إشكالية الدال والمدلول في العقل الفرنسي

  • | الإثنين, 1 يناير, 2024
إشكالية الدال والمدلول في العقل الفرنسي

1- مصطلح (L'islamophobie) (الإسلاموفوبيا)

سنحاول من خلال هذه السلسة الكشف عن إشكالية ترجمة مجموعة من أبرز المصطلحات المتعلقة بالدين الإسلامي، وأكثرها استخدامًا في الثقافة الفرنسية، كما استخدمها مسئولو الحكومة الفرنسية وعدد من الساسة في أثناء ظهورهم في وسائل الإعلام، مسلطين الضوء خصوصًا على المصطلحات المشتقة من كلمة "إسلام".

تستخدم الصحافة الفرنسية يوميًّا عددًا من المصطلحات الجديدة المشتقة من كلمة "إسلام"؛ بسبب التطورات الكثيرة في عالمنا المعاصر، لا سيما أن عملية الترجمة هي عملية تواصل اجتماعي بين لسانين وثقافتين مختلفتين، ما يوجب على المترجم تحري الدقة في اختيار المصطلحات ذات المدلول المعرفي والثقافي الصحيح حتى لا يُحدث خلطًا لدى المتلقي. ومن ثم، يتعين عليه الاجتهاد في فهم المصطلحات والمدلولات من خلال مصادر موثوقة، ومرجعية ثقافية ودينية. وللوصول إلى ترجمة صحيحة في ما يتعلق بالمصطلحات الحديثة، خاصة المتعلقة بالأديان، يجب على المترجم التنقيب والبحث أيضًا، والاستفسار من من الخبراء في المجالات ذات الصلة.

جديرٌ بالذكر أن الترجمة غير الدقيقة أو غير الملائمة للمصطلحات الدينية تؤدي إلى فهم مغاير، أو خاطئ؛ ويمكن عزو ذلك إلى أسباب عدة؛ أولًا: غياب الدقة في فهم الدلالات والاستعمالات اللغوية للكلمة أو المصطلح في اللغات الأخرى؛ وثانيًا: عدم الإلمام بالثقافة والتراث للغتين، لا سيما أن فهم المصطلحات يتأثر بلا شك بثقافة المتلقي والبيئة الخاصة به؛ وثالثًا: التأويل الشخصي، إذْ يعتمد فهم النص على الخلفية الثقافية؛ أي إن التأويل والاستنتاج الشخصيين يؤديان إلى فهم مغاير، أو غير دقيق للمصطلحات؛ ورابعًا: الخلفية الدينية؛ وخامسًا: القصور في فهم اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها؛ وسادسًا: عدم مراعاة السياقات بأنواعها المختلفة؛ إلى غير ذلك من الأسباب.

وبنظرة سريعة إلى بعض الصحف الفرنسية، نجد أن من أشهر المصطلحات التي تستخدمها الحكومة الفرنسية والساسة الفرنسيون لوصف الإسلام هو مصطلح "L'islamophobie"، الذي يُترجم في الصحافة الفرنكوفونية الناطقة باللغة العربية (France 24) إلى "الإسلاموفوبيا"، ويعني في المعاجم الفرنسية المتخصصة "العداء للإسلام والمسلمين". ([i])

وإذا رجعنا إلى تاريخ ظهور مصطلح "Islamophobie" نجد أن هذا المصطلح المستحدث (le néologisme) في مطلع القرن العشرين كان موضع جدل بين من استخدموه للتنديد بالتمييز ضد المسلمين، ومن يرون أنه يُستخدم لإسكات منتقدي الإسلام. ولكن أول مَن استخدم هذا المصطلح هم علماء الإثنولوجيا المتخصصون في دراسة "الإسلام في غرب إفريقيا" عام ١٩١٠، أي في أوج الحقبة الاستعمارية، وعلى رأسهم "آلان كيليان" الذي عرَّف هذا المصطلح بـأنه: "الأحكام المسبقة ضد الإسلام التي تنتشر بين شعوب الحضارة الغربية والمسيحية". ([ii])

هكذا أصبحت ظاهرة "معاداة الإسلام"، أو ما يُطلِق عليه الغرب "الإسلاموفوبيا"، شكلًا من أشكال العنصرية المُعادية للإسلام والمسلمين، وقد انتشرت بكثرة خلال العقود القليلة الماضية في الدول الغربية، لا سيما في أعقاب الهجمات الإرهابية التي ضربت تلك الدول، وعلى رأسها هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، إذ كانت بمثابة تحوُّل قوي في العلاقات بين الدول الغربية والدول الإسلامية، فوقَر في أذهان البعض أن هذه الظاهرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهجمات الإرهابية، وهذا أمرٌ خاطئ؛ لأن "الأعمال المُعادية للإسلام والمسلمين" باتت تُرتكب في الغرب يوميًّا، لا عند وقوع هجوم إرهابي فحسب، الأمر الذي يجعل هذا المصطلح غير دقيق في توصيف حالة الكراهية وأعمال العنف التي يتعرَّض لها المسلمون في دول شتى من العالم، علاوة على أن غالبية ضحايا الأعمال العنصرية لا يعلنون عن أنفسهم؛ ما يجعل تقدير الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة صعبًا للغاية، خصوصًا مع تنوع أشكال العنصرية والتعصب.

