"تزييف الوعي" عبر شبكات التواصل الاجتماعي.. عوامل التصدي، وآليَّات المواجهة

  • | الأحد, 11 ديسمبر, 2022
"تزييف الوعي" عبر شبكات التواصل الاجتماعي.. عوامل التصدي، وآليَّات المواجهة

     تكنولوجيا الاتصالات الحديثة سلاح ذو حدين، لأنها بخلاف دورها في الارتقاء بالمستويات التعليمية والثقافية وغيرها، تنطوي على جوانب سلبية جعلتها أرضًا خصبة لكل من يريد التلاعب بعقول الآخرين نظرًا لسهولة استخدام هذه الوسائل وسرعة وصولها، واتساع نطاق تأثيرها.  ونتناول في هذا التقرير الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي وتحديدًا في "تزييف الوعي"، بالارتكاز على: ملامح تزييف الوعي، ورصد أسبابه، والوقوف على انعكاساته على المجتمع، وذلك على النحو الآتي:

أولًا: مفهوم تزييف الوعي 

تضم أية دراسة تتعلق بالمفاهيم كثيرًا من المقاربات المختلفة، التي قد تجعل الكاتب في اتجاه، ومَن يقرأ له في اتجاه آخر، لذلك وجب أن نرشد القارئ إلى أن المقال التالي سوف يتناول مفهوم "تزييف الوعي" من منظور "علم الاجتماع" من جهة، ومكافحة التطرف من جهة أخرى.

وفي تحقيق (تعتمد على سلاح مواقع التواصل الاجتماعي .. حرب تزييف الوعي) المنشور بجريدة الأهرام المصرية عام 2017م، عرفت الدكتورة "ثريا بدوي" تزيف الوعي بـ:" صنع أعداء وهميِّين للإنسان بديلًا عن الأعداء الحقيقيِّين، وطرح أهداف أمامه يتعارض سعيه لتحقيقها مع مصالحه الأساسية... ويعكس هذا التزييف عدم إدراك بعض القائمين على وسائل الإعلام أهمية الدور الذي ينبغي عليهم القيام به لخدمة الوطن". مشيرة إلى أن الوطن عانى تزييفًا للوعي، بدليل ما شهدناه منذ سنوات عديدة من أحداث أطلق عليها اسم الفتنة الطائفية، ولكنها في الحقيقة كانت تعبيرًا عن وعي زائفٍ، تغذيه تنظيمات متطرفة، تعتنق أفكارًا تكفيرية، تريد أن تضلل الرأي العام، بمعتقدات زائفة لتسيطر عليه.

وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا فاعلًا ومعاونًا للتنظيمات الإرهابية في تزييف الوعي المجتمعي بصفة عامة، والشبابي منه بصفة خاصة، حيث أسهمت في ترويج الفكر المتطرف، وطرحت من خلاله أهدافًا تتعارض مع المصالح الأساسية للشباب والمجتمع، واستبدالها بأخرى لا تتوافق مع مصالح أوطانهم، بدافع تحقيق أرباح تخدم مصالح القائمين على وسائل التواصل الاجتماعية الشخصية.

ثانيًا: مخاطر تزييف الوعي

تتجلى خطورة الوعي الزائف في الانحراف بالفرد نحو مسارات خاطئة، تجعله عاجزًا عن التمييز بين الصالح والسيِّء، نظرًا لاعتماده معايير غير موضوعية، وتبنيه أفكارًا مغلوطة، فضلًا عن تنميط آرائه ووجهات نظره. ومع مرور الوقت يستحيل تغيير هذه القناعات التي اكتسبت صفة المسلمات، وتزداد الخطورة عندما لا يمكن دفعه إلى مراجعة تلك الأفكار، وذلك بسبب تمحوره حول فكرة أو جماعة بعينها يرى الصواب المطلق فيما تقوم به، والخطأ المطلق فيما يقوم به الآخرون.

ويتعرض المجتمع إلى هجمة شرسة تستهدف الوعي، من خلال بث مفاهيم مغلوطة، والتحريض على الفوضى، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار، وزرع اليأس والإحباط، وتحريف الواقع ونشر الشائعات والأفكار الهدامة، وبث روح الكراهية والتشكيك بصورة مستمرة في ثوابت المجتمعات وجهود رموزها الدينية والسياسية.

وتستغل التنظيمات المتطرفة فئات النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وطلاب المدارس وغيرهم من محدودي الثقافة، الذين يشاركون بغير وعي أو ربما بحسن نية، منشورات لا يعرفون مصدرها ولا الهدف الحقيقي من ورائها. فتستغل التنظيمات تلك الحالة من محدودية الوعي، وضعف القدرة على تقييم الأفكار والمواقف، وتستخدم من يتصف بهذه الصفات كأدوات ووسائل لترويج منشورات تهدف إلى تزييف الوعي.

