أفغانستان.. العودة إلى المجهول!

  • | الإثنين, 29 يناير, 2024
أفغانستان.. العودة إلى المجهول!

     أفغانستان واحدة من أكثر الدول فقرًا من الناحية الاقتصادية في العالم، إذ عانت البلاد من أزمات إنسانية متتالية زادت في تفاقم الأوضاع الداخلية؛ لا سيما بالنسبة للمرأة الأفغانية التي لم تعد معاناتها مقصورة على مجموعة من التقاليد البالية، بل ازدادت سوءًا بوصول حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس ٢٠٢١، وتآكل حقوقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عبر الحرمان من التعليم والعمل وحرية التنقل. هذا إلى جانب القيود على الناشطين والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني.

وتجسد مشاهد تكالب آلاف الأفغانيين الراغبين في الرحيل، على مطار كابل عقب خروج القوات الأمريكية من البلاد، أفضل وأبلغ تعبير عن مستقبل الأوضاع السياسية والاجتماعية في أفغانستان. وقد نجح ما يقرب من ٦٠٠ ألف أفغاني في الهرب إلى باكستان خوفًا على حيواتهم، وسعى أغلبهم إلى الحصول على اللجوء في بلدان أخرى، وتحولت أفغانستان بين ليلة وضحاها إلى دولة يعتمد ثلثا سكانها تقريبًا على المساعدات الدولية في تلبية احتياجاتهم اليومية. لكن وعلى الطرف الآخر، اكتسبت حركة طالبان باكستان زخمًا جديدًا بعودة جناحها الأفغاني إلى السلطة في كابل عام ٢٠٢١، لذلك تتهم حكومةُ إسلام آباد الجارةَ الأفغانية بإيواء عناصر إرهابية في حركة طالبان باكستان المُسلحة، وهذا أحد أهم دوافع إسلام آباد إلى ترحيل للاجئين الأفغان، إضافة إلى أسباب أخرى، منها:

تغير الوضع السياسي في البلاد بعد عمران خان، وسحب الثقة منه في أبريل ٢٠٢٢، والخلاف الواضح على التعامل مع حركة "طالبان باكستان"، وعودة الحركة لتنفيذ هجماتها ضد الدولة، وتوغلها إلى عمق باكستان.
التهديد الإرهابي المتزايد في باكستان، والصلات المزعومة لطالبان أفغانستان بالأنشطة الإرهابية.
تدهور الوضع الأمني في باكستان، وارتفاع وتيرة الهجمات على أراضيها.
الاتهامات الموجهة من حكومة باكستان إلى نظيرتها "طالبان أفغانستان"، بالسماح لحركة طالبان باكستان المحظورة باستخدام الأراضي الأفغانية في عملياتها الإرهابية ضد باكستان.
إعلان السلطات الأمنية الباكستانية تورطَ بعض اللاجئين الأفغان في ١٤ هجومًا من أصل ٢٤ هجومًا انتحاريًّا في ٢٠٢٣.
الأزمة اقتصادية التي تمر بها باكستان، وانخفاض قيمة العملة المحلية، ما جعل وجود ملايين اللاجئين عبئًا على ميزانية الدولة.
من ثم؛ فقد طارد شبحُ الترحيل اللاجئين الأفغان في باكستان، ففي أكتوبر الماضي أعلنت الحكومة الباكستانية عن ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين (معظمهم من الأفغان) بحلول نوفمبر ٢٠٢٣ بعد سلسلة من الاشتباكات على الحدود بين الدولتين الشقيقتين في آسيا، وقد أثار قرار باكستان مخاوف أمنية، ورعب كثير من اللاجئين الأفغان المجبرين على العودة من باكستان إلى بلادهم، خوفًا على حياتهم من ناحية، وخوفًا من الجوع الذي يعودون إليه مجددًا من ناحية أخرى. وبعد انتهاء المدة المحددة من الحكومة الباكستانية في نوفمبر ٢٠٢٣؛ بدأت باكستان عمليات الترحيل القسري للاجئين الأفغان غير المُسجَّلين رسميًّا.

