المليشيات الانفصالية في باكستان.. جيش تحرير البلوشستان

  • | الثلاثاء, 13 ديسمبر, 2022
المليشيات الانفصالية في باكستان.. جيش تحرير البلوشستان

     برزت على مدى التاريخ الكثير من الحركات الانفصالية حول العالم، كتلك التي كانت سببًا في تفكك الامبراطوريتين النمساوية والعثمانية، والاتحاد الروسي وغيرها، وهى حركات تطالب بالانفصال والاستقلال عن دولة معينة بهدف تأسيس دول أخرى قومية أو عرقية، ولذلك غالبًا ما تنشط على المناطق الحدودية والمترامية الأطراف. ويتزامن ظهور الحركات الانفصالية مع موجات الأزمات الشديدة بعد الحروب أو نتيجة للتطرف العرقي أو الديني، مثل انفصال كتالونيا عن إسبانيا، وكردستان عن العراق. وتعد قضايا الاضطهاد والتمييز والاستضعاف هي العوامل المشتركة بين جميع التنظيمات الانفصالية، وفق "سعيد كرم" الباحث بمؤسسة الأهرام.
وقد تتبنى هذه الحركات أساليب سلمية أو غير سلمية وسيلةً للتعبير وفرض موقفها، كالتمرد وهو يعبر عن حالة اللا قبول والرفض والمقاومة للنظام السائد بهدف التوجه نحو الانفصال، وكذلك عدم قبول أفكار وسياسات السلطة المركزية والتوسل بالعنف الجماعي كاستعمال السلاح وإنشاء الميلشيات العسكرية، على غرار ما يحدث في إقليم السند أو إقليم البلوشستان محور المقال.

