تطورات قانون المواطنة الهندي

  • | الثلاثاء, 15 نوفمبر, 2022
تطورات قانون المواطنة الهندي

مررت حكومة "ناريندرا مودي" رئيس وزارء الهند، قانون تعديل المواطنة (CAA) في ديسمبر 2019م، رغم الاحتجاجات الحاشدة في جميع أنحاء البلاد، والذي راح ضحيتها أكثر من (100) شخص بخلاف إصابة الآلاف، إضافة للأضرار المادية الأخرى لا سيما المناطق الشمالية الشرقية و ولاية (آسام) متعددة الأعراق. والذي يشكل المسلمون ثلث سكانها البالغ عددهم (33) مليون نسمة، وهو ثاني أكبر عدد للمسلمين في الهند بعد الجزء الخاضع من كشمير تحت سيطرة الهند.
تعاني الولاية منذ عقود من أعمال العنف بين السكان الأصليين والوافدين الذين فروا إلى الولاية من الاضطهاد؛ حيث عانى أبناء المجتمع الإسلامي سنواتٍ عديدة من الاضطهاد الديني المتكرر، وتمرير قانون المواطنة المثير للجدل يمثل فصلًا جديدًا من انتهاكات حقوق المسلمين، لأنه يرسخ وفق حقوقيين هندوس تمييزًا دينيًّا يتنافى مع الدستور الهندي القائم على المساواة بين جميع الأطياف دون أي تمييز ديني أو عرقي أو غيره.
➢ الخلفية التاريخية لقانون المواطنة الهندي
وعد حزب (بهاراتيا جاناتا) اليميني المتطرف في عام 2014م، في إطار المنافسات الانتخابية، بتعديل قانون المواطنة بهدف كسب ثقة وأصوات المجتمع الهندوسي. وفي عام 2016م بدأت ملامح المشروع تتضح بعد طرح الحكومة برئاسة "ناريندرا مودي" مقترح قانون بشأن منح الجنسية إلى عدد (6) من المجتمعات الدينية المختلفة في ولاية (آسام) باستثناء المسلمين. ثم جاءت نهاية القصة بتقديم "أميت شاه" وزير الداخلية وعضو حزب (بهاراتيا جاناتا) إلى مجلس النواب الهندي مشروع تعديل قانون المواطنة لعام 1955م. وبالفعل نجحت حكومة (مودي) في اقتناص موافقة البرلمان على القانون بتاريخ 10 ديسمبر 2019م. لكن مجلس الشيوخ الهندي قرر وقف تمرير القانون نتيجة المعارضة السياسية واجتياح مظاهرات عارمة مناطق شمال شرق الهند. لكن الحزب الحاكم توعد مجددًا في المنافسات الانتخابية عام 2019م بتعديل قانون الجنسية.
وينص قانون المواطنة لعام 1955م على حظر منح الجنسية إلى المهاجرين غير الشرعيين سواء دخلوا الهند بدون وثائق سفر صالحة، أو تمكنوا من البقاء بعد المدة المسموح بها في وثائق سفرهم، واعتقالهم على الفور أو ترحيلهم. وعلى ذلك يتم تصنيف جميع اللاجئين على أنهم مهاجرون غير شرعيين دون تصنيف أو تمييز ودون اتخاذ الانتماءات الدينية معيارًا للأهلية.

