استعادة الأندلس.. دعوى زائفة تتنازعها الجماعات الإرهابية

وحدة رصد اللغة الإسبانية

  • | الخميس, 3 مارس, 2016
استعادة الأندلس.. دعوى زائفة تتنازعها الجماعات الإرهابية

سباقٌ كل الأطراف فيها خاسرة، حين يتبارى تنظيمان إرهابيان لاستقطاب المزيد من حديثي الإسلام أو من الشباب المتحمس ممن اختلط عنده الحق بالباطل، يداعبان حلم استعادة إسبانيا وينشران الوعود الزائفة باسترجاع عهد الخلافة الإسلامية بدولة الأندلس. داعش والقاعدة: يحاول كل منهما إثبات تواجده وإظهار نفوذه، إما بعمليات إرهابية فعلية يصل صداها إلى العديد من دول العالم؛ أو بمجرد تهديدات تبث الرعب في النفوس.

 تنظيم القاعدة كان هو الأبرز على الساحة في العقدين الأخيرين، لا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن تنظيم داعش أخذ يسحب البساط والأتباع من القاعدة في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن. وعلى الرغم من ذلك فإن تنظيم القاعدة مازال حيا، وإن كانت آثاره خافتة على المستوى الأوروبي، فإن نشاطه ملحوظ في القارتين الإفريقية والآسيوية. وعلى ما يبدو فإنه يريد استعادة جزء من مهارته في بث الفزع بين الأوروبيين، واستعادة عدد من أتـباعه من المتطرفين، وهو ما جعله يدخل سباقا مع التنظيم المنافس: داعش.. الذي نفذ في الثالث عشر من نوفمبر هجماتٍ في إحدى أكبر العواصم الأوروبية، مذكرا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ مما أثار مخاوف الدول الأوروبية من وقوع مثل هذه الهجمات في بلادهم وخاصة أن منفذيها كانوا من "الذئاب المنفردة"، وهو مصطلح يطلق على المنضمين لتنظيم داعش من الغرب دون أن ينتقلوا إلى معقل التنظيم، بل ينفذون هجمات في بلادهم ولو بسكين زهيد الثمن. ولم يكتف داعش بالفزع الذي أثارته هجمات باريس تلك، بل أراد إزكاء روح الرعب التي انتشرت في أنحاء أوروبا، فبث فيديو –بعد ثلاثة أيام فحسب من الهجمات- يهدد فيه بفتح فرنسا بعد روما والأندلس. نفذ بعد ذلك تنظيم القاعدة عملية إرهابية في باماكو، عاصمة مالي، التي تضم العديد من القوات الفرنسية ضمن قوات حفظ السلام. وفي اليوم التالي مباشرة، أصدر داعش فيديو يخاطب فيه الشعوب الأوروبية بأنه يجب أن تضغط على حكوماتها كما فعل الشعب الإسباني إزاء مشاركة بلاده في الحرب على العراق، في إشارة واضحة إلى تفجيرات الحادي عشر من مارس 2004 بمدريد. ثم وجه بعد ذلك بأيام قليلة، تهديدا آخر لإسبانيا ضمن 60 دولة ظهرت أعلامها في الفيديو الذي نشره داعش تحت عنوان "التحالف العالمي ضد الدولة الإسلامية".

ولم يلبث تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي بعد تهديدي داعش لإسبانيا أن وجه لها هو الآخر تهديدين متتاليين؛ أولهما في السادس من يناير عن طريق فيديو يعلن فيه عزمه الوصول إلي بلاد الأندلس وروما ونابولي ويظهر به بعض أعضاء جماعة إرهابية في مالي مع أبو النور الأندلسي؛ وهو عسكري إسباني سابق في سلاح المهندسين بمليلية، انضم إلى تنظيم القاعدة منذ فترة وسبق أن بث رسالة تشجيعية في سبتمبر الماضي لحث الإسبان -وخاصة مواطني مدينته (مليلية)-على "الجهاد" ودعاهم إلى الانضمام إلى تنظيم القاعدة. وجاء التهديد الثاني بعد أقل من عشرة أيام في فيديو دعا فيه أتباعه إلى العمل على استرجاع مدينتي (سبتة ومليلية) من يد "الصليبيين" وتنفيذ هجمات في بريطانيا وإيطاليا والبلاد الأوروبية.

أعقب ذلك تهديدان جديدان لتنظيم داعش في نهايات يناير، عن طريق فيديوهَين؛ أحدهما ظهرت فيه إسبانيا على خريطة أوروبا، وصورة لشبه الجزيرة الأيبيرية باللون الأحمر، في توعد بصبغ إسبانيا بالدماء، وشمل التهديد أيضا المغرب وإيطاليا وفرنسا باعتبارها دولا استعمارية. والآخر كان باللغة الفرنسية ومستهدفا إسبانيا وفرنسا والبرتغال، وأكد فيه التنظيم أنه يحاول استعادة الأندلس ذاكراً مدينتي قرطبة وطليطلة.