وعلى الرغم من عدم حداثة تلك الظاهرة، فقد انتشرت انتشارًا واسعًا في خلال السنوات الماضية لعدة عوامل وأسباب، أهمها: ظهور التنظيمات المتطرفة التي تستغل الإسلام في تنفيذ أجنداتها؛ واستغلال ظهور تلك التنظيمات من قِبَلِ بعض الكارهين للإسلام من الساسة ومن غيرهم من أجل كسب الشعبية والتمدد السياسي في بلادهم. باتت تلك الظاهرة تأخذ في طريقها كل مَن له مظهر إسلامي حتى ولو من غير المسلمين، فيُعْتَدى عليه لمجرد أن مظهره يوحي بأنه مسلم، فيقع ضحية للتهديد والترويع خشية أن يكون هذا الشخص هو الإرهابي القادم - على حد زعم المعتدين.

إذا نظرنا إلى الجذر اللغوي للمصطلح، نجد أنه مكون من كلمتيْن: "islam" و"phobie"؛ فكلمة "islam" تُشير إلى الدين الإسلامي، وكلمة "phobie" تُشير إلى "الخوف المَرَضي والقلق الذي يقع نتيجة أشياء، أو أفعال، أو مواقف، أو أفكار معينة". فهذه الكلمة تشير إلى الخوف الغريزي، أو النفور"([iii])، وهذا يطرح تساؤلًا من الأهمية بمكان: هل مصطلح "الإسلاموفوبيا" يُعبر عن "الضحية" أم "الجاني"؟!

فعندما نُمعن النظر في الوضع الراهن نجد أن غالبية وسائل الإعلام الغربية تسعى جاهدةً إلى استخدام هذا المصطلح في محاولة منها لتحويل "الجاني" إلى "ضحية"، وكأن مرتكب العمل العدائي هو إنسانٌ مريضٌ يُعاني من "فوبيا" الإسلام والمسلمين، وفي هذا لونٌ من التلبيس على المتلقي، وتبريرٌ لسلوك الجاني وتسويغٌ للخلط بينه وبين الضحية؛ فيتحول الجاني إلى ضحية، فينسى الجميع العمل العنصري الذي تعرَّض له الضحية ويُفكر في "الجاني" كأنه هو "الضحية" التي أبدت رد فعل على بعض الأعمال التي قد يرتكبها قلةٌ ممن يقدمون قراءة مغلوطة، وتفسيرات مشوهة للنص الديني. فإذا كان الأمر كذلك فما المصطلح الذي يُعبر حقًّا عن الأعمال العدائية التي يتعرَّض لها المسلمون بكثرة في المجتمعات المختلفة؟

لذلك، نقترح استخدام مصطلح "Anti-islam" بدلًا من مصطلح "Islamophobie"، ويترجم باللغة العربية إلى "معاداة الإسلام" بدلًا من "الإسلاموفوبيا". وإذا نظرنا إلى مصطلح "Antisémitisme" ("مُعاداة السامية") نجد أنه يُشير بوضوح إلى "الجاني" على أنه "عدو"، ما يجعل "الضحية" واضحة دون خلط بين "الجاني" و"الضحية"، فلماذا يستخدم الإعلام الغربي مصطلحيْن نقيضيْن في وصف الأعمال العدائية التي تُرتكب ضد أصحاب ديانتيْن؟! فعندما نستخدم مصطلح "الإسلاموفوبيا" يأتي في الأذهان للوهلة الأولى أن الإسلام هو "الجاني"، أما إذا استخدمنا مصطلح "مُعاداة السامية" فنجد أن اليهودية هي "الضحية"، لذا على وسائل الإعلام التزام الحِياد في استخدام المصطلحات التي تصف الاعتداءات على أصحاب الديانات، ذلك بأن مصطلح "الإسلاموفوبيا" ينم عن النظرة غير الحِيادية التي يتعامل بها العالم الغربي مع قضايا الإسلام والمسلمين، كما يكشف -نظرتهم- في انعدام الثقة في الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يُعد وقودًا لمعاداة المسلمين في المجتمعات الغربية.

وقد صدق فضيلة الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب؛ شيخ الأزهر الشريف، حين قال في كلمته الافتتاحية بمؤتمر "الحرية والمواطنة... التنوع والتكامل": "إن المتأمل المنصف في ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تُخطئ عيناه هذه التفرقة اللا منطقية، أو هذا الكيلَ بمكياليْن بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب، وللمسيحية واليهودية من جانب آخر، رُغم اشتراك الكل في عريضة اتهام واحدة، وقضية واحدة هي قضية العنف والإرهاب الديني، فبينما مرَّ التطرُّف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورة هذين الدينيْن السماوييْن؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتُجرى إدانتُه، وتشويه صورتهِ حتى هذه اللحظة"([iv]).


([i])

Définitions : islamophobie - Dictionnaire de français Larousse

islamophobie - Définitions, synonymes, prononciation, exemples | Dico en ligne Le Robert

‌([ii])

Islamophobie : histoire d’un mot aux origines contestées

‌Alain Quellien, La Politique musulmane dans l'Afrique occidentale française, ed. 1910.

([iii])

phobie - Définitions, synonymes, prononciation, exemples | Dico en ligne Le Robert

‌([iv]) من أعمال مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، المنعقد بالقاهرة في خلال اليومين الأول والثاني من جمادى الآخرة ١٤٣٨هـ - ٢٨ من فبراير و ١ من مارس ٢٠١٧، ص. ١٥.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.