أساليب التنظيمات المتطرفة في إسبانيا.. من التجنيد التقليدي إلى الاستقطاب الإلكتروني

  • | الأحد, 8 أكتوبر, 2023
أساليب التنظيمات المتطرفة في إسبانيا.. من التجنيد التقليدي إلى الاستقطاب الإلكتروني

     يُعد التطور التكنولوجي ظاهرة بارزة في عصرنا الحالي؛ إذ غدت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان المعاصر، وأحدثت تحولات جذرية في كيفية تفاعل الأفراد، والمجتمعات مع بعضها بعضًا. فالاختراعات التكنولوجية من هواتف ذكية، وشبكات اجتماعية، وذكاء اصطناعي، غيَّرت مجرى الحياة، وأثرت تأثيرًا بالغًا في مناحي كثيرة منها. ولعلَّ أبرز ما تجلَّى فيه هذا التأثير هو مجال الاتصال، وتبادل المعلومات؛ إذ مكَّنت شبكة الإنترنت الأفراد من التواصل بسهولة فائقة، فأصبحت تطبيقات المراسلة، ومواقع التواصل الاجتماعي متأصلةً في حياتنا، حيث يتبادل الناس المعلومات، والأفكار، والصور، ومقاطع الفيديو فوريًّا، مما غيَّر طبيعة الحوارات العامة، والعلاقات الاجتماعية.

فعلى المستوى الاقتصادي تفاوت أثر التكنولوجيا ما بين رفع الكفاءة، وتسهيل العمليات، وصولًا إلى تحويل نماذج الأعمال جذريًّا؛ إذ ساعدت في تطوير الصناعات، وتعزيز الإنتاجية، وخلق فرص العمل، كما مكَّنت التجارة الإلكترونية الشركات والأفراد من بيع وشراء السلع عبر الإنترنت بيسرٍ وسهولة. أما على المستوى الاجتماعي والثقافي، فقد أتاح العصر الرقمي تداول المعلومات والمحتوى على نطاق واسع، مما مكَّن الأفراد من الحصول على المعرفة، والتعلم، والتفاعل مع ثقافات متنوعة.

ورغم التقدم الذي نشهده، تواجهنا العديد من التحديات، ومن أبرزها مسائل الخصوصية، والأمن الرقمي، إضافة إلى المشكلات الاجتماعية الناشئة عن الإفراط في استخدام التكنولوجيا. وفي هذا الإطار لم تغفل التنظيمات المتطرفة هذا التطور التكنولوجي، بل على العكس، فقد سارعت إلى استغلاله بشكل كبير لتحقيق مآربها المتطرفة. وتعد إسبانيا واحدة من الدول التي شهدت تطورًا إستراتيجيًّا لهذه التنظيمات. ففي السنوات الأخيرة، شهدت إسبانيا نشاطًا متصاعدًا للتنظيمات المتطرفة؛ حيث استخدمت تكنولوجيا متقدمة في التواصل، والانتشار، وتنظيم أعمالها.

وفي العام الماضي ٢٠٢٢م، كانت التنظيمات المتطرفة تعتمد بشكل رئيس على نمط التجنيد ‏التقليدي لجذب أعضاء جدد، وتوسيع نفوذها، ‏حيث يتم ذلك من خلال ‏التواصل المباشر مع ‏الأفراد المحتمل انضمامهم إليها، وكان ذلك ‏يتم عادة من خلال اللقاءات، والندوات، والمناسبات الاجتماعية، ‏والمساجد، ‏والمدارس، وغيرها. وتقوم التنظيمات بعرض الفكر المتطرف ‏على الفرد، ومحاولة إقناعه بضرورة الانضمام إليها. كما كانت التنظيمات تعتمد على العلاقات ‏الشخصية، والثقة المبنية بين ‏أعضائها، والأفراد المستهدفين، ويتم ذلك من خلال تكوين صداقات، ‏وروابط مع الأفراد المحتمل انضمامهم إليها، وإقامة علاقات وثيقة معهم، ‏حيث يستغل أعضاء التنظيم هذه ‏العلاقات لتعزيز الأفكار المتطرفة، وتجنيد عناصر جديدة. كما كانت التنظيمات المتطرفة تستغل ‏العوامل ‏العاطفية، والأيديولوجية لجذب الأفراد، وتجنيدهم.

