النص الكامل لكلمة منسق مرصد الأزهر في مؤتمر "التنوع الديني"

عمان، 1 نوفمبر 2016

  • | الإثنين, 14 نوفمبر, 2016
النص الكامل لكلمة منسق مرصد الأزهر في مؤتمر "التنوع الديني"

تنشر بوابة الأزهر الإلكترونية النص الكامل لكلمة الدكتور محمد عبد الفضيل، عضو مركز الحوار منسق عام مرصد الأزهر، والتي ألقاها خلال مؤتمر حوار التنوع الديني "التعددية والتسامح والتماسك الاجتماعي في المنطقة العربية" خلال الفترة من 1-2 نوفمبر 2016 في العاصمة الأردنية عمان.
وألقى الدكتور عبد الفضيل كلمته خلال فعاليات الجلسة الأولى للمؤتمر، والتي جاءت بعنوان نحو تجديد وتفعيل حوار التنوع الديني في المنطقة العربية – الأجندات والآليات والأدوات (دور المؤسسات الدينية ومراكز الحوار).

نص الكلمة

بداية أتوجه باسم الأزهر الشريف وإمامه الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالشكر لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي ومركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار على توجيه الدعوة وعلى تنظيم المؤتمر، وأشكر الحضور جميعًا متكلمين ومستمعلين.
أنا هنا في هذه الجلسة لأتحدث ممثلا عن الأزهر الشريف إحدى كبريات المؤسسات الدينية بل أقدمها وأكبرها، وستنقسم مداخلتي إلى نقطتين رئيستين، اولهما معلومات عامة عن الأزهر وجهوده في تفعيل الحوار بين أتباع الأديان المختلفة، وثانيهما عن أهم المحاور الضابطة للغة الأزهر ومنهجه في هذا السياق.
الأزهر.. جامع وجامعة
يتكون الأزهر الشريف من أربعة قطاعات كبرى، قطاع جامعة الأزهر، وقطاع المعاهد الأزهرية، وقطاع مجمع البحوث الإسلامية، ومشيخة الأزهر الشريف، ويتعلم في الأزهر ما يقرب من مليوني تلميذ وتلميذة وطالب وطالبة من المصريين، وما يقرب من أربعين ألف دارس أجنبي من أكثر من مائة دولة. واتخذت هذه القطاعات خطوات جادة وملموسة في تنقيح المناهج التعليمية في قطاع المعاهد الأزهرية والمناهج الدراسية الجامعية، واستحدث الأزهر الشريف مادة الثقافة الإسلامية لتوعية التلاميذ في المراحل التعليمية المختلفة بالمفاهيم الدينية وحمايتهم من التطرف، كما قامت مؤسسة الأزهر باستحداث إدارات أو مراكز تعنى بشأن الخطاب الديني وتطويره، حيث أسست ـ بداية من عام 2010 حتى الآن ـ خمس مراكز أو إدارات تتبع مشيخة الأزهر، وهي بيت العائلة المصرية، مركز الحوار، مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، مركز الفتوى الإلكتروني، مركز الترجمة.
وتقوم تلك الإدارات بأنشطة وفاعليات مكثفة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي في مجال الحوار وترسيخ مفاهيم التعددية والتسامح والتماسك الاجتماعي، وفي الحقيقة الوقت قصير جدًا للحديث عن جميع هذه الأنشطة والجهود، ولكن يجب أن أشير إلى الدور الكبير الذي يقوم به بيت العائلة المصرية، برئاسة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية بالتناوب، وذلك من خلال لجانه وفي مقدمتها لجان الشباب والمراة والتعليم والتي تقوم بتوعية الشعب المصري في التقريب بين وجهات النظر الإسلامية والمسيحية، وفي تأهيل وتدريب شباب الدعاة والقساوسة، وفي فض النزاعات التي تنشأ بين مختلف الطوائف وما إلى ذلك من جهود مشتركة بين الأزهر والكنيسة المصرية، التي تدلل على الإيمان بالحوار والتعددية والتسامح وكذلك الشراكة في الوطن وتحمل همومه.
وأريد أن أعرج أيضًا على مرصد الأزهر باعتباري أقوم بالتنسيق لأعماله وأنشطته، ويقوم المرصد – بجانب مكافحته للتطرف بثمان لغات من خلال قراءة يومية تتبع بالتحليل والنقد والرد – بمتابعة ورصد أحوال الإسلام والمسلمين في العالم وما يواجهونه من خطاب كراهية وعنف أو بما يتسببون فيه من مشكلات ناجمة عن عدم القدرة على الاندماج مع المجتمع وثقافته، ويشارك شباب وشابات المرصد في ملتقيات حوارية في مصر وخارجها مع الشباب المسيحي، وكان آخرها ملتقي الشباب الإسلامي المسيحي الأول الذي نظمه الأزهر الشريف مع مجلس الكناس العالمي.
أما مركز الحوار فهو يقوم أيضًا بدور كبير في فعاليات الحوار الديني سواء بالتنظيم أو المشاركة، والنماذج كثيرة سواء على مستوى الكنيسة المصرية أو مجلس كنائس الشرق الأوسط أو مجلس الكنائس العالمي أو الفاتيكان، والإمام الأكبر شيخ الأزهر بدأ حوارًا بين الشرق والغرب في فلورنسا العام الماضي، وهو حوار قائم ومستمر.

محاور الأزهر الضابطة للحوار الديني

أولا: سرعة تجديد الخطاب الديني وتطويره قبل أن يصبح مفهومًا مستهلكًا كما استُهلكت مفاهيم كثيرة أخرى من كثرة استخدامها دون تأثير حقيقي واقعي، ويؤمن الأزهر بأن التجديد يجب أن يضمن عدم رفع راية الوصاية الدينية على حساب التوعية الدينية والتعليم الديني، والأزهر يقوم في أدبياته الحديثة بما يمكن أن نطلق عليه ترميم البنية التحتية للمفاهيم التي يتم استغلالها من المتطرفين، ويقوم إلى جانب ذلك بترسيخ المفاهيم الحديثة التي تحث على الإيمان بالتعددية والحوار والتسامح والمواطنة، وهنا يجب أن نتحدث عن الحياة في سبيل الله وليس الموت في سبيل الله، عن الآخر وليس عن الكافر، عن المواطنة وليس الذمة، وإلى جانب ذلك نعمل على محاصرة المفاهيم التي تعطي انطباعًا أنها ترسخ التمييز، وهي مفاهيم نشأت في سياقات تاريخية سوغت وجودها في زمان مثلت فيه هذه المفاهيم ميزة كبرى قبل أن تصبح الآن همًا ثقيلًا.
وهنا أؤكد أننا لا ينبغي أن ننفي دومًا صفة التطرف عن الدين، بل يجب أن نعمل دوما على تطوير الخطاب الديني ونصوصه وعلومه بما يضمن قدر الإمكان عدم استغلاله من أصحاب الرؤى المتطرفة، هنا نستطيع الحديث بقوة وبأريحية.
ثانيًا: إعلاء قيمة الإنسان وترسيخها في عمق إيمان المجتمع المتدين، والتأكيد – عند التعامل والتلاقي المجتمعي - على الانطلاق من الإنسان كونه مخلوقًا من الله وليس انطلاقًا من دينه أو طائفته او لونه أو لغته، بما يضمن ترسيخ حقيقة إلهية مفادها أنه لا وصية لأحد على أحد، وليس أحد في حماية أحد أو في ذمته، وما إلى ذلك من مفاهيم إقصائية مرفوضة. وهنا نؤمن بأن هناك نصوصًا دينية إلهية يجب التركيز عليها وترسيخ معانيها في الوعي المجتمعي، أضرب بذلك آية في سورة التوبة التي يبرأ الله فيها من فكر المشركين ومنهجهم، آية يقول فيها "وإن استجارك أحد من المشركين فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" أي أبلغ هذا المشرك بالله مكانًا يشعر فيه بالأمان، وفي الإنجيل "أحبوا أعداءكم" على الرغم من الأهوال والآلام التي عانى منها السيد المسيح وأتباعه، هذه نصوص رائعة يجب تقديمها في الحديث أو الخطاب الديني على نصوص أخرى استغلها المتطرفون لتشويه الدين عمدًا.
ثالثًا: إعلاء قيمة الهوية العربية والثقافة الشرقية بما في ذلك التركيز على قيمة الوطن وما فيه من تعدد وتداخل ثقافي كبير بين الطوائف الدينية، الوطن الذي يعبر عنه القرآن بكلمة "الدار"
"والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم"
"للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانًا"
هذه الهوية أو الوطن تحمل من التنوع والتعدد والثقافات ما ينبغي أن يفهم على أنه سنة وآية تصنع "الأمل" في التعايش السلمي وليس "الألم" بسبب العيش مع الآخر المختلف.
من هنا يجب الحيلولة دون تحول الدين الإلهي إلى عبء مجتمعي على المخلوق الإلهي وعلى المجتمع المتعدد، ذلك المجتمع الذي أصبح – بسبب تنازع الهويات الدينية والطائفية والعرقية واللغوية عليه – يُخشى عليه من فقد هويته العربية وثقافته الشرقية بما فيها من تنوع ديني عميق هو في الأصل حاكم للحياة المجتمعية وليس محكومًا عليه من دين او مذهب بعينه.

 

 

طباعة
كلمات دالة: