المرأة المسلمة وممارسات التمييز في ألمانيا

  • | الجمعة, 18 نوفمبر, 2016
المرأة المسلمة وممارسات التمييز في ألمانيا

قضيتان تحتلان غالبًا العناوين الرئيسية في التعامل الغربي مع الإسلام والدول الإسلامية؛ قضية المرأة، وحرية الاعتقاد؛ إذ يكثر في الغرب أن نجد تصورًا عامًّا مفاده أن الإسلام أو الدول ذات الأغلبية الإسلامية لا تعطي المرأة كامل حقوقها سواء في قضايا الميراث أو الزواج أو حتى الزي الذي ترتديه، وبخصوص حرية الاعتقاد نجد لدى البعض تصورًا مشابهًا مفاده أن الإسلام لا يحترم حرية الاعتقاد على أقل تقدير أو أنه يعامل أي شخص لا يعتنق الإسلام على أنه كافر حلال الدم في الحالات القصوى.
ولا ينكر إلا غير عاقل أن حالة المرأة في بلادنا ليست في أفضل حالاتها، ولكن إرجاع هذا إلى الإسلام دون النظر إلى الحالة الاجتماعية والاقتصادية العامة في تلك البلدان أو حتى في الحالات التي يجري فيها الإساءة إلى المرأة ليس من الصواب في شيء، وبخصوص حرية الاعتقاد فإننا لا نجد ردًّا على تلك الادعاءات أبلغ مما قاله الله تعالى في كتابه العزيز " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (سورة الكهف، آية 29) فهذا قول الله الذي لا يرده شيء وفقًا للتصور الإسلامي، وإن كان الواقع لا يعكس هذا بالضرورة فإننا أيضًا نحيل إلى العديد من التفسيرات المعاصرة لأئمة الإسلام التي تعالج قضية حرية الاعتقاد وتصور الإسلام عنها والتي يضيق المقام هنا عن ذكرها.
ولكن إن أردنا الإنصاف وجب أن نتوجه إلى الغرب بالسؤال عن تلك القضيتين حرية المرأة، وحرية الاعتقاد، وفي هذه الحالة نرى أن هاتين القضيتين تتمثلان في مسألة ارتداء المرأة المسلمة للحجاب؛ فالحجاب نوع من الأزياء الذي يطالب بعضهم في الغرب بحرية المرأة في ارتداء ما تشاء منه، كما يعتبره أغلب المسلمين فريضةً دينية، فهل حرية الاعتقاد في الغرب تكفل للمرأة أن ترتدي الحجاب دون خوف من اعتداءٍ أو تفرقةٍ في العمل أو التعليم أو حال البحث عن المسكن، لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بالقطع إيجابًا أو سلبًا؛ فقبل بضعة شهور وافقت محكمةٌ ألمانية على حق ارتداء إحدى المحاميات المسلمات للحجاب في قاعة المحكمة فيما يعد انتصارًا لمبدئي حرية المرأة خاصةً والإنسان عامةً وحرية الاعتقاد، ولكن على خلاف ذلك طالعتنا في شهر أكتوبر عدة أخبار تتناقض مع هذا المبدأ تناقضًا واضحًا؛ منها مثلًا خوف المحجبات في مدينة هامبورج بشمال ألمانيا من ارتداء الحجاب في المواصلات العامة؛ وذلك لتعرضهن للعديد من المضايقات والإهانات، وقد ذكر الخبر بعض الحوادث التي وقعت بالفعل ومنها أن امرأة في الخمسين من عمرها جذبت امرأة مسلمة شابة من الحجاب في إحدى وسائل المواصلات قاصدةً خلعه، مما تسبب للشابة المسلمة بالتواء في الرقبة، وتحدثت هذه الشابة عن المضايقات التي تتعرض لها على نحو مستمر هي وطفلتها ذات الأعوام الأربعة في وسائل المواصلات، وفي خبرٍ آخر تحدثت أختان عن معاناتهما بسبب ارتداء الحجاب؛ حيث تقدمت إحداهن لشغل وظيفة لدى طبيب أسنان، وعند سؤالها هل سترتدي الحجاب في العمل قالت إنها ستفعل فرفضوا حينئذٍ توظيفها، أما أختها وبعض زميلاتها اللواتي ما زلن في سن الدراسة فقد تعرضن للتهديد بالطرد من المدرسة بسبب "ضبطهن" وهن يرتدين الحجاب، وكأنهن ضبطن يرتكبن جريمةً ما، وإذا ولينا وجوهنا شطر سويسرا سنجد حادثةً ذات دلالة في مدينة بيرن؛ حيث كانت تعمل امرأة مسلمة لسنوات طويلة في مغسلةٍ كبرى في المدينة، ولما طلبت من رب العمل أن يسمح لها بارتداء الحجاب رفض ذلك مرجعًا الأمر لأسباب صحية وأمنية.
كانت جريدة دي فيلت قد نشرت خبرًا بعنوان: المسلمات المحجبات يخفن من استخدام المواصلات العامة؛
 حيث ترتدي كثير من المسلمات في "هامبورج" الحجاب مما يتسبب لهن في مزيد من المضايقات والاعتداءات، كما ذكرت النساء المعنيات في مدينة هامبورج، فالنساء المسلمات المحجبات يجب أن يضعوا في حسبانهم المضايقات والإهانات التي سيتعرضن لها حال تجولهم في الأماكن العامة في "هامبورج"، وأفاد المركز الاستشاري بتزايد الهجمات التي تتعرض لها المسلمات المحجبات، وذكرت الممثلة النسائية في مجلس شورى هامبورج "أوزليم ناس" أن النساء لا يستخدمن المواصلات العامة خوفًا من التعرض لمضايقات، ونقلت الصحيفة ما روته إحدى الشابات المسلمات البالغة من العمر 26 عامًا من تعرضها في إحدى محطات مترو الأنفاق لمضايقات أشبه بالاعتداء؛ حيث جذبتها سيدة خمسينية من الخلف وأرادت نزع حجابها مما تسبب لها بالإصابة بالتواء مفاجئ للرقبة، وفتحت النيابة تحقيقًا في الأمر، وقالت الشابة وعيناها ممتلئة بالدموع إنها تتعرض للمضايقات والإهانات بشكل يومي هي وطفلتها ذات الأعوام الأربعة، وطبقًا لبيانات حكومية فقد انخفضت الهجمات على المساجد وكذلك الهجمات التي تستهدف المسلمين في النصف الأول من العام 2016م إلى 26 هجومًا بعدما وصلت إلى 44 هجومًا في النصف الأخير من عام 2015م. وقالت "أوزليمناس" عضو مجلس إدارة اتحاد الجاليات المسلمة بشمال ألمانيا والتي تشارك في تدريب المعلمين في مركز ومسجد "سانت جورج"، إن النساء المسلمات يرتدين الحجاب لأسباب دينية ولا يمكنهم نزعه ببساطة؛ حيث يتوجب عليهم طبقًا للسنة التي تعتبر مصدرًا فيما يخص الحياة العملية تغطية كامل الجسد عدا الوجه واليدين والقدمين، وهذا ليس للزوج دخل به بل هو علاقة المخلوق بالخالق وأضافت أن من يرتدي الحجاب ليس أفضل ممن لا يرتدي؛ لأنه لا إكراه في الإسلام، وتحدثت "ألفى الأواردي"، المختصة بشئون المرأة بجمعية النور، عن تعرضها أيضًا لمضايقات ونظرات سلبية في المواصلات العامة بسبب ارتدائها للحجاب، ولكن وبصفتي مسلمة يمكنني القول أنه يوجد حرية اعتقاد في ألمانيا.
كما نشرت صحيفة "بليك" خبرًا يتناول الحكم الذي صدر في مدينة بيرن بشأن امرأة مسلمة أقالتها مغسلة كبرى بالمدينة، لرفضها خلع الحجاب لأسباب دينية، وأشار القاضي إلى أن المغسلة لم تدلل على توجيه إرشاد للمرأة بأن تخليها عن الحجاب أمر ضروري مهنيًّا، وجاء في الحكم أن المرأة المسلمة كانت تعمل منذ 2009م برضى تام من قبل صاحب العمل، وذات يوم ذكرت أنها تريد ارتداء الحجاب وعرضت أنها ستغسله كل يوم، لكن صاحب المغسلة أبدى رفضه لهذا الأمر وهو ارتداؤها للحجاب في العمل لدواعي أمنية وصحية، ووفقا للحكم كان يتعين على الإدارة أن تبحث عن حل آخر مع السيدة المسلمة، بعد الوصول لمرحلة أن المرأة يتعين عليها العمل بدون حجاب وهو ما لم تفعله المغسلة، وقضى الحكم بأن تدفع المغسلة تعويضا للمرأة المسلمة، وقد أيد المجلس المركزي للمسلمين موقف السيدة المسلمة، مشيرا إلى أن الذي يعوق عميلة اندماج السيدات المسلمات هو الموقف العدائي للإسلام وليس الحجاب، وذكرت الأمينة العامة للمجلس أن هناك حالات كثيرة مثل هذه في سويسرا لكن القليل منهن من يلجأن للمحاكم، وبعد هذا الحكم قد يلجأ الكثير من السيدات إلى المحكمة.
وأخيرًا نشر الراديو الثقافي الألماني مقالاً تحت عنوان: الأخوات المسلمات، تناول فيه ما يحدث للفتيات المسلمات في ألمانيا من اضطهاد بسبب ارتدائهن الحجاب، وكمثال على ذلك تناول المقال حالة الأختان ألينا وليلى من برلين، تحدثت ألينا عن موقف حدث معها عند طبيب الأسنان عندما تقدمت لطلب وظيفة كمساعدة له، وعند ذهابها لعمل المقابلة الشخصية معه، سُئلت هل سترتدي الحجاب أثناء العمل أيضا، وعندما أجابت بنعم، جاءتها الإجابة بأنهم لا يريدون ذلك، شكرتهم ورحلت، وأجهشت في البكاء وكان كل ما تتمناه أن تقدم نفسها لهم، بينما تحكي أختها أنهن تم ضبطهن أثناء الصلاة في المدرسة وتهديدهن بالطرد من المدرسة، وفي هذا الصدد قال الإمام فريد حيدر إن وقع كلمة "ضبط" غير لطيف بالمرة؛ حيث تبدو كأن الفتيات ضبطن في الحمام يدخن الحشيش.
هذه إطلالة على بعض الأخبار التي نشرت في الصحف الألمانية وتشير إلى نوع من أنواع التمييز الديني يمارس ضد المرأة المسلمة بسبب حجابها، وعلى الرغم من أن هذه الممارسات قد يغلب عليها أحيانًا الطابع الفردي إلا أنها تكررت في الآونة الأخيرة في أكثر من مدينة ألمانية بشكل لافت للأنظار جعل المسلمات لا يشعرون في الحياة العامة بالأمان والحرية والمساواة التي كانوا يشعرون بها من قبل، ويستنكر مرصد الأزهر من جانبه هذه الممارسات التي يغلب عليها طابع التمييز والتضييق ويهيب بالحكومة الألمانية والقضاء الألماني اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة جميع مظاهر الإسلاموفوبيا هناك.


وحدة الرصد الألمانية

 

طباعة