ثالثًا: الأساليب المتبعة في تزييف الوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي

كانت القوى الكبرى في السابق تشرف على عمليات تزييف الوعي وَفق أجندات مدروسة بعناية؛ بقصد رعاية مصالحها وفي جو من الصراعات مع قوى أخري تنافسها، وكان الأمر يستلزم جهدًا كبيرًا وتكاليف باهظة، مع تحقيق أهدافٍ متواضعة. إلا أن المسألة أصبحت أسهل مع العالم الافتراضي نتيجة انخفاض التكلفة المالية والجهود المبذولة وتعدد الأساليب، مثل تغيير المحتوى المقدم، عن طريق التلاعب بالألفاظ والجمل، وتضليل الرأي العام، وإغراق العقول بمواد تافهة.

وتستخدم منابر التطرف والإرهاب، وسائل التكنولوجيا في عرض المحتوى المُضلل على الجمهور المستهدف، لخلق حالة من الفوضى، وتشكيك المجتمعات في مسلماتها، وتحريف ثوابتها وتغييب قيمها، بهدف جذب العامة عن طريق اجتزاء أطراف من حقائق لا خلاف فيها، من داخل قضايا مهمة مطروحة على ساحة الأحداث، فيخرجونها من سياقاتها، ويبثونها مقرونة ببعض الأكاذيب والشائعات المغرضة، ودعمها أحيانًا ببعض المقاطع الصوتية أو المرئية.

رابعًا: أساليب مواجهة تزييف الوعي

ينبغي مكافحة تزييف الوعي عن طريق صناعة الوعي وتطويره، فهذا هو الضامن لحماية المجتمع وتقوية مناعته، ضد ظاهرة الشائعات ونشر المعلومات المغلوطة. كما ينبغي – في أثناء القيام بذلك- مراعاة اختلاف المستويات الفكرية في خطط صناعة الوعي، وأيضًا مراعاة استخدام اللغة التي يتم التعامل بها على وسائل التواصل، مع الأخذ في الاعتبار أن قوى الشر تدرك أن الأطفال والشباب هم العقل الأسهل والأسرع في الاستقطاب، وهو ما يتطلب توافر جملة من الآليات، من مثل:

  • تفعيل دور الأسرة، والمؤسسات التعليمية، وإدارة المساجد، ودُور العبادة، والمراكز الثقافية، في ترسيخ مبادئ المواطنة ورُوح الولاء والانتماء للوطن، والتحذير من مخاطر محاولات النيل منه عبر تزييف وعي أفراده.
  • مضاعفة جهود وسائل الإعلام في التوعية، وخصوصًا في مجال الفنون والآداب، والتي يُعوَّل عليها كثيرًا في صناعة الوعي.
  • ضرورة تكاتف المؤسسات الثقافية والإعلامية المعنية من أجل صناعة وعي سليم لدى المواطن، قائم على الحقائق الصادقة، والمعلومات الصحيحة.
  • استغلال التكنولوجيا على النحو الأمثل لنشر الفكر الصحيح، ومواجهة سيل الأفكار المغلوطة والشائعات، التي يتم نشرها عمدًا من جهات معادية. وهذا يفرض علينا عدم ترك عالم الفضاء الإلكتروني الافتراضي ساحةً مفتوحة أمام المتطرفين، بل ينبغي مزاحمتهم فيه.
  • تنمية مهارة التفكير النقدي لدى الشباب والأطفال؛ عن طريق تعريفهم أهمية العقل واستخدامه في معرفة مدى صحة ما يصلهم من معلومات.
  • توجيه الأفراد إلى ضرورة الالتفاف حول النماذج المضيئة والمشرفة في الوطن، واتخاذها نماذج وقدوة في حياتهم.

ولا يفوتنا في هذا السياق، أن نذكُر تعرُّضَ المجتمع المصري لحملات تزييف مستمرة وممنهجة، عن طريق بعض المؤثرات، من أهمها "سلاح الشائعات"، لكنَّ الدولة المصرية تصدَّت لهذه المحاولات عن طريق تكاتف مؤسساتها لصناعة الوعي، وقد رأينا مؤسسة الرئاسة -على مدار عشر سنوات- تعقد مؤتمرات ومنتديات للشباب، يشارك فيها الشباب من جميع أنحاء مصر، ويلتقون برئيس الجمهورية، مع كوكبة من المتخصصين في المجالات السياسية والدينية والاقتصادية، لتقوم معهم بحوار ونقاش هدفه الأول والأساسي هو مكافحة تزييف الوعي.

 كما رأينا مؤسسة الأزهر الشريف تقوم بواجب التوعية الدينية للتمسك بالمنهج الوسطي، متمثلًا في هيئاتها كافة مثل مرصد مكافحة التطرف، ومركز الفتوى الإلكتروني، والأروقة، وغيرها حتى ظهرت ثمار هذه الجهود في عديد من المواقف التي أثبت فيها الشعب المصري أنه على وعي كبير بما يُحاك من مؤامرات حوله، وما يستهدف الوطن.

وحدة رصد اللغة التركية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.