Image

أقاليم وحركات الانفصال أو الاستقلال حول العالم

جيش تحرير البلوشستان (BLA : بلوچستان لبڑيشن فرنٹ)
حركة متمردة سرعان ما تحولت إلى تنظيم انفصالي مسلح يقوم بمماراسات إرهابية باسم العِرق، ويتكون من (1000) مسلح ينشطون بشكل رئيس في المناطق العرقية البلوشية من باكستان، ويتطلع إلى تأسيس دولة بلوشية ذات سيادة. يستهدف التنظيم بالأساس أفراد الجيش الباكستاني بدعوى نهب موارد الإقليم، ويرفض الالتزام بالقانون والنظام العام للدولة الباكستانية.
وتجدر الإشارة إلى انتشار العديد من التنظيمات الإرهابية في إقليم بلوشستان المقاطعة الأكبر في باكستان من حيث المساحة، ويشترك في الحدود مع أفغانستان وإيران. ووفق بيانات وزارة الداخلية الباكستانية، يضم الإقليم حوال (13) حزبًا انفصاليًّا محظورًا، أبرزها جيش تحرير بلوشستان المصنف كـ"تنظيم إرهابي للقتل باسم العرق والدين". وعقب سلسلة من التفجيرات والعمليات الإرهابية، صنفت الحكومات الباكستانية والبريطانية عام 2006م، التنظيم كأول تنظيم انفصالي إرهابي في إقليم بلوشستان، تلاها وتحديدًا في العام 2019م إدراج التنظيم على قائمة التنظيمات الإرهابية الأمريكية. غير أن بعض المحللين السياسيين والعسكريين يعتبرونه امتدادًا لحركات التمرد العرقية البلوشية، التي نشطت في المدة (1973- 1977م).
تشكل قبيلتي (المري) و (البوجتي) أغلب عناصر التنظيم، ويعد "سردار أكبر خان بوجتي" الذي شغل منصب رئيس وزراء بلوشستان، أحد كبار قادة التنظيم، وقد لقى مصرعه في عملية أمنية بتاريخ 26 أغسطس عام 2006م. وبحسب تصريحات (فيصل بوجتي) زعيم حزب بلوشستان الجمهوري (BRP) فقد بدأت العمليات المباشرة بين التنظيم والجيش الباكستاني بتاريخ 17 مارس 2014م، بعد اعتقال أكثر من عشرين من عناصر التنظيم في حادث اختطاف أفراد لجنة الهدنة العسكرية خلال دورية روتينية في منطقة (سوي). يُذكر أن عمليات الخطف من أهم أدوات التنظيمات الإرهابية المسلحة في توفير المتطلبات المالية، فضلًا عن دورها الدعائي ونشر الرعب والإرهاب.
نشأة التنظيم
ظهر جيش تحرير بلوشستان (BLA) للمرة الأولى في أوائل السبعينيات وتحديدًا عام 1973م، تحت مسمى حركة (بلوشستان المستقلة المتمردة) حسبما أعلنت حكومة رئيس الوزراء (ذو الفقار على بوتو) الأولى آنذاك. لكن ومع صعود "ضياء الحق" إلى منصب رئيس الحكومة، بدأت عملية التفاوض مع القيادة القومية البلوشية بهدف إنهاء التمرد المسلح. لكن سرعان ما توترت الأوضاع نتيجة اعتقال الزعيم القومي "نواب خير بخش موري" بتهمة قتل القاضي "نواز موري" في عهد الرئيس السابق "برويز مشرف". وبدأ جيش تحرير بلوشتسان سلسلة من الهجمات على المنشآت الحكومية وقوات الأمن في أجزاء مختلفة من بلوشستان.
وبذلك فقد تأسس التنظيم بشكل رسمي في صيف عام 2000م، بإعلان مسؤوليته عن سلسلة الهجمات التي وقعت خلال تلك الفترة، وخاصة بعد أن شارك في عدد من عمليات التطهير العرقي ضد غير المنتمين لعِرق "البلوتش" في الإقليم. وبمرور الوقت امتدت لتشمل خطوط أنابيب الغاز وأبراج الكهرباء والمنشآت الوطنية، إضافة إلى الهجمات على القوات العسكرية والأمنية والمواقع التابعة للجيش، بدعوى حرص التنظيم على "تقرير مصير الشعب البلوتشي" وفصل إقليم "بلوشستان" عن "باكستان"؛ بسبب احتكار الحكومة لموارد الإقليم الطبيعية والتخصيص غير المتكافئ للوظائف لمواطني إقليم البنجاب على حساب البلوتش سكان الإقليم الأصليين، ولذا يطالبون بحكم ذاتي، وبناء دولة قومية مستقلة.
ومع انعقاد القمة السنوية لحقوق الإنسان في جنيف عام 2017م، أطلق التنظيم حملة باسم (بلوشتستان الحرة) نشر خلالها العديد من الملصقات والشعارات في الأماكن العامة بسويسرا للمطالبة باستقلال بلوشستان وتعرض صورًا عن سوء معاملة الأقليات في باكستان. حينها اتهم وزير شؤون الحدود "عبد القادر بلوش" حكومة الهند بتمويل الحملة، حسبما ذكر مراسل فضائية (بي بي سي) البريطانية. وبعدها أعلن النظام الباكستاني، تصنيف جيش تحرير بلوشستان منظمةً إرهابية، وبالتالي حظر نشاطها في أي دولة أو منتدى تحت أي ظروف وفقًا لميثاق الأمم المتحدة باعتبارها منظمة إرهابية محظورة.
عمليات التنظيم الإرهابية في المدة 2020- 2022م
تصاعدت الهجمات الإرهابية بالقرب من الحدود الأفغانية هذا العام، وطبقًا لتصريحات وزارة الداخلية بمقاطعة بلوشستان جنوب غرب باكستان، فقد ارتفع مؤشر الحوادث الإرهابية بنسبة 90٪ خلال عام 2021م، مقارنة بالعام الذي سبقه؛ حيث الإبلاغ عن (137) حادثة إرهابية في عام 2021م أسفرت عن مقتل أكثر من (130) شخصًا. وكان وراءها جميعًا المتطرفون والانفصاليون البلوش، وفيما يلي عرض لأبرز العمليات الإرهابية:
• أسفر انفجار في 13 يناير2021م بمدينة تربت عن مقتل (4) أفراد من قوات الأمن. أعقبه انفجاران بمقاطعة باجور أسفرا عن استشهاد شرطي، و 3 جرحى. أيضًا في 27 أبريل 2020م استشهد (2) من الجيش الباكستاني، وأصيب (5) آخرون برصاص الإرهابيين. وفي 21 ديسمبر2020م استشهد أحد أفراد الجيش الباكستاني في أثناء اشتباكات مع الإرهابيين في منطقة آواران في بلوشستان، وفي الأسبوع نفسه استشهد (٧) أفراد آخرين في مواجهة مع الإرهابين في منطقة (هرنائى) بإقليم بلوشستان.
• وفي عام 2021م شارك (5) عناصر من جيش تحرير بلوشستان المحظور (BLA) في تسهيل الهجوم على القنصلية الصينية، وذلك بتوفير الذخائر والأسلحة والمتفجرات، واعترف المتهمون بذلك في 11 يناير 2021م. وفي 28 نوفمبر 2021م أعلن "مريد بلوتش" المتحدث باسم "جيش البلوتش المتحد في بيان له؛ تبني التنظيم العديد من الهجمات الإرهابية في إقليم البلوشستان خلال عام 2021م في كل من جوادر وتربت وهوشاب ، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة الكثير من قوات الأمن. كما أعلن " ميجر جهرام بلوتش" المتحدث باسم " جبهة تحرير البلوتش" في 1 ديسمبر 2021م مسئولية التنظيم عن الهجمات الإرهابية على العديد من المواقع العسكرية لقوات الأمن الباكستانية في الإقليم.
• وازدادت حدة العمليات الإرهابية شراسة مع بداية عام 2022م. ففي 2 فبراير ٢٠٢٢م أعلن جيش تحرير البلوش مسؤوليته عن عملية جانجل، حيث الهجمات على مقر القوات الباكستانية في نوشكي وبنجور، قائلًا: إن "عملية جنجل" اكتملت في غضون 72 ساعة بعد مقتل أكثر من 195 من جنود الجيش الباكستاني؛ بينهم (٣) ضباط، والتي نفذتها كتيبة لواء مجيد من جيش تحرير بلوشستان، حيث هاجمت وحدتان مختلفتان مقرات نوشكي وبانجور الحدودية في آنٍ واحد. وأسفرت عن الاستيلاء على معسكرين لقوات الأمن، وكانت العملية الإرهابية ردًّا على مقتل "القائد جانجل " الذي قتل مع (٥) آخرين في عملية لقوات الأمن في 24 سبتمبر ٢٠٢١م بمدينة قلات. وكان الهدف الرئيسي لعملية جانجل الإعلان للعالم بأسره إلى أي مدى يقدر التنظيم على تنفيذ الهجمات، ويظهر قوة الوحدة في المقاومة البلوشية، حيث حظيت العملية بالدعم الكامل من الأحزاب البلوتش المتحالفة.
• أعقب عملية جانجل تفجير جامعة كراتشي في 26 أبريل 2022م، والتي أسفرت عن مقتل (3) مدرسين صينيين وسائقهم الباكستاني الجنسية، وكان المنفذ امرأة وهي تعد أول انتحارية في التنظيم.
• وفي 9 أكتوبر ٢٠٢٢م أصيب (٤) أفراد نتيجة انفجار في كويتا بإقليم البلوشستان. كما استهدف التنظيم قوات الكوماندوز التابعة للجيش الباكستاني في 20 أكتوبر 2022م.
• وفي 30 نوفمبر 2022م أسفر تفجير انتحاري بالقرب من شاحنة شرطة بلوشستان في منطقة بليلي في كويتا عاصمة بلوشستان عن مقتل (5) أشخاص بينهم شرطي وإصابة العديد من المسؤولين والمدنيين، وردًّا على ذلك شنت القوات الأمنية عملية في منطقة كوهلو أسفرت عن مقتل (9) عناصر من جيش تحرير البلوش، واعتقال (3) مسلحين، في حين أعلن المتحدث باسم جبهة تحرير بلوشستان الرائد غورام بالوش أن المقاومة مستمرة طالما هجمات الجيش الباكستاني ضد البلوش مستمرة.
العلاقات مع أبرز التنظيمات الإرهابية الأخرى
• أعلن تحالف منظمات المقاومة البلوشية (BRAS) في بيان عام 2017م عن تشكيل جبهة عسكرية مشتركة؛ حيث تحول جيش تحرير البلوش إلى جزء من ائتلاف منظمات المقاومة البلوشية، ويضم جيش تحرير البلوش، وجبهة تحرير بلوشستان، والجيش الجمهوري البلوش، والحرس الجمهوري البلوش، وتتركز عملياته حول الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.
وحذر الجنرال المتقاعد "طلعت مسعود" المحلل السياسي بالشؤون الدفاعية في باكستان، من التحديات الأمنية للجبهة المشتركة في المنطقة. بدوره وصف "طلعت شبير" بمعهد الدراسات الإستراتيجية الباكستانية، تحالف منظمات المعارضة البلوشية والسندية بـ (المؤامرة) التي تستهدف الأمن العام في المنطقة. وفي 11 أغسطس 2022م أصدر المتحدث الرسمي باسم الحركة الوطنية البلوشية بيانًا أكد فيه على أن11 أغسطس يوم استقلال بلوشستان، والذي يعد يوم تجديد العهد بالنضال الطويل ضد القوات الباكستانية.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.