قراءة في مؤشر الإرهاب في القارة الأفريقية خلال الربع الأول من عام 2024م

  • | الإثنين, 29 أبريل, 2024
قراءة في مؤشر الإرهاب في القارة الأفريقية خلال الربع الأول من عام 2024م

 

     تعد القارة الأفريقية من بين القارات التي تواجه مجموعة من التحديات، أبرزها التحديات الأمنية الجسيمة؛ وذلك بسبب التهديدات الإرهابية التي تطال عددًا من البلدان الأفريقية، ومن خلال قراءة في مشهد العمليات الإرهابية بالقارة الأفريقية خلال الربع الأول من العام الجاري 2024م، فقد شهدت القارة خلال الآونة الأخيرة تصاعدًا لجهود المكافحة ضد التنظيمات الإرهابية، وخاصة في الصومال، وقد أدى ذلك إلى تراجع النشاط الإرهابي في القارة الأفريقية خلال الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م مقارنة بالربع الأول من العام الماضي ٢٠٢٣م بنسبة 40%، حيث شهدت القارة 63 عملية إرهابية، اتخذ معظمها نمطين أساسيين وهما المواجهات المسلحة التي أصبحت من أهم التكتيكات الرئيسية التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية؛ وذلك بسبب الضغط العسكري التي تقوم به القوات المدعومة من نظيرتها الإقليمية والدولية. أما النمط الثاني فهو تفجير العبوات الناسفة؛ حيث تعتمد التنظيمات على هذا الأسلوب في تنفيذ عملياتها الإرهابية، أو أنها تأتي خطوة استباقية قبل اندلاع المواجهات المسلحة، فالعبوات الناسفة تعتبر بمثابة مقاتل لا يحمل أسلحةً ظاهرة ولا يخطئ هدفه، مما يخلق فوضى ورعبًا ويحدث خسائر بشرية ومادية هائلة، ويصيب ضحاياه دون تمييز.

وقد أسفرت هذه العمليات عن سقوط 462 شخصًا وإصابة 181 آخرين، إضافة إلى اختطاف 365 معظمهم من المدنيين، وخاصة من النساء والأطفال، وقد زادت عمليات الاختطاف خلال الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي ٢٠٢٣م بنسبة 59.5% وقد وقع معظم حالات الاختطاف في نيجيريا، وهذا إن دل فإنما يدل على الضعف الذي يضرب صفوف التنظيمات الإرهابية في نيجيريا وعلى رأسهم جماعة بوكو حرام، وقد انعكس ذلك على سير النشاط العمليات في البلاد، كما تعتمد هذه التنظيمات على إستراتيجية الاختطاف في الحصول على دعم مالي كبير، فضلًا عن تجنيد المختطفين بعد غسل أدمغتهم، إضافة إلى استخدام النساء في إنجاب عناصر جدد. كما تراجع عدد القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين بنسبة 31.4% مقارنة بنفس المدة من العام الماضي ٢٠٣٣م. وفي المقابل أسفرت العمليات العسكرية الجارية في البلاد خلال الربع الأول عن تحييد نحو 1225 إرهابيًّا، واعتقال 292.

وقد تصدرت حركة الشباب الصومالية المشهد خلال هذه الفترة، بنسبة 39.7% من العدد الإجمالي من العمليات التي وقعت خلال الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م، وذلك رغم الضربات الأمنية الموسعة التي تتعرض لها من قبل القوات الصومالية، إضافة إلى الالتفاف الشعبي غير المسبوق حول الحكومة في مواجهة حركة الشباب، وهذا ما يميز العمليات العسكرية الجارية في البلاد، مما حقق نجاحات كبيرة في سير النشاط الأمني والذي أسفر عن تحييد 518 عنصرًا إرهابيًّا من عناصر الحركة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ومن الشباب الصومالية إلى الشباب الموزمبيقية؛ حيث تتفق المسميات وتختلف الولاءات، لكنها في النهاية تفضي إلى بث الرعب وقتل وتشريد الأبرياء تحت ذريعة إقامة الخلافة والدين وهو منهم بريء؛ حيث يحاول تنظيم داعش الإرهابي من خلال ذلك التنظيم أن يوسع نشاطه ويرسخ وجوده في ذلك البلد الغني بالنفط والثروات المعدنية للسيطرة على تلك الأماكن ونهبها حتى تقوم بتمويل عملياتها الإرهابية، ويعيد ذلك إلى الأذهان ما حدث في سوريا في بادئ الأمر من سيطرة تنظيم داعش على حقول النفط وبيعه في السوق السوداء، وقد جنوا من وراء ذلك أموالًا طائلة مولوا بها أعمالهم الدموية.