على صعيد آخر، أثارت باكستان قضية الهجمات الإرهابية من الأراضي الأفغانية في جلسة لمجلس الأمن الدولي، بعد تأكيد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي "جون كيربي" أن أسلحة طالبان ليست أمريكية، بل هي من الجيش الوطني الأفغاني. وطالبت باكستان الأمم المتحدة بالتحقيق في الأسلحة العسكرية الحديثة الموجودة في أيدي الإرهابيين بالمنطقة. ومع تفكك العلاقات الوثيقة بين الدولتين الشقيقتين بسبب تبادل الاتهامات وتوتر العلاقات بين الحكومتين؛ أصبح اللاجئون الأفغان الذين فروا من بلادهم ضحايا الصراع الشديد بين الحكومة الباكستانية، وحكومة طالبان. وأكثر المتضررين من قرار الحكومة الباكستانية هم الشيعة، والهزارة والنساء الذين عانوا عقودًا من الاضطهاد في ظل وجود طالبان، ذلك بأن فرصهم في عيش حياة كريمة والتمتع بالرعاية الصحية والتعليم ضئيلة للغاية، خاصة في بلد لا يسمح للنساء بالعمل، فضلًا عن احتمالات التعرض للاحتجاز والضرب والاغتصاب والقتل.

وبينما تنفي طالبان الأفغانية اتهامات إسلام آباد بالضلوع في دعم الإرهاب في باكستان أو إيواء مسلحين باكستانيين، فقد وصفت عمليات الترحيل الباكستانية بـ "غير الإنسانية" و"غير المقبولة وغير العادلة"، في حين صرح رئيس الوزراء الباكستاني " أنوار الحق كاكار": "إن هجمات حركة طالبان الباكستانية ارتفعت بنسبة ٦٠٪ منذ أن استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان، ومعظمها يُنفَذ من الأراضي الأفغانية". من جانب آخر؛ ناشد المتحدث باسم الأمم المتحدة الحكومة الباكستانية إعادة النظر في خطتها للترحيل، لأن هذا من شانه أن يشعل أزمة إنسانية في أفغانستان التي لا توجد بها مرافق لاستقبال مثل هذا العدد الكبير من المواطنين. ووفقًا لتصريحات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة؛ يوجد أكثر من ٨٣ ألف لاجئ أفغاني عادوا إلى بلادهم عبر حدود تورخام في إقليم خيبر بختونخوا، وشامان في إقليم بلوشستان، ويرى نشطاء حقوقيون أن أي ترحيل قسري للاجئين الأفغان سيعرضهم إلى مخاطر أمنية كبيرة قد تشمل تهديدًا لحياتهم.

إلى ذلك؛ من الممكن أن يسبب قرار باكستان أزمات كبيرة ليست في الحسبان، فمعظم الراحلين قسرًا من اللاجئين هم في الواقع ينتمون إلى مجموعات البشتون العرقية التي تتشكل منها عناصر حركة طالبان باكستان، وقد يؤجج ذلك المشاعر المعادية للباكستانيين، ويتسبب في إنشاء ملاذ لحركة طالبان الباكستانية داخل أفغانستان بصورة رسمية، ويشجع طالبان الأفغانية على دعم "إخوانهم في العرق" وتجنيدهم وتوفير ملاذ آمن لهم... فما الحل الأمثل لهذه الأزمة الإنسانية؟! خصوصًا أن أفغانستان لا تُصنَف بلدًا آمنًا، ما يجعل إعادة اللاجئين إليها يمثل خطورة على حياتهم؟! وفي هذا الإطار، تسعى باكستان -بالتعاون الممتد مع الأزهر الشريف- إلى التوسع في برنامج تدريب الأئمة والدعاة لتحصينهم فكريًّا وتدريبهم على مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف. ويؤكد مرصد الأزهر ضرورةَ إيجاد حل للنازحين داخل أوطانهم وخارجها، كما يطالب بضرورة السعي العالمي لإيجاد حلول ناجعة لأوضاع اللاجئين حتى يشعروا بالأمان في أوطانهم، ولا يشكلوا عبئًا على البلاد المستقبِلة للاجئين. كما يطالب مرصد الأزهر بمراعاة الاعتبارات الأمنية والأهلية والسلمية والاقتصادية في البلاد التي يعاد اللاجئون إليها.

(وحدة رصد اللغة الأردية)

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.