حركة الشباب المجاهدين...وحلم العودة بعد الانقسام

  • | الإثنين, 21 نوفمبر, 2016
حركة الشباب المجاهدين...وحلم العودة بعد الانقسام

صعّدت حركة الشباب المجاهدين في الآونة الأخيرة من هجماتها الإرهابية، بعد فترة شهدت تراجعًا ملحوظًا لنشاط الحركة؛ ظنّ معه البعض أنّ القضاء على الحركة بات أمرًا وشيكًا، خاصَّة مع ارتفاع أعداد المنشقين عنها وتوالي الانقسامات التي ضربت صفوفها، وأيضًا تزايد أعداد العناصر الذين استسلموا لقوات الأمن في كينيا والصومال، هذا بالإضافة إلى تقدّم قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي (أميصوم) وفرض سيطرتها على عدد من المدن التي كانت خاضعة لسيطرة الحركة.

 وتعدّ حركة الشباب المجاهدين الصومالية إحدى أخطر الجماعات المسلحة في شرق إفريقيا، والتي تولدت من رحم تنظيم القاعدة وأخذت في النمو والتطور حتى صار ذكرها – في كثير من الأحيان - أكبر من تنظيم القاعدة ذاته . ولما كانت هذه الحركة تمثّل ذراع الشر في شرق إفريقيا أبى تنظيم داعش إلا أن يضمَّها للوائه، فجعل يخاطب عناصر الحركة وقادتها موجهًا لهم نداءات متكررة بالانضمام للتنظيم ومبايعته والعمل على تكوين ولاية له في شرق إفريقيا - كما هو الحال في الغرب- من خلال جماعة بوكو حرام، وبالفعل آتت هذه الدعوات وتلك النداءات أُكُلَها، فأخذت الانقسامات تضرب الحركة حتى أعلن فصيل منها يتزعمه المدعو عبدالقادر مؤمن - تقدر أعداد عناصره بالمئات - مبايعته لتنظيم داعش وانشقاقه عن الحركة، ومنذ ذلك الحين ازدادت معاناة المتضررين من تحركات الشباب المجاهدين سواء على المستوى الرسمي (الحكومة وقوات الأمن) أو على مستوى الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الشباب وسندان المنشقين عنهم فما هؤلاء من أولئك ببعيد، الكل يتاجر بدماء الأبرياء متخذًا من الدين ستارًا يُخفي وراءه أغراضًا خبيثة وأهدافًا غير مشروعة.

حلم العودة بعد التراجع

بعد فترة من التراجع عاودت حركة الشباب المجاهدين نشاطها الإجرامي فيما يبدو أنه بداية لمرحلة جديدة في عمر الحركة؛ حيث شنّت الحركة مؤخرًا سلسلة من الهجمات البربرية، والتي تركزت في الصومال وكينيا؛ حيث شهد شهر أكتوبر ارتفاعًا ملحوظًا لنشاط الحركة من خلال عدة هجمات استهدفت عسكريين ومدنيين، لاسيما على الأراضي الكينية بداعي محاربة المشركين – بحسب مزاعم الحركة – وكان آخر تلك الهجمات هو ذلك الهجوم الذي شنته الحركة على فندق بمحافظة (مانديرا)، وقالت في بيانها الذي أعلنت من خلاله تبنيها له أنه يهدف إلى طرد –ما أسمتهم - الكفار من شمال شرق كينيا. وقد أثار هذا التصعيد عدة تساؤلات حول احتمالية عودة حركة الشاب من جديد لنشاطها الذي كان قد ضعف نوعاً ما خلال الفترة الماضية واستعادة المناطق التي خسرتها، وإثبات أنها لا تزال تمثّل الخطر الأكبر على المنطقة؛ حيث استعادت الحركة سيطرتها على العديد من المدن والقرى، وذلك إثر انسحاب القوات التابعة للاتحاد الإفريقي من هذه المناطق، فقد أخلت تلك القوات في الأسابيع الأخيرة ثلاثة مواقع في منطقة (بلدوين) من دون إعطاء تبريرات تاركة الساحة لمقاتلي حركة الشباب، لكن البعض يرجع هذا الانسحاب إلى انخفاض الدعم الدولي لتلك العمليات عقب قرار أوروبي بتخفيض الدعم المالي للقوات الأجنبية المشاركة في حفظ السلام في الصومال؛ مما أتاح لمقاتلي الحركة الفرصة لبسط سيطرتهم على المدينة.

