الإسلام في كولومبيا

  • | الخميس, 17 نوفمبر, 2016
الإسلام في كولومبيا
  1. مقدمة

انطلاقًا من حرص مرصد الأزهر باللغات الأجنبية على متابعة أحوال الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض؛ للوقوف على أهم المشاكل والمصاعب التي تواجه الأقليات المسلمة، قامت وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر بمجموعة من التقارير المُفصلة عن أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا، وفي دول أخرى من قارة أمريكا اللاتينية، والتي كانت من بينها الإسلام في الأرجنتين والمكسيك. وفي هذا التقرير نعرض أحوال الإسلام والمسلمين في جمهورية كولومبيا، باعتبارها واحدة من أهم دول أمريكا اللاتينية التي انتشر فيها الإسلام خلال الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ. كما تُعد من أقدم دول القارة التي دخل فيها الإسلام.

في البداية تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن التعداد السكاني في كولومبيا وصل إلى ما يقرب من 49 مليون نسمة لعام 2016، في حين أنه لا توجد حتى الآن دراسات أو إحصائيات دقيقة أو رسمية حول أعداد للمسلمين في كولومبيا؛ نظرًا لأن القانون الكولومبي يمنع الإحصائيات التي تقوم على مبدأ ديني، إلا أن هناك إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن الأعداد قد وصلت إلى 85 ألف مسلم من خلال بيانات تم تجميعها عن طريق الجمعيات الإسلامية في كولومبيا، وفي هذا السياق تؤكد التقارير على أن الجالية المسلمة في كولومبيا في تزايد مستمر، حيث تتزايد الأعداد بشكلٍ متسارعٍ خلال العقود الأخيرة، وتأتي هذه الزيادة الملحوظة في ظل تنامى أعداد المسلمين في قارة أمريكا اللاتينية بشكلٍ عام.

  1. تاريخ الإسلام في كولومبيا

ترجع أصول الإسلام في كولومبيا إلى القرن السادس عشر مع وصول الموريسكيين القادمين من إسبانيا، وإلى المسلمين القادمين من إفريقيا الذين تم اختطافهم واقتيادهم كعبيد إلى الأميركتين، وسرعان ما تم توزيعهم على دول القارة. ولكن اختفت ملامح الإسلام في القارة الجديدة أثناء فترة الاستعمار نظرًا إلى سياسة التنصير التي اتخذتها السلطات الإسبانية لفرض دينها على الجميع واضطهاد أصحاب الديانات الأخرى.

يُذكر أن موجات الهجرة لعبت دورًا محوريًا في هذا الصدد؛ حيث تمتد جذور الجاليات المسلمة الحالية في المدن الكولومبية إلى موجات الهجرة من العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالفعل تمَكّن المهاجرون العرب ممن قدموا إلى كولومبيا في أواخر القرن التاسع عشر من الاندماج في المجتمع الكولومبي، وكانوا بذلك نواة لتعريف الكولومبيين بالإسلام وبمبادئه السمحة.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن هناك ثلاث موجات رئيسية من الهجرة كانت حجر الأساس لتشكيل الجالية المسلمة في كولومبيا: كانت الأولى بسبب الصراعات السياسية في بلاد الشرق الأوسط أثناء الإمبراطورية العثمانية التي دفعت العديد من العرب للنزوح إلى الأميركتين، أما الثانية فترجع إلى المهاجرين الفلسطينيين الفارين من بلادهم إبان الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني في 1948، وأخيرًا المهاجرين اللبنانيين خلال عقد الستينيات مع بداية الصراعات الطائفية الحزبية داخل لبنان.

  1. تزايد الإقبال على اعتناق الإسلام

كما ذكرنا سلفًا، أصبح تزايد أعداد المسلمين في كولومبيا ظاهرة تتنامى يومًا بعد يوم، وإن كان هذا الاضطراد يرجع في السابق إلى موجات الهجرة المتدفقة، فإننا يمكن أن نعزو ذلك في الوقت الراهن إلى تزايد اعتناق الكولومبيين للإسلام خلال الأعوام الأخيرة، والتي بدأت في الثمانينيات من القرن الماضي مع تأسيس المراكز الإسلامية في العديد من المدن الكولومبية. كما أن تناول الإسلام في وسائل الإعلام الكولومبية ساهم بشكلٍ كبيرٍ في جذب انتباه المشاهد والمستمع والقارئ إلى البحث عن هذا الدين والتعرف عليه مما جعلهم يقتنعون به ويعتنقونه. كما ترجع الزيادة أيضًا إلى تضاعف العلاقات الدبلوماسية بين كولومبيا وبعض الدول الإسلامية، كما سنحت الفرصة لمجموعة من المسلمين الكولومبيين بالتواصل والدراسة في مدارس وجامعات إسلامية في مجموعة من الدول الإسلامية.

ومن بين الأسباب التي يراها الكولومبيون أنفسهم عاملاً محوريًا في اعتناقهم للإسلام هي الوحدانية التي ينادي بها الإسلام، وثقة المؤمن الكاملة في العدالة الإلهية، وعدم وجود معتقدات أو شعائر معقدة كما هو الحال في بعض الديانات الأخرى، والإحساس القوي بالتعاون والتضامن بين أبناء الجالية المسلمة، والتي تحمل بين طياتها صبغةً عالميةً، فضلاً عن الجوانب الأخلاقية والإنسانية والقومية التي يدعو إليها هذا الدين الحنيف.

الجدير بالذكر أن معظم المسلمين في كولومبيا حتى الثمانينيات كانوا من السُنّة، بينما بدأ ينتشر المذهب الشيعي خلال التسعينيات بشكلٍ ملحوظٍ عن طريق الإيرانيين واللبنانيين والدعاية التي كانت تتبناها الجمهورية الإيرانية ووسائل الإعلام الشيعية المسموعة والمكتوبة والمرئية تحت رعاية منظمات شيعية إيرانية. كما توجد أيضًا في كولومبيا طوائف صوفية، ولكنها تنقسم إلى قسمين: إحداهما يعتنق الإسلام بشكل واضح والأخرى تتبنى النظرية القائلة بأن الصوفية ليست مقتصرة على الإسلام، ويدخلون في اجتماعاتهم وممارساتهم أفرادًا غير مسلمين. هذا القسم الأخير -وإن كان يلقى اعتراضا كبيرا من المسلمين- إلا أنه كان سببًا في إسلام عددٍ كبيرٍ من هؤلاء الأفراد غير المسلمين.

  1. المراكز الإسلامية في كولومبيا

كانت أعداد المسلمين في بادئ الأمر قليلة للغاية، ولم تكن الظروف مهيأة لإنشاء جمعيات أو مراكز إسلامية أو حتى مساجد يستطيع المسلم من خلالها أداء الصلوات الخمس، ولم يتمكن المسلمون من تأسيس تلك المراكز إلا مع حلول القرن العشرين مع تزايد أعداد موجات الهجرة من المسلمين آنذاك، الأمر الذي جعلهم يفكرون في إنشاء أماكن للعبادة. ومع تزايد أعداد المسلمين توجّب على الجالية المسلمة إقامة المؤسسات الخاصة بها مثل المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية، وبدأت مؤسسات إسلامية كبرى بإيفاد علماء إلى كولومبيا مثل مؤسسة الأزهر، إلا إنهم كانوا لا يتقنون اللغة الإسبانية، الأمر الذي حال بينهم وبين المهمة التي كانوا قد ابتعثوا من أجلها. يُذكر أن أهم الجمعيات الإسلامية في كولومبيا تقع في العاصمة بوجوتا. ونذكر فيما يلي أهم المؤسسات الإسلامية بالعاصمة:

  • المؤسسة الخيرية الإسلامية في كولومبيا 

هي من أقدم المؤسسات الإسلامية في كولومبيا ويعود تأسيسها إلى عام 1971 وتجمع أكبر عدد من المسلمين. تعتمد في تمويلها على إسهامات العرب، ومن هنا كانت لهم الأولوية في اتخاذ جميع القرارات، ويتوافد على مسجد هذه المؤسسة العديد من المسلمين من جميع المذاهب، ومعظمهم يرون ضرورة احترام وجهات نظر المسلمين الشيعة الذين تستقبلهم المؤسسة أيضًا دون أدنى مشكلة.

  • المركز الثقافي الإسلامي

هو مركزٌ متخصصٌ في نشر الثقافة والتراث الإسلامي وثقافة البلدان الإسلامية للجمهور غير المسلم، ويقوم المركز على مبدأ الاعتراف بالتعددية الثقافية، وكذلك الاعتراف بجميع المذاهب الموجودة داخل الإسلام. يهدف المركز إلى خلق مناخ يستطيع المسلم من خلاله أن يمارس شعائر دينه اليومية دون شحناء أو مقاطعة مع المؤسسة الإسلامية الخيرية.

 

  • المركز الإسلامي في كولومبيا (مسجد إسطنبول)

تم تأسيس هذا المركز من خلال مجموعة من المسلمين المتطوعين، وساهموا في إنشاء مسجدٍ خاصٍّ بهم، علمًا بأن هذا المسجد لا يستقبل أي دعمٍ خارجيٍ من أية دولةٍ أجنبيةٍ أو مؤسساتٍ أو منظماتٍ إسلامية، كما أن المسجد لا يغلق أبوابه أمام أي مذهب، وإن كان هناك اتجاه إلى تفضيل المذهب المالكي وفقا لما أعلنه أحد المؤسسين.

  1. أهم المُدن التي تتواجد بها الجالية الإسلامية بعد العاصمة

تأتي مدينة "مايكاو"Maicao  في المرتبة الثانية بعد العاصمة، وهناك قامت مجموعة من اللبنانيين بإنشاء المدرسة الكولومبية العربية (دار الأرقم) في منتصف الثمانينيات، وتأسيس أول مسجد بالمدينة وهو "مسجد عمر بن الخطاب" وهو ثاني أكبر مسجد في أمريكا اللاتينية. يُذكر أن مدينة "مايكاو" بها أكبر عددٍ من المسلمين بعد العاصمة بوجوتا، كما أن الجالية المسلمة في هذه المدينة لها مشاركة فاعلة في العمل السياسي والاجتماعي، ونظراً للأهمية القصوى التي تتمتع بها الجالية المسلمة في مدينة مايكاو، فإن جميع المراكز الإسلامية التي تم تأسيسها في الأعوام الأخيرة في مُدن "سانتا ماريا" Santa María و"قرطاجنّة" Cartagena و"بارّانكيا" Barranquilla كانت وليدة المبادرات التي يتبناها المسلمون في مدينة مايكاو من خلال الدعم والمساندة.

وفي مدينة "بوينابينتورا" Buenaventura التي تعتبر أهم السواحل الكولومبية التي تطل على المحيط الهادي - يتواجد بها الجالية المسلمة الأكبر بعد مدينتي مايكاو وبوجوتا العاصمة، علمًا بأن الأهمية لا تكمن في حجم الأعداد، ولكن ترجع إلى تواجدها منذ أربعة عقود فقط، واحتلت بذلك المرتبة الثالثة في كولومبيا. من جانب آخر تختلف الجالية المسلمة في هذه المدينة عن غيرها من المدن الكولومبية وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، حيث إن جميع المسلمين في هذه المدينة حديثو العهد بالإسلام.

  1. خاتمة

 يرى مرصد الأزهر أن على الدول والمؤسسات الإسلامية الكبرى التي تهتم بأحوال الأقليات المسلمة في دول العالم العمل على تلبية احتياجات المسلمين هناك، وتقديم الدعم اللازم من خلال إيفاد أئمة يُتقنون اللغة الإسبانية؛ حتى يتمكنوا من نشر الإسلام الصحيح بين الجالية المسلمة خاصة الكولومبيين من بين أبنائها، وتوفير كُتيبات ومطبوعات تعريفية باللغة الإسبانية لحديثي العهد بالإسلام، والمساهمة في إنشاء مدارس ومراكز تعليمية لتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية هناك، والتواصل مع الجالية المسلمة أيضًا من خلال مختلف الوسائل وأهمها بالطبع شبكة الإنترنت، وكذا فتح قناة تلفزيونية تُبث من خلالها برامج تعليمية وتقارير وثائقية عن الإسلام وتاريخه وحضارته في شتى بقاع الأرض، كما يُحذر مرصد الأزهر من التمدد الشيعي في هذه المجتمعات حيث يمكن لأية مذاهب أن تفرض وجودها إذا غاب عنها المذهب الوسطي المعتدل، والذي يتمثل في مذهب أهل السنة والجماعة.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

طباعة