ولكن سرعان ما تغير هذا الوضع مع التطور ‏التكنولوجي الهائل، وتحولت التنظيمات المتطرفة إلى استخدام أحدث الأساليب على جميع ‏المستويات المتاحة لديها؛ لتحقيق أغراضها الخبيثة في التجنيد والتخطيط، وكذلك في تنفيذ العمليات ‏الإرهابية. ‏فعلى سبيل المثال، استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب أعضاء جدد، ونشر الأفكار المتطرفة، والتخطيط للهجمات الإرهابية، كما استفادت من تشفير الرسائل، وتبادل المعلومات بشكل سريع، وآمن. وإضافة إلى ذلك، تطورت إستراتيجيات هذه التنظيمات في إسبانيا لتشمل الاستفادة من التكنولوجيا في تمويل أنشطتها؛ حيث استخدمت العملات المشفرة مثل "البيتكوين" في تمويل العمليات، والتدريب، والتجنيد. كما استغلت التكنولوجيا في تبادل المعلومات والتعليمات، والتواصل الداخلي. ومن بين الجوانب التي باتت تدق ناقوس الخطر استخدام التنظيمات المتطرفة للذكاء الاصطناعي، وتقنيات التعرف على الوجوه؛ حيث يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد في تنفيذ هجمات متطورة.

وفي هذا السياق، وتحديدًا يوم ٨ أغسطس ٢٠٢٣م، ألقت قوات الحرس المدني الإسباني القبض على اثنين من المشتبه في تورطهما ‏في تجنيد الشباب، والقُصَّر، وتلقينهم الفكر المتطرف عبر منصات التواصل الاجتماعي في كل من ‏بينافينتي (ثامورا) وكوليرا (فالنسيا)، وذلك بعد تشكيل خلية إرهابية لنشر ‏المحتوى المتطرف الخاص بتنظيم داعش عبر منصات التواصل الاجتماعي في إسبانيا. وقد ‏وجهت النيابة العامة الإسبانية للمشتبه بهما اتهامات بالانضمام لمنظمة إرهابية، والعمل على ‏استقطاب العناصر الجديدة لتنظيم داعش. ووفقًا للتحقيقات، فإن الفئة العمرية ذات الـ(١٨) عامًا كانت الأكثر ‏استهدافًا من جانب المتهمين.

كما تناولت جريدة "إنفوباي" الأرجنتينية في تقريرها الصحفي المنشور في ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣م، وضع التطرف في إسبانيا منذ هجمات مدريد عام ٢٠٠٤م، وحتى أغسطس ٢٠٢٣م؛ إذ أشار التقرير إلى التغيرات العديدة التي طرأت على نهج التنظيمات المتطرفة في البلاد خلال تلك الفترة. ففي البداية، كان التجنيد وتنفيذ الهجمات الإرهابية يقوم بهما عناصر متسللة تابعة للتنظيمات المتطرفة، أو عن طريق تشكيل خلايا جماعية. ومع التطور التكنولوجي، تغيَّر الشكل التقليدي للاستقطاب وتنفيذ الهجمات الإرهابية، إضافة إلى التشديدات الأمنية التي أثرت على المنهجية التقليدية. وبالتالي، انتقلت هذه العمليات إلى الفضاء الإلكتروني، وازداد استقطاب الأفراد عبر منصات التواصل الاجتماعي. وأوضح التقرير أن الاعتقالات التي جرت خلال العاميْن الماضييْن تؤكد هذا الاتجاه؛ حيث تم اعتقال العديد من الملقنين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكان منفذو الهجمات الإرهابية ينتمون لفئة "الذئاب المنفردة"؛ إذ لا يتبعون هيكلية التنظيمات الإرهابية، بل يظهرون الولاء لها، وينفذون توجيهاتها التي يتم نشرها لأنصارها عبر الإنترنت.

ومن ثم، فإن عمل التنظيمات المتطرفة قد تغير، وتطور بشكل ملحوظ، تماشيًا مع التقدم التكنولوجي. وقد أظهر التقرير الصحفي السابق أن التنظيمات المتطرفة في إسبانيا قد اتجهت نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت في عمليات التجنيد، والتواصل، وتنفيذ الهجمات الإرهابية. ويشير هذا التغيير إلى أنه من الضروري أن نكون حذرين، وأن نتعامل بجدية مع التحديات الأمنية، والخصوصية المرتبطة بالاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وأن نعمل على تعزيز التعاون الدولي، والجهود المشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب على الصعيد العالمي، بما في ذلك تبادل المعلومات، وتعزيز الأمن الرقمي، ومراقبة النشاطات المشبوهة عبر الإنترنت.

علاوة على ذلك، يجب أن نعمل على تعزيز الوعي والتثقيف حول خطر التطرف، والتأكيد على أهمية القيم الحقوقية، والتسامح، والتعايش السلمي. وينبغي أن نعمل على تعزيز التواصل والتفاهم بين الثقافات، والمجتمعات المختلفة، وتعزيز الاندماج الاجتماعي، والفرص الاقتصادية للشباب؛ حيث إن ذلك يسهم في تقليل الاستقطاب، والتطرف. ولا بد من إدراك تلك التحديات التي يشكلها التطرف في العصر الرقمي المعاصر، مع أهمية التعاون، والعمل بقوة لمكافحتها من خلال استخدام التكنولوجيا بشكل ذكي وفعال، مع الحفاظ على حقوق الخصوصية، والأمن الرقمي.

‌وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.