كما ذكرت مصادر أمنية أن بعض السياسيين قد يعملون على تأزيم الوضع في منطقة (مانديرا) للدفع إلى إعلان حال الطوارئ في المنطقة ومنع إجراء الانتخابات المزمع إجراؤها العام المقبل. وقد أثارت تحركات حركة الشباب المجاهدين الأخيرة قلق المجتمع الدولي، تلك التحركات التي طالما حذر منها مرصد الأزهر ونادى بضرورة استئصال هذا الفكر، والمضي قدماً نحو تحقيق بيئة آمنة للمجتمع الصومالي، وفي شرق إفريقيا بشكل عام؛ حيث حذرت الأمم المتحدة في تقرير لها صدر مطلع الشهر الجاري من قدرة حركة الشباب الصومالية على تنفيذ هجمات كبيرة، حيث تعد من أكبر الأخطار التي تهدد الصومال ومنطقة شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي، رغم المجهود الكبير في مجال مكافحة الإرهاب. كما جاء في التقرير أن تلك الحركة هاجمت عدة فنادق في العاصمة الصومالية في الفترة بين نوفمبر 2015 ويونيو 2016.

وفي إشارة إلى هجوم حركة الشباب على جامعة جاريسا الكينية عام 2015 -والتي قتل فيها 150 طالبًا- أوضح التقرير أن حركة الشباب ما زالت قادرة على تنفيذ هجمات مثل هذا الهجوم بعد أن أعلنت استهدافها البلاد التي ستشارك في قوات حفظ السلام الإفريقية "AMISOM" مثل كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا، وبوروندي، وجيبوتي، وسيراليون، كما انتقد التقرير عجز الحكومة الصومالية عن دفع رواتب الجنود المشاركين في قوات حفظ السلام، وقال إن هذا الأمر من شأنه أن يساعد الحركة على استعادة مناطق كبيرة جنوب ووسط الصومال.

ومن الممكن أن نوجز أسباب عودة هجمات حركة الشباب فيما يلي:

- اعتماد الحركة على التضليل في توجيه الخطاب للشباب الكيني والصومالي بالانضمام للحركة تحت زعم أنها حركة تحارب الكفار وتسعى لنصرة المسلمين والمستضعفين، الأمر الذي حذّر منه مرصد الأزهر كثيراً -ولا يزال- من خلال إطلاق حملات ورسائل توعية للشباب بهدف كشف زيف ادعاءات هذه الحركة وأمثالها.

- انخفاض الروح القتالية لقوات الاتحاد الإفريقي بسب الوضع المادي لجنودها، والذي تسبب في انسحاب أهم قوة عسكرية مشاركة في التحالف ألا وهي القوات الإثيوبية والتي تشارك بأكبر عدد من الجنود.

- عدم تمكن قوات الأمن سواء الصومالية أو الكينية أو حتى قوات الاتحاد الإفريقي لحالة الانقسام التي ضربت الحركة قبل بضعة أشهر في توجيه ضربات مكثفة لها والقضاء عليها.

- الانشغال بالإعداد للانتخابات المقبلة وحالة التوتر على الصعيد السياسي التي تشهدها الصومال حاليًا، واستغلال الحركة لذلك.

- قدرة الحركة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ هجماتها مما يجعل قوات الاتحاد والقوات الصومالية في موقف المدافع دائمًا.

- انتشار عناصر الحركة في العديد من المناطق والمدن.

- انتهاج الحركة أسلوب حرب العصابات في مواجهة قوات الأمن.

 

وخلاصة القول أنّ حركة الشباب تسعى لاستعادة قوتها بعد فترة الضعف التي شهدتها منذ مطلع هذا العام، ولعلّ أهم عنصر من عناصر قوة هذه الحركة – شأنها شأن أي حركة أو جماعة - هو الشباب المنضم إليها، والذي يتم استقطابه تحت شعار رفع راية الإسلام والدفاع عنه، الشباب الذي تجعل منه هذه الحركة وأمثالها وقودًا تحرق به البلاد والعباد، ومن هنا يأتي حرص مرصد الأزهر على ضرورة توعية أولئك الشباب الذي يعد وبحق أول ضحايا هذه الحركات والجماعات، فمنذ أن يدخل الشاب في صفوف تلك الجماعات وهو يهوي بنفسه نحو الهلاك، وقد يكون أحدهم لا يدري، أو لم يجد من يبيّن له الحق من الضلال، أو أنّه تأثر بالخطاب المضلّل الذي عادة ما يستهدف العاطفة الدينية، وها هو المرصد يواصل ما بدأه بفضح هذه الجماعات وكشف ضلالها مخاطبًا الشباب الذي يميل نحو التعاطف مع هذه الحركات، أو تستميله نداءاتها، أو من يجد نفسه في حيرة من أمره أهو على الحق أم على الباطل، لكل هؤلاء يقدّم مرصد الأزهر هذه الرؤية عساها تجد من يعي ومن يعقل فينجو بنفسه وينجو معه أبرياء كثيرون.

وحدة رصد اللغات الإفريقية

طباعة