وقد تكررت التهديدات للعديد من الدول الأوروبية، إلا أنه بنهاية شهر يناير يكون تنظيم داعش قد ذكر إسبانيا 10 مرات في آخر 17 فيديو له، ما قد يُمثِّل "حملة ترويجية" من داعش عن طريق فيديوهات وهاشتاجات وأشكال بيانية تهدف إلى استقطاب المزيد من الأتباع من بلاد المغرب العربي القريبة من إسبانيا، وبالتحديد الشباب التابع لتنظيم القاعدة. يضع ذلك  إسبانيا في قلق متزايد، ويُحضر إلى أذهان الإسبان ذكريات التهديدات التي سبقت تفجيرات مدريد، كما أنه يمثل خطورة على المستوى الاقتصادي والسياحي، نظرا لأن إسبانيا هي الوجهة السياحية الأولي للإنجليز ويزورها كل عام 12 مليون بريطاني.

 وبالطبع هناك أسباب خاصة جعلت إسبانيا محط أنظار التنظيمات الإرهابية، من بينها إن إسبانيا من الدول الأوروبية الرائدة في مواجهة الإرهاب المسلح، وخاصة بعد تجربتها مع حركة إيتا الانفصالية، فضلا عن مشاركتها في التحالف الدولي ضد داعش ومناورات حلف الناتو العسكرية بها، ولكن أهم هذه الأسباب هو حلم استرداد الأندلس تحت الخلافة المزعومة، فربما يجد تنظيم داعش في التركيز على الأندلس الوسيلة الأكبر تأثيرا  لمخاطبة وجدان الشباب الذي يسعى إلى استقطابه وإقناعه بفكره الضال وواقعه المزيف، وينافسه في ذلك تنظيم القاعدة، لتكون إسبانيا محور المنافسة بين التنظيمين اللذين يعتبرانها جزءا من الأراضي الإسلامية؛ وهذا بحد ذاته عامل جذب قوي للشباب الذي يرى في أمته ضعفا ويتمنى عودة الأمجاد الإسلامية التي كانت تتجسد في الأندلس.

فلا شك أن تهديدات كلا التنظيمين ليست إلا خطوات للمنافسة على كسب المزيد من الصيت باسم استعادة مجد الأمة، وخاصة بين الشباب المتحمس لدينه دون وعي، والذي يرى في أمته ضياعا وهونا وبعدا عن الدين، حيث يردد كل منهما أنه يريد استرداد الأندلس، تلك المملكة الإسلامية التي ازدهرت فيها الآداب والعلوم والفنون والعمارة على يد المسلمين، غير أنهم يتناسون أن هؤلاء المسلمين لم يكونوا قتلة ولا سافكي دماء، وإنما هم مسلمون اجتهدوا وعملوا حتى تركوا بصماتهم وشيدوا حضارة ما زال العالم يرى آثارها واضحة إلى عصرنا هذا.

 وهكذا تتنافس الجماعتان الإرهابيتان في ترويع الآمنين وتوجيه التهديدات، لا لشيء إلا لإثبات كل طرف أنه الأقوى والأحق برفع راية الإسلام. فاستعادة عصر الخلافة وتطبيق الشريعة ونصرة المستضعفين ومحاربة "الكفار" شعارات تكسو بها التنظيمات الإرهابية –من داعش والقاعدة وأمثالهما- تهديداتها وعملياتها لكسب التعاطف واستقطاب الشباب وإضفاء صبغة الجهاد على أعمالها الإرهابية.

إن تلك التنظيمات التي تدعي الانتماء للإسلام هي أبعد ما يكون عن تعاليم الإسلام الذي يعتبر أن }مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا{  بل وعن الأديان السماوية كافة. وإن حلم الشباب بانتشار الإسلام في ربوع الأرض واستعادة قوة الدول الإسلامية لن يتحقق بنشر صور مغطاة بالدماء ولا بقتل وترويع الآمنين وادعاء أن هذا من الإسلام، وإنما سينتشر عندما تعم مفاهيم الإسلام من السلام والرحمة العالم أجمع؛ فما أرسل الله نبي الإسلام إلا لرحمة الخلق عامة }وَمَا أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً للعالَمِينَ{. ولابد أن يشعر أهل الأرض أن الإسلام يعني السلام، وأن المسلمين يأمرهم دينهم أن يحبوا الخير لغيرهم كما يحبونه لأنفسهم وأن الله الذي يأمر بحماية المستجير ولو كان مشركا حتى يبلغ مأمنه، لا يرضى لعباده سفك الدماء وترويع الآمنين وانتهاك الحرمات }سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا{.

 

 

 

 

طباعة