أوروبا بين الأمل والقلق

  • | السبت, 26 نوفمبر, 2016
أوروبا بين الأمل والقلق

رُغم ما يصبوا إليه الأوروبيون من دحر التنظيم الداعشي والقضاء التام على مقدراته ومقوماته إلا أن القلق يأخذ منهم كل مأخذ حينما  يتعلق الأمر بعودة المقاتلين، الذين يشتركون معهم في العرق والدم، إلى بلادهم. فما يشغل البال الأوروبي ويثير توجسه هو عودة هؤلاء المقاتلين الذين باتوا على أعلى درجة من التدريب. فهل تتوقع أوروبا قيام هؤلاء بتنفيذ عمليات إرهابية على الصعيد الأوروبي فور عودتهم؟ أم أن العائدين من داعش سيعودون منكسين بعد خسائرهم المستمرة ولن يتمكنوا من عودة كَرّاتِهم في بلادهم؟ وهل ترغب أوروبا فعلاً في عودة هؤلاء المقاتلين إلى أراضيها؟ أم أن الأمر أضحى بالفعل مقلقاً؟ وإن كان ذلك كذلك فهل سيقبل النظام السوري أو العراقي ببقائهم على أراضيه؟ أم أن مصيرهم سيصير مجهولاً؟
كل هذا يراه مرصد الأزهر بعينه التحليلية  في إطار عمله على محاربة الفكر المغلوط الذي يشوه صورة الدين الإسلامي الحنيف. فلقد تابع عن كثب ما تحدثت عنه  الصحف الغربية في الآونة الأخيرة من قلق الاتحاد الأوربي وأعضائه  حيال عودة هؤلاء المقاتلين المسلحين، الذين هم على أعلى درجات التدريب إلى بلادهم الأوربية والاستمرار في تنفيذ عمليات إرهابية  هناك.
ويشير المرصد إلى إجماع خبراء الإرهاب على أن نموذج ما أسموه "الذئب المنفرد" أصبح يؤرق السلطات الأوروبية ويدفعها لتشديد المراقبة على المقاتلين العائدين من سوريا والعراق، وهذه المخاوف في محلها لأن "الذئب المنفرد" يتحرك وحده على نحو يصعب رصده أو توقعه خارج إطار أي جماعة منظمة، ومن هنا فإن قيام  "المقاتلين الأجانب" العائدين من سوريا والعراق بأعمال إرهابية فردية يمثل خطراً حقيقيا على القارة الأوروبية، لأن الأجهزة الأمنية غالبًا ما تكتشف بمحض الصدفة المشاريع الإرهابية التي يخطط لها هذا "الذئب المنفرد". فالهجمات التي  ينفذها باتت تشكل خطرًا كبيراً على أوروبا،وقد أثبتت الأحداث الأخيرة في فرنسا وألمانيا أنه "من الصعب رصدها ووقفها"، فعلى سبيل المثال شهدت بلجيكا، في عام 2014م، "أول هجوم إرهابي على يد أحد المقاتلين الأجانب العائدين من سوريا"، حيث هاجم، الفرنسي مهدي نموش، بمفرده المتحف اليهودي في العاصمة البلجيكية بروكسل، وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة من زواره.
ويؤكد المرصد على أن عودة هؤلاء المقاتلين إلى أراضيهم قد أضحت كابوساً يعبث بعقول الجميع، لأن الأمر يتعلق بمصير هؤلاء المقاتلين بعد انتهاء القتال في سوريا، فالدول الغربية يبدوا أنها لا تقبل عودة هؤلاء المقاتلين إلى أراضيها، كما أن النظام السوري لن يقبل بقاء هذه العناصر على أراضيه والتي تمثل له قلق كبير. ومن هنا بات مصير هؤلاء المقاتلين الأجانب مجهولاً.
وقد تابع المرصد محاولة الدول الغربية منع عودة هؤلاء المقاتلين إلى أراضيها، حيث تفرض غالبية دول الاتحاد الأوروبي رقابة صارمة على المطارات لمراقبة المتطرفينالذين قد تربطهم علاقات مع بعض هؤلاء المقاتلين في سوريا، تحسبًا منها لقيام هؤلاء بالترتيب سرًا لعودة المقاتلين، أو قيامهم بارتكاب تفجيرات إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي، فبعض هذه الدول تهدد بأن أي شخص يحاول مغادرة البلاد من أجل القتال يقع تحت طائلة القانون. والبعض الآخر بدأ بالفعل في مناقشة قوانين تنص على سحب الجنسية من أي مواطن يذهب للقتال في سوريا،  ناهيك عن محاكمته بعد عودته ، بعض الدول الغربية تعطي البلديات الحق في شطب أي مواطن من قوائمها وحرمانه من الجنسية.
ويأتي تخوف الأوروبيين من أن الهجمات لا تزال "تكتيكًا مفضلًا لدى تنظيمي داعش والقاعدة". ولكن بالرغم من تبني تنظيم داعش اعتداءات أورلاندو في الولايات المتحدة، ونيس في فرنسا، وفورتسبورغ في ألمانيا،لايبدو أن أيًا منها قد أعد أو لقي الدعم أو نفذ مباشرة من قبل التنظيم،نظراً لاختلاف الخطاب في تبني تلك الهجمات.
وينوه المرصد إلى أنه وبرغم القلق الذي يضرب أوروبا من عودة هؤلاء المقاتلين، الذين يزداد تشددهم في فترة وجيزة، إلا أنه بالفعل قد عاد بدأ كثير منهم منذ أكثر من عام في العودة إلى بلجيكا وألمانيا وأسبانيا وتم التعامل معهم من قِبَلِ أمن البلاد وقضائها وقبع نصفهم خلف القضبان والباقي قيد الملاحقة او المراقبة.
وفي السياق البلجيكي يساور الداخلية هناك قلق كبير ليس فقط من عودة عناصر داعش إلى البلاد فحسب بل أيضا من عودة ما بين 3000 إلى 5000 عنصر إلى مختلف دول أوروبا فيما كانت البيانات السابقة للداخلية البلجيكية قد أشارت إلى أن 650 من المواطنين البلجيكيين والمقيمين قد شاركوا في عمليات عسكرية إلى جانب تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ويرى المسؤولون بأوروبا أن الحلَّ يكمن في تعزيز التعاون وتبادل معلومات بين العديد من الشركاء الأوروبيين وغير الأوروبيين".
ويرى المرصد أن أملُ أوروبا يتمثل في إنهاء هذه الأزمة ولكن قلقها يتمثل في عودة أناس مسلحين مدربين يحملون أفكاراً مشوهة إلى بلادهم.

وحدة الرصد الفرنسية

 

طباعة