شهر يوليو الدامي .. المسلمون أكثر المتضررين

  • | الخميس, 11 أغسطس, 2016
شهر يوليو الدامي .. المسلمون أكثر المتضررين

لم تدخر قوى العنف والإرهاب جهدًا في جعل هذا الشهر من أكثر الشهور دموية على الإطلاق طوال العام. فقد ضرب تنظيم داعش دولة بنجلاديش الإسلامية في أول يوم من شهر يوليو باختطاف وقتل رهائن وتلاها الجريمة البشعة التي وقعت في مركز تسوق في حي الكرادة العراقي قبيل عيد الفطر وراح ضحيتها المئات، ثم الهجوم على الحرم النبوي في المدينة المنورة وقتل راهب قبطي في مصر. وفي أوروبا امتدت أيدي الإرهاب إلى فرنسا لتوقع 84 قتيلًا في جريمة دهسٍ بشعة على يد مواطن من أصل تونسي، قبل قيام  شابين باختطاف رهائن في كنيسة فرنسية وقتل كاهنٍ طاعنٍ في السن ذبحًا في ذات الكنيسة. وفي ألمانيا هاجم شاب في أحد القطارات ركابه بفأس وسكين موقعًا العديد من الإصابات، ثم يحاول أحد اللاجئين السوريين تفجير نفسه في حفل موسيقي في مدينة أنسباخ. وكان للإرهاب اليميني المتطرف نصيبه من تلك الجرائم، حيث قام شاب ألماني من أصل إيراني بإطلاق النار عشوائيًا في مركز تسوق في مدينة ميونيخ بعد أن قام بانتحال شخصية فتاة على مواقع التواصل الاجتماعي وتوجيه الدعوة للعديد من الشباب ذوي الخلفيات المهاجرة للحضور إلى المركز ومن ثم أطلق النار عليهم مرديًا 9 قتلى –بينهم 6 مسلمين – قبل أن يقتل نفسه في موقع جريمته لتتجاوز حصيلة القتلى جراء أعمال العنف والإرهاب في هذا الشهر 600 قتيل بما فيهم بعض الجناة الذين فجروا أنفسهم في بعض الحالات.

والناظر لهذه الحوادث في مجملها  يلحظ أن المسلمين هم أكثر المتضررين من هذه الهجمات التي وقع معظمها  للأسف على يد مسلمين غررت بهم تلك التنظيمات الإرهابية ليقتلوا إخوانهم في الدين دون سند من دينٍ أو عقل أو عرف. وسيرى كيف عاثت هذه التنظيمات في البلدان الإسلامية فسادًا تمامًا كما فعلت في بلدان أوروبا. الجانب الإيجابي في هذه الجرائم يكمن في أن التحقيقات في البلدان الأوروبية غالبًا ما تكشف الكثير من الحقائق عن مرتكبي هذه الحوادث، والتي منها ما كشف  عن أن العديد من منفذيها لديهم سجل إجرامي يتعلق غالبًا بتعاطي المخدرات وأعمال العنف، وقد وصل الأمر إلى أن قامت الشرطة بتحريز كميةٍ من مخدر الكوكايين في شقة متهمين بالترويج لتنظيم داعش على وسائل التواصل الاجتماعي وكما هو الحال في منفذ هجوم نيس التونسي "محمد بو هليل" الذي ثبت أنه مريض نفسي وله سجل إجرامي. وبخصوص منفذ هجوم القطار في فورتسبورج الألمانية فإن التعرف على الخلفيات المحيطة بوصوله إلى ألمانيا قد تعطي تصورًا جديدًا عن كيفية تحول بعض هؤلاء الشباب إلى مسار التطرف، فقد أتى هذا الشاب إلى ألمانيا من أفغانستان بوصفه لاجئًا غير مصحوب، أي ليس معه أحد من عائلته، ليتنقل بين عدد من المآوي قبل أن يرتكب جريمته وترديه الشرطة قتيلًا. لنا أن نتصور كيف هي الحالة النفسية لهذا الشاب الذي خاض غمار رحلة اللجوء عبر آلاف

الكيلومترات وحيدًا إلى ألمانيا، ألم يكن مثل هذا الشاب وأمثاله بحاجة إلى علاج نفسي ورعايةٍ من نوع خاص حتى لا يقعوا فريسة لاستقطاب المتطرفين؟ ألم يكن هناك سبيل لإنقاذهم من هذا المصير؟ الشيء ذاته نجده في حالة مرتكب جريمة التفجير في أنسباخ بألمانيا، وهو سوري تقدم بطلب للجوء مرتين ورفض طلبه وكان يعاني أيضًا من أمراض نفسية، ولم يكن في إمكان الحكومة الألمانية ترحيله إلى سوريا لأنها دولة غير آمنة. 

يتسنى لنا مما سبق أن نحدد نوعين من الإرهابيين الجدد  ممن يرتكبون الجرائم الإرهابية باسم الإسلام على الأراضي الأوروبية، وذلك على نحو ماأفرزه لنا يوليو الدامي: 

النوع الأول هم من المهاجرين الذين يعيشون على هامش المجتمعات الأوروبية في أماكن لا تلقى اهتمامًا كبيرًا من تلك الدول مثل ضواحي بروكسل التي أتى منها منفذي هجمات مطار بروكسل في مارس الماضي ومحمد بو هليل منفذ حادث الدهس في نيس. وغالبًا ما يكون لديهم سجل إجرامي (يتعلق بالمخدرات على سبيل المثال) يعقبه تحول غير مبرر للتطرف وارتكاب جرائم العنف، قد يكون ناتجًا عن شعور بالذنب تجاه تقصيره في حق دينه يستغله هؤلاء المتطرفون لتحريضهم على التكفير عن ذنوبهم بارتكاب تلك الجرائم البشعة. 

النوع الثاني من اللاجئين الذين تعرضوا في رحلة هروبهم إلى أوروبا لأهوال وفظائع شتى طبعت بصمتها حالتهم النفسية، إذ فر بعضهم تاركًا  خلفه الأرض والعائلة والمال، ومنهم من فقد أفرادًا من أسرته إما في الحرب أو في رحلة الهروب من جحيم الحروب في بلدانهم، ومن أمثلة هؤلاء الشاب الأفغاني (الذي وصفه الإعلام باللاجئ غير المصحوب) الذي ارتكب هجوم القطار في فورتسبورج ومنفذ الهجوم الانتحاري في أنسباخ الذي رفضت الحكومة طلب لجوئه مرتين.

وإننا إذ نشيد بالموقف الإنساني الذي اتخذته بعض دول أوروبا تجاه قضية اللاجئين، فإننا في الوقت ذاته نطالب تلك الدول بالمزيد من الاهتمام بالحالة النفسية لهؤلاء اللاجئين الذين تعرضوا لصدمات نفسية ضخمة في رحلتهم للهروب، والاهتمام بالضواحي التي يعيش بها المهاجرون معزولين عن باقي المجتمع معرضين فريسةً لقوى التطرف لتجندهم ضد البلدان والمجتمعات التي يعيشون بها، مستغلين حالة السخط والكراهية بداخلهم اتجاه بلدانهم التي لفظتهم أو المجتمعات الجديدة التي عزلتهم. إن الحرب على الإرهاب والتطرف ليست حربًا بالسلاح فقط بل هي حرب فكرية في المقام الأول ضد الدوافع التي تؤدي بهؤلاء الشباب إلى التطرف والانزلاق في مسار الإرهاب وإعلاء راية العنف ضد الإنسانية.

وحدة الرصد الألمانية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.