وبالنظر إلى مؤشر العمليات الإرهابية في موزمبيق خلال الربع الأول من عام 2024م نجده قد ارتفع بنسبة 66.7%، ما نتج عنه ارتفاع عدد الضحايا بنسبة 94.9% بالمقارنة بنفس المدة من العام الماضي ٢٠٢٣م، ويرجع هذا إلى تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد وخاصة مع استئناف تنظيم داعش الإرهابي نشاطه الذي تصاعد منذ مطلع العام الجاري، في إطار موجة إرهابية متجددة تشهدها المنطقة عقب فترة من التراجع خلال الفترة الماضية، وتشير تقديرات إلى تمكن الجيش الموزمبيقي من استعادة السيطرة على 90% من الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، إضافة إلى انخفاض أعمال العنف ضد المدنيين بنسبة 80%. لكن الأمر تغير مع بدء انسحاب قوات SADC من البلاد، والتي من المرجح أن يكتمل انسحابها في يوليو ٢٠٢٤م، وتولي الجيش الموزمبيقي زمام الأمور، مما قد يحدث فراغًا أمنيًّا سيؤثر بالسلب على سير العمليات العسكرية في البلاد، مع تطور تكتيكات التنظيم وقدرتها على التنقل وتفادي مواجهة الجيش الموزمبيقي وشركاؤه الإقليميين، ومما يعزز المخاوف من تنامي النشاط الإرهابي لداعش موزمبيق، إطلاق التنظيم حملة إرهابية عالمية تحت شعار "اقتلهم أينما وجدتهم" والتي تنادي بضرورة توسع القتال في المناطق التي ينشط فيها التنظيم.

ومن شرق القارة الأفريقية إلى غربها؛ حيث جماعة بوكو حرام وتنظيم داعش ولاية غرب أفريقيا واللذان ينشطان في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد؛ فقد أظهرت الإحصاءات تراجع نشاط هذين التنظيمين بشكل ملحوظ خلال الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م، ويعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل تشمل التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة الإرهاب، إضافة إلى تعزيز القدرات الأمنية للقوات الحكومية، والتي ظهرت في المعارك الشرسة التي وقعت بين عناصر بوكو حرام وعناصر تنظيم داعش ولاية غرب أفريقيا. وقد شهدت هذه المنطقة 12 عملية إرهابية، من بينها خمس علميات في نيجيريا، ومثلها في النيجر إضافة إلى عمليتين في الكاميرون، أما دولة تشاد فلم تشهد أية عمليات إرهابية خلال هذه الفترة.

