كيف لظاهرة الإسلاموفوبيا أن تنمو في مجتمعات ديمقراطية!! (إسبانيا نموذجاً)

  • | السبت, 19 نوفمبر, 2016
كيف لظاهرة الإسلاموفوبيا أن تنمو في مجتمعات ديمقراطية!! (إسبانيا نموذجاً)

لا يألو مرصد الأزهر جهداً في متابعة أحوال المسلمين في كافة ربوع الدنيا، ومن بين ما يتابعه المرصد بشكلٍ يوميٍّ ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي يفرد لها المرصد كذلك ملفاً كاملاً داخل التقرير الشهري الذي يصدر نهاية كل شهر.

لا شك أن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي من الظواهر البغيضة التي تؤثر على حياة المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية؛ هذه الظاهرة التي تعني ما تعنيه من التحامل والكراهية لكل ما هو إسلامي أو لكل ما هو مسلم تعد شكلاً من أشكال العنصرية، والعجبُ أنها وُلدت في أرحام مجتمعاتٍ ديمقراطية، الإسلاموفوبيا وإن كانت لها أسباب نفسية في المقام الأول، إلا أنها تأصلت بعدما شهدت العديد من العواصم العالمية سلسلةً من الأحداث الدموية والأفعال الإجرامية التي نُسبت بصورةٍ خاطئةٍ إلى الإسلام والمسلمين، ونرى هنا كيف أن الإعلام والفضاء الإلكتروني لعبا دوراً بارزا في إزكاء هذه الظاهرة؛ وبالتالي نتج عن ذلك تكوين تصورٍ مغلوطٍ لدى المجتمعات الغربية نحو كل ما هو إسلامي.

الإسلاموفوبيا وإن كانت ظهرت في أول الأمر من خلال العدوان اللفظي، إلا أنها تطورت من حين لآخر وفقاً للأحداث وتخطت حاجز العدوان اللفظي حتى وصلت إلى العدوان الجسدي وانتهاك الأماكن المقدسة، إن إيجاد نماذج لما ذكرناه ليس بالأمر العسير، فيكفي أن نُطالع صفحات الجرائد اليومية حتي نجدها لا تخلو من إهانةٍ هُنا أو طعنةٍ هناك، من تلطيخ لمسجد بالقاذورات أو مطالبات بطرد المسلمين أو التضييق عليهم.

ووفقاً لما صرحت به إحدى المسلمات لـ "راديو سبوتنيك" تُدعى "راميا الشاوي"، وهي إحدى خريجات جامعة برشلونة فقد ازدادت هذه الظاهرة خلال الآونة الأخيرة، وأشارت إلى أن التوجُّه العام للسلطات السياسية في أوروبا شجّع على زيادة هذه الظاهرة وساهمَ في انتشارها بسبب القوانين التي تصدر مثل منع "البوركيني" أو حظر ارتداء النقاب، وهو ما يُعد وسيلة واضحة للتمييز لقطاعٍ كبيرٍ داخل المجتمعات الأوروبية، وأضافت أن مثل هذه القرارات تسببت في حالةٍ من التوتر المجتمعي وتعيق في الوقت نفسه عملية الاندماج والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع كافة على اختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافتهم، وعن الأوضاع في إسبانيا ذكرت "راميا الشاوي" أن ظاهرة الإسلاموفوبيا قد ازدادت بشكلٍ مضاعفٍ وينبغي أن يكون السياسيين على حذر في تصريحاتهم وبيانتهم التي تثير القلاقل والأزمات في كثير من الأحيان كما هو الحال في فرنسا، كما ذكر أحد الشباب المسلم في أوروبا أن المسلمين لا يريدون فرض أي شيء على المجتمع الأوربي بل يسعون فقط لكسب الاحترام والتقدير، كما أكد على رفض أعمال العنف وقبول التعايش مع الآخر أياً كانت ديانته.     

وفي مقاطعة ليون الإسبانية، نظّمت البلدية سلسلة محاضرات إلزامية تُعزز من تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا في جامعة ليون؛ هذه السلسلة حاضرَ فيها رعد سلام، وهو كاتب مسيحي من أصل عراقي معروف بآرائه الكارهة للإسلام، وكان من بين تصريحاته بعد الهجوم الإرهابي بمدينة نيس الفرنسية: "الإسلام هو المسؤول عن كل هذه الاعتداءات"، "لا يمكن الحوار مع الإسلام بينما توجد بالقرآن آيات تحرض على العنف"، من جانبها، انتقدت لجنة الطلاب بجامعة ليون إلزام الطلاب بحضور هذه المحاضرات التي يلقيها رعد سلام رغم توجهاته المحرضة على كراهية الإسلام والمسلمين، معتبرة أن موقف الجامعة مخزٍ، كونها تستضيف محاضرات إلزامية للطلاب تعزز من العنصرية تجاه أيّ من الأديان.

من جانبه، يُنبه مرصد الأزهر إلى أن خطر ظاهرة الإسلاموفوبيا، وإن كان يعاني منه المسلمون في المقام الأول، إلا أنه سيطال المجتمعات التي تزداد وتتفاقم بها هذه الظاهرة، إن كان لنا أن نستثني بعض الأعمال الفردية التي يقوم بها بعض الأفراد في بعض المجتمعات الغربية فهو من باب أن هؤلاء فقدوا السيطرة على أنفسهم واتبعوا أهوائهم، لكن من غير المقبول أن تكون هناك جهات مسؤولة بعينها هي من ترعى هذه الظاهرة، ويدعو مرصد الأزهر إلى إعمال العقل وتغليب المصلحة العامة للشعوب، وإلا فما هو الذي تتوقعه هذه الجهات من أن تجنيه سوى صب الزيت على النار وفي النهاية سيخرج الجميع خاسرون، نُذكر هنا بقول الله تبارك وتعالي:

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً{ الأنفال:25.

وعلى الجانب الآخر، يُثمن مرصد الأزهر كل الفعاليات التي من شأنها أن تتدارك هذه الظاهرة، والتي كان من بينها على سبيل المثال مشاركة 31 شاباً من سبع دول، من بينها فرنسا إيطاليا وإسبانيا، في ملتقى بمدينة "شريش" Jerez الإسبانية نظمته بلدية المدينة في 18 من أكتوبر الجاري؛ لوضع مشروع لمناهضة الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب، تحت عنوان: "دعوة للتسامح في أوروبا"، وقد حضر هذا الملتقى عمدة المدينة "مامين سانشيث" التي أعربت عن ثنائها على هذا المشروع الذي يدعو إلى مزيدٍ من التسامح في أوروبا بما يسمح بتقبل الآخر والتسامح مع أصحاب الديانات الأخرى.

وختاماً يؤكد مرصد الأزهر أن أحد أسباب تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا يرجع بالطبع إلى الإرهاب، الذي لم يترك مكاناً في هذا العالم إلا وقد نال منه، لكن لا يخفى على أحد أن الإرهاب لا ينتمي إلى الإسلام ولا إلى أية ديانة أخرى، ينبغي عدم التعميم، فمن غير المنطقي أن يقوم أحد المتطرفين بعمل إرهابي ثم يتم إلصاق هذه التهمة بأمة كاملة، وهو ما يتعارض مع الحكمة الإلهية {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{، التي وردت في غير موضع من آيات الذكر الحكيم.

 وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة