تحالف مرتقب للمليشيات الانفصالية في بلوشستان الباكستانية

  • | الأربعاء, 20 ديسمبر, 2023
تحالف مرتقب للمليشيات الانفصالية في بلوشستان الباكستانية

شهد عام ٢٠٢٣ ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة عمليات المليشيات الانفصالية الإرهابية بإقليم بلوشستان؛ دونما تفريق بين قوات الأمن من الجيش والشرطة الباكستانية، أو من غيرهم من المدنيين المتعاونين؛ ومنهم رجال الأعمال الذين يعتزمون المشاركة في مشروعات حكومية بالإقليم.

وكان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف قد انتبه في وقت مبكر إلى خطر تلك التنظيمات؛ إذ نشر في عام ٢٠١٩ سلسلة مقالات بعنوان: "جماعات القتل باسم العِرق". أما الأشهر الماضية فقد شهدت مفاوضات لتوحيد المليشيات المسلحة في الإقليم الباكستاني؛ إذ توافق كل من "جبهة تحرير بلوشستان" و"جيش تحرير بلوشستان" على توحيد صفوفهما وتشكيل قوة مشتركة، ولم تظهر تفاصيل -حتى إعداد التقرير - عن شكل التنظيم وقيادته أو حتى المسمى الجديد بعد توحيد صفوف الكيانين.

نبذة عن الاضطرابات في إقليم بلوشستان

أعلنت باكستان رسميًّا ضم منطقة "قلات" بتاريخ ٢٧ من مارس ١٩٤٨، ولكن القرار تسبب في إزعاج شديد لسكان الإقليم فتشكلت المليشيات المسلحة المطالبة بالاستقلال. وفي عام ١٩٧٣ بدأت حركة "بلوشستان المستقلة المتمردة" تنفيذ سلسلة من الهجمات التي استهدفت المنشآت الحكومية وقوات الأمن، حسب ما أعلنت حكومة رئيس الوزراء آنذاك "ذو الفقار علي بوتو".

وفي صيف ٢٠٠٠، احتدمت المواجهات بين المليشيات الانفصالية المسلحة وقوات الأمن بعد بناء ميناء "جوادار"؛ وبلغ الأمر ذروته خلال فترة حكم "برويز مشرف" العسكري، ومقتل "نواب أكبر بوجتي" في عملية عسكرية عام ٢٠٠٦، إذ احتدمت المشاعر المناهضة للدولة.

في المقابل، ردت قوات الأمن بتكثيف عمليات الإخفاء القسري. ثم تجددت المواجهات بعد التوقيع على اتفاقية الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، لا سيما بعد إعلان الصين عزمها تولي شئون ميناء "جوادار" الذي أصبح هدفًا للحركة المسلحة البلوشية.

دوافع المليشيات للتحالف

تشير المعلومات المتوفرة إلى تحالف مرتقب بين جبهة تحرير البلوش، وجيش التحرير البلوشي، والحرس الجمهوري البلوشي، ونمور التحرير البلوشية، والجيش القومي البلوشي، والجيش البلوشي الموحد؛ وذلك بخلاف تحالف "Brass" الذي يضم عددًا من المليشيات الأخرى، وجميعها حركات ناشطة بقوة في إقليم بلوشستان.

وقد تبلورت فكرة التحالف نتيجة مخاوف تلك المليشيات من التفكك في غضون عامين أو ثلاثة (كتنظيم "الجيش الجمهوري البلوشي")، إلى جانب الشعور بالخطر الوجودي إثر اعتقال قائد الجيش الوطني البلوشي "جولزار إمام" (وشهرته "شانبي")؛ إذ لم يكن مجرد مقاتل، بل قائد لديه معرفة كبيرة بتلك التنظيمات، وهو ما ولَّد لديها إدراكًا لأهمية توحيد الصفوف.

أي إن إخفاق تلك المليشيات في التكامل وتشكيل قوة مشتركة تحت وطأة الضربات الأمنية كان من أهم أسباب القبول بفكرة التحالف وتوحيد قواها.