وبالانتقال إلى واحدة من أكثر البؤر سخونة واضطرابًا في القارة، بل والعالم؛ منطقة الساحل الأفريقي فقد شهدت دولتا مالي وبوركينا فاسو خلال الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م تحسنًا في الوضع الأمني؛ حيث تراجع عدد الهجمات الإرهابية في هذه المنطقة بنسبة 57.7% مقارنة بنفس المدة من العام المنصرم ٢٠٢٣م. وقد نفذت الجماعات الإرهابية في المنطقة _وعلى رأسها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الذراع الأيمن لتنظيم القاعدة، وتنظيم "داعش الصحراء الكبرى"_ 14 علمية إرهابية من بينها ٨ علميات في مالي. ويمكن إرجاع ذلك الانخفاض في عدد العمليات الإرهابية في مالي إلى تعزيز التعاون الأمني واتخاذ تدابير أمنية مشددة، كما أن من الأسباب التي أدت إلى تراجع النشاط الإرهابي في مالي، تصاعد المعارك بين تنظيمي داعش والقاعدة المتمثلة في "نصرة الإسلام والمسلمين"؛ حيث يحاول تنظيم القاعدة بكل ما أوتي من قوة المحافظة على وجوده في هذا البلد بعد أن خسر ولاء التنظيمات الأخرى في البلدان المجاورة لصالح داعش، وفي هذا السياق وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين في منطقة الشمال في التاسع من مارس 2024م، أسفرت عن وقوع خسائر كبيرة في صفوف "نصرة الإسلام والمسلمين"؛ حيث قتل أحد أكبر قادتها إضافة إلى مقتل العشرات من عناصرها.

ورغم هذا التراجع، فإن الوضع في مالي لا يزال محفوفًا بالمخاطر، فقد أصبحت مالي مسرحًا لعدة أطراف وحركات مسلحة، يحاول كل فريق أن يبسط سيطرته ونفوذه على أكبر جزء ممكن من البلاد، وهو ما يضع البلاد على المحك، ويهدد بانفجار الوضع وامتداده لدول مجاورة إذا لم يتم التصدي له.

أما بوركينا فاسو فرغم تراجع عدد العمليات التي شهدتها بنسبة 73.9% مقارنة بالمدة ذاتها من العام الماضي ٢٠٢٣م، فإن عدد الضحايا لم يتراجع بالمقدار ذاته، فقد تراجع عدد القتلى بنسبة 11.6% فقط؛ إذ أصبح المتوسط العام للقتلى في الهجوم الواحد 35.3 شخص متوسط لكل هجوم في الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م مقارنة بـ 10.4 من الضحايا لكل هجوم في المدة ذاتها من العام المنصرم ٢٠٢٣م، وهذا إن دل فإنما يدل على دموية ووحشية تلك الجماعات التي تريد بث الخوف والهلع في صفوف المواطنين.

وفي وسط القارة فقد شهدت الكونغو الديمقراطية تحسنًا في الوضع الأمني؛ حيث انخفضت وتيرة العمليات الإرهابية التي تنفذها القوات الديمقراطية المتحالفة الموالية لتنظيم داعش الإرهابي، خلال الربع الأول من العام الجاري، كما تراجع عدد الضحايا بنسبة 71% حيث بلغ عدد القتلى خلال هذه المدة نحو 40 شخصًا في مقابل 138 ضحية في الربع الأول من العام الماضي. ويمكن إرجاع ذلك إلى العمليات الأمنية المكثفة التي تنفذها القوات الكونغولية بالتعاون مع القوات الأوغندية ضمن عملية "شجاع".

وفي الختام، يعتبر تراجع العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية خلال الربع الأول من العام الجاري ٢٠٢٤م إنجازًا كبيرًا، يعكس الجهود المبذولة لمكافحة التطرف وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال التعاون الإقليمي والدولي وتعزيز القدرات الأمنية، كما أن هذا التراجع يجب أن يكون محفزًا لمزيد من الجهود والتعاون لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه القارة. مع الحذر في الوقت ذاته من تجدّد نشاط التنظيمات الإرهابية التي تبحث عن أية فرصة لإثبات أنها باقية وما زال لها تأثيرها على المشهد، كما يجدد المرصد تأكيده على أن الإرهاب ملة واحدة لا يختلف فيه إرهاب صهيوني في غزة عن إرهاب داعشي في موزمبيق فالكل يبتغي عنفًا ودمارًا ووحشية لا تخدم سوى أجنداته الدموية ومصالحه الخبيثة.

    وحدة الرصد باللغات الأفريقية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.