➢ اشتعال الأزمة
كان الهدف المعلن من تقديم مشروع تعديل قانون المواطنة هو التعرف على المهاجرين غير الشرعيين القادمين من بنغلاديش المجاورة، وهي دولة ذات أغلبية مسلمة، بينما حقيقة الأمر كانت استهداف المهاجرين المسلمين، وبناء على ذلك بدأت الهند في احتجاز كل مَن تعتقد أنهم أجانب على أراضيها، في معسكرات أقيمت بشكل مؤقت في سجون ولاية آسام الهندية. يمنح هذا المشروع الجنسية لكل من السيخ والمسيحيين والهندوس والجينيين والبوذيين والبارسيين ممن قدموا إلى الولاية من بنجلاديش وباكستان وأفغانستان، ومكثوا بها مدة (6) سنوات على الأقل، وهو ما أثار ضجة كبيرة وأصبح محل نزاع في الولاية التي شهدت العديد من أعمال العنف بين سكانها الأصليين وبين الوافدين عليها، واعتبروا أن مثل هذا القانون سيسمح "للغرباء" حسب وصفهم بأن يكونوا أكثرية في الولاية على حساب سكانها الأصليين.
وقد أجبر القانون المقيمين في الولاية على تقديم وثائق تثبت تواجدهم في الولاية قبل 24 مارس 1971م اليوم الذي سبق إعلان دولة بنغلاديش واستقلالها عن باكستان. وبموجب المشروع أصبح حوالي (4) مليون شخص بلا جنسية، ويواجهون خطر الترحيل أو الاعتقال وهو ما أثار تخوف خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الأخرى، لا سيما بعد أن أعلنت الحكومة الهندية تجريد نحو (1.9) مليون شخص بولاية (آسام) من الجنسية، وفتح باب الطعن على قرار الاستبعاد خلال (120) يومًا فقط.
واعتراضًا على مشروع القانون، انطلقت المسيرات الاحتجاجية بالعديد من المناطق، وخاصة تلك التي لجأ إليها الملايين من دول الجوار خلال العقود الأخيرة بسبب الاضطهاد الديني. وقد أدى التعامل الأمني العنيف مع الاحتجاجات بولاية (آسام) إلى خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. وبلغت موجة العنف ذورتها بين المسلمين والهندوس في ديسمبر 2021م؛ حين بدأت عمليات إجلاء المسلمين من الولاية باسم الإخلاء. وقد وصف الصحفي الهندي "كوشكا ديكا" الأحداث في (آسام) بـ "غير الإنسانية وغير المقبولة". كما أعرب "راهول غاندي" زعيم حزب المعارضة الرئيسي في الهند، عن تضامنه مع أهالي آسام وقال: "الولاية في مرمى نيران الدولة". واستمرت سلسلة الاعتداءات على ممتلكات المسلمين وتخريب المتاجر، بل إن "سنت برم هانس " الزعيم الهندوسي المتطرف، طالب بسحب الجنسية الهندية من المسلمين والمسيحيين وإعلان الهند دولة هندوسية.

قانون المواطنة بين مؤيد ومعارض
واجه القانون المعدل انتقادات واسعة النطاق داخل وخارج الهند، بدعوى انتهاك مبدأ المساواة وهدم كل ما هو راسخ بموجب الدستور الهندي من مبادئ العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية، وترسيخ التواجد الهندوسي في البلاد على حساب التنوع الطائفي.
وفي هذا الصدد وقع أكثر من (1000) عالم وباحث هندي، على عريضة تعارض مشروع القانون. كذلك انتقدت لجنة الحرية الدينية، كما تعددت ردود أفعال الأحزاب السياسية ضد القانون الذي يقوض الهوية الثقافية واللغوية والعرقية للولاية بحسب حزب (جانا بريشاد). ووصف حزب (المؤتمر الوطني) و(تحالف ميجلايا الديمقراطي) القانون بـ (الخطير). وأشاد "هايثنج بيل لوثا" عضو بارز بحزب (بهارتيا جانتا) بموقف "كونراد سنجاما" رئيس وزراء ولاية (ميغالا) الرافض للمشروع ووصفه بـ"بطل شمال شرق الهند".
في المقابل أشاد الكثيرون بالقانون والحكومة، مثل "موهان باجوات" رئيس حزب (آر ايس ايس) اليميني المتطرف، ووصف القانون بـ (طوق النجاة) للفارين من دول الجوار بسبب الاضطهاد.

آخر المستجدات
سمحت وزارة الداخلية الهندية بتاريخ 2 نوفمبر 2022م للهندوس والسيخ والبوذيين والجينيين والبارسيس والمسيحيين القادمين من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان الذين يعيشون في منطقتي أناند وميهسانا في ولاية غوجارات الحدودية بالتسجيل كمواطنين من الهند، وتم اتخاذ قرار منح الجنسية بموجب قانون الجنسية الهندي لعام 1955 والذي ليس له علاقة بقانون المواطنة المثير للجدل لعام 2019 .
نظرًا لأن الحكومة لم تضع اللمسات الأخيرة على القواعد المنصوص عليها في هذا القانون، ولذا لم يتم منح أي شخص الجنسية بموجبه حتى الآن. ووفقًا للإخطار الصادر عن وزارة الشؤون الداخلية الهندية، سيتم السماح لهم بالتسجيل كمواطنين هنود وسيتم منحهم الجنسية الهندية بموجب المادة 5 أو 6 من قانون الجنسية لعام 1955، إلا أن حكومة مودي نفذت القانون بناء على الانتماءات الدينية، ولم تمنح الجنسية الهندية لأي من المسلمين كذلك. الأمر الذي يؤثر دون أدنى شك سلبًا على صورة الهند باعتبارها واحدة من أقدم الدول الديمقراطية الراعية لاحترام الحريات الدينية والتي كانت مثالًا يضرب في التعددية.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.