وكان "بشير ذيب" - قائد التنظيم المسمى "جيش تحرير البلوش"- قد أعلن في مداخلة مع فضائية "بي بي سي" البريطانية " أنه من المهم للغاية التخلص من قوات الجيش الباكستاني، لذا ينبغي تعزيز القوات السياسية والعسكرية البلوشية، وتحويلها نحو جبهة مشتركة أكثر فعالية، واستخدامها ضد الجيش الباكستاني من أجل تحقيق هدف الانفصال عن باكستان".

أما "اله نزار" -رئيس جبهة تحرير بلوشستان- فقد نوَّه إلى وجود محاولات للوحدة بين التنظيمات البلوشية منذ البداية، وتساءل: "لِمَ لا وجميعها تناضل من أجل هدف واحد، فلماذا لا تكون قوتنا واحدة!؟".

يقول "عامر رنا"، رئيس المعهد الباكستاني لدراسات السلام، المحلل المتخصص في شئون المليشيات المسلحة: "هذا التحالف ضروري بالنسبة إلى التنظيمات الانفصالية حتى تستطيع تنفيذ هجمات مشتركة، إضافة إلى زيادة قوتها، وهو ما يعزز البنية التنظيمية لدى كل تنظيم عند التحول عن الجهد المنفرد إلى توحيد القدرات والصفوف"، ويؤكد ذلك ما يحدث بالفعل على أرض الواقع؛ إذ يتضح حجم الاختلاف سواءٌ من حيث الحجم أو الإستراتيجية، مقارنة بعمليات المليشيات البلوشية المسلحة في الماضي.

أما من حيث الإستراتيجية فتُركز المليشيات حديثًا على الهجمات التي تهدف إلى إلحاق أضرار كبيرة بالدولة، ما يؤكد أن هذه العمليات تمت وفق خطط محكمة للوصول إلى غايتها، والسبب في هذا التغيير هو التقارب الحديث بين تلك الجماعات.

ويؤكد ذلك حجم العمليات الإرهابية التي ارتفع عددها هذا العام مقارنة بالعامين الماضيين، وتزايدت حدة الحركة الانفصالية البلوشية، إلى جانب اعتماد التنظيمات على أن تكون الهجمات أكثر قوة وتأثيرًا كمًّا وكيفًا؛ وهو ما يكلفها كثيرًا من الوقت والموارد المادية والبشرية للإعداد لها بما يترتب عليه زيادة القدرة العملياتية للتنظيم.

وقد بلغ مجموع العمليات خلال النصف الأول من العام الجاري نحو ٧٥ عملية إرهابية أسفرت عن مقتل ١٠٠ شخص وإصابة ١٦٣ آخرين. بذلك يقوم الدليل على زيادة الهجمات الإرهابية بنسبة ١٠٣٪ مقارنة بالمدة ذاتها من العام ٢٠٢٢.

كذلك ازدادت وتيرة العمليات في النصف الثاني من العام ٢٠٢٣ بنسبة ١٤٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق؛ فزادت لذلك أعداد الضحايا في إقليم بلوشستان خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة ٦٤٪ مقارنة بأعداد الضحايا خلال العام ٢٠٢٢.

ماهية التنظيم المشترك

يمكن من خلال متابعات مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تقسيم قيادة التنظيمات المسلحة في إقليم بلوشستان إلى قوتين مركزيتين: الأولى تنظيم "جيش تحرير البلوش" بقيادة "بشير ذيب"، والأخرى "جبهة تحرير بلوشستان" بقيادة "اله نزار"، باعتبارهما الأكثر فعالية في التنظيمات البلوشية المسلحة.

وما زالت المفاوضات جارية بين التنظيمين بخصوص التحالف، ولم تعلن المليشيات البلوشية الاسم المتوقع للتنظيم الجامع لها، وعن ذلك يقول نزار: "يمكن أن يكون أي اسم، بما في ذلك اسم تحالف Brass الموجود بالفعل". لكن السؤال الأهم: هل سيطرأ تغيير على أيديولوجية المليشيات الانفصالية؟

للإجابة كان لا بد من الرجوع إلى تصريحات قادة تلك المليشيات؛ إذ قال "إله نزار" -قائد جبهة تحرير بلوشستان: "يوجد في كل منظمة أشخاص بآراء مختلفة، ولكل شخص الحق في إبداء رأيه، إذ لا يوجد تفكير أو قيادة دكتاتورية، بل توجد معركة طويلة الأمد مع باكستان".

أما "بشير ذيب" -قائد جيش تحرير بلوشستان- فقال: "الانتحاريون أبطال وطنيون عظماء، والأمة البلوشية ترى فيهم الخلاص والأمل، ولهذا السبب أصبح عدد كبير من الرجال والنساء البلوش اليوم جزءًا من لواء مجيد".

وعلى ذلك، يمكن استنتاج استمرار تلك المليشيات في سياسة الهجمات الانتحارية بمزيد من العدوانية والقوة والكثافة في إقليم بلوشستان، الأمر الذي ينذر بخطر بالغ جراء التحالف المرتقب، فمثلاً: بعد أن كان أحد تلك التنظيمات يعارض استغلال النساء في الهجمات الانتحارية، أصبح الآن يرى في ذلك عملًا بطوليًّا، وأن استخدام العنصر النسائي في الهجمات الانتحارية مشروع في سياق احترام الرأي الآخر!

المليشيات الانفصالية البلوشية تسير على نهج طالبان باكستان:

تشكلت حركة طالبان باكستان رسميًّا في ٢٠٠٧ بعد أن كانت مجموعات صغيرة متناثرة ومنفردة تنشط في مناطق خيبر بختونخوا، وسوات، وجنوب وزيرستان، ومهمند، وباجور، وأوراكزاي، ودارا آدم خيل، ومناطق أخرى؛ لكن بجهود الزعماء المحليين لتلك المجموعات المنفصلة تسنى الاتفاق على تشكيل مجموعة تسمى "حركة طالبان باكستان" للعمل تحت مظلة واحدة حتى يتمكنوا من تحقيق مكاسب كبيرة.

وبعد تشكيل حركة طالبان باكستان، شهدت البلاد هجمات واسعة النطاق، بعضها انتحاري. لذا قال "عامر رنا": إن القدرات العملياتية تتعاظم عندما يوحّد المسلحون صفوفهم، فيقل إهدار الموارد. لذلك، إذا نجحت المنظمات البلوشية في توحيد صفوفها فستتزايد قدرتها على شن هجمات عسكرية منظمة، خصوصًا في ظل نجح تجربة سابقة لتوحيد الصفوف – أي جمع شتات الجماعات التي أفرزت طالبان باكستان.

يتضح مما سبق أن المليشيات الانفصالية خطت خطوات فاعلة نحو التحالف وتوجيه ضربات قوية إلى القوات الباكستانية، فقد شارك المسلحون البلوش في هجمات كبيرة على قوات الأمن في كراتشي، بما في ذلك مبنى البورصة والسفارة الصينية وجامعة كراتشي وفندق جودار، ومعسكرات بانجور ونوشكي في أورمادا وباسني، كما إن الهجمات الكبرى الأحدث نفذها "جيش تحرير البلوش المسلح" و"جبهة تحرير بلوشستان"، وهما الآن بصدد تشكيل جبهة موحدة تضم مقاتلين من مناطق مختلفة يتمتعون بمهارات متعددة، وهو ما يمثل تحديًا للدولة.

لذا ينبغي للحكومة الباكستانية أن تشدد رقابتها للجهود الجارية لتوحيد الجماعات الانفصالية البلوشية؛ لأنها إذا تمكنت من التغلب على انقساماتها فستصير أقوى عددًا وعدّة وقوة؛ وسيواكب ذلك قدرة أكبر على التأثير من الناحيتين السياسية والعسكرية.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.