماني في التعاطي مع أزمة اللاجئين السوريين يستحق الإشادة بسبب الإجراءات الجريئة والسريعة التي اتخذتها الحكومة هناك؛ لسرعة إدماجهم في المجتمع الأمر الذي عاد بالنفع على الجميع.
وختامًا، يشدد المرصد على أن هذه المسئولية تقع على عاتق الجميع، سواء حكومات أو مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي يستلزم وضع إستراتيجية واضحة وعاجلة للتخفيف عن اللاجئين بعد ازدياد معدل التضخم وزيادة الأسعار بشكل كبير، كما يرى المرصد أن أهم القضايا التي يجب على المجمتع الدولي أن يضع لها حلولًا جذرية هى السعي بشكل جاد لإنهاء الحروب والصراعات لأنها أصل كل الأزمات، فلا يمكن للاجئ العودة إلى دياره طالما أن رحى الحروب والصراعات لا تزال مستعرة.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.