هل المرأة أقل شأنا من الرجل في الإسلام ؟

  • | الثلاثاء, 23 فبراير, 2016
هل المرأة أقل شأنا من الرجل في الإسلام ؟

المبادئ العامة:

  1. الإسلام قد أنصف المرأة ورفع من شأنها.
  2. أعطى الإسلام للمرأة الحرية التامة في ممارسة جميع حقوقها.
  3. عزز الإسلام مكانة المرأة في كل من الشأن السياسي والعلمي والفقهي والعسكري.

التفصيل:

يعتبر البعض قضية المساواة بين المرأة والرجل مدخلاً في توجيه اللمز بتشريعات الإسلام للانتقاص منها، بزعم أن الأحكام الخاصة بالمرأة تمثّل ردة حضارية؛ في حين أن صور المساواة المحمودة بين المرأة والرجل، التي يُنادى بها في الداخل والخارج، كتكريم المرأة، والتأكيد على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية...وغيرها، قد سبق الإسلام بمئات السنين ليس بمجرد إعلانها فقط، وإنما بتطبيقها تطبيقاً عملياً تفخر به البشرية.

فالمرأة في ميزان الإسلام كالرجل، فرض الله عليها القيام بالتكاليف الشرعية، كما قال عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

وقد كانت المرأة في المجتمع الجاهلي العربي قبل الإسلام محرومة من كثير من حقوقها، وعرضة للظلم والضيم تؤكل حقوقها وتبتز أموالها، وتحرم الإرث، وتعضل بعد الطلاق - أو وفاة الزوج - من أن تنكح زوجاً ترضاه، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بالمعروف﴾ [البقرة: 232].

وكانت تورث كما يورث المتاع أو الدابة، فقال الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: 19].

وكانت تُمسَك ضراراً للاعتداء والإيذاء، فقال الله تعالى ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 231]. 

وكانت تلاقي من بعلها نشوزاً وإعراضاً، وتترك في بعض الأحيان كالمعلقة، فقال تعالى ﴿فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 129].

كما كان كثير من العرب يتشاءمون بميلاد الأنثى؛ باعتبارها أقل شأنا من الولد، وميلادها يجلب لهم الخجل، وقد سجل الله عز وجل عنهم ذلك في قوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فـِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: 58، 59].

ولم تكن المرأة  في الجاهلية الأوربية أحسن حالا من نظيرتها في الجاهلية العربية فلا زالت المرأة تعاني من التمييز والاضطهاد في المعاملة والحقوق وفي سائر أمور الحياة، وقد حاولت التقنينات الغربية الحديثة أن تتخلص من آثار نظرة العصور القديمة والوسطى للمرأة، إلا أنه لا يزال بها بقايا تأثر بنظرة القانون الروماني للمرأة، وقد كانت المادة الثانية عشرة – مثلاً – من القانون المدني الفرنسي تجعل الزواج سبباً في سلب أهلية الزوجة في التقاضي وفي التصرفات المالية، إلا إذا حصلت على تصريح كتابي من زوجها، ولم تلغ هذه الوصاية إلا بعد إصلاح تشريعي سنة 1938م، وبعض الدول – كبلجيكا – ربطت ذلك بإرادة الزوج، فإن شاء أعطى زوجته صكاً عاماً دائماً، أو لمدة محدودة، بموجبه تملك التصرف في بعض أموالها أو فيها كلها، وللزوج سحب هذا التصريح متى شاء، مما يجعل الزوجة في حكم الصغير الذي يتوقف نفاذ تصرفه على موافقة الولي أو الوصي[1].

و هذه السلبيات وسواها دعت الدول الغربية إلى النص على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع ميادين ومجـالات الحيـاة المختلفة، وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق المساواة وأن الناس سواسية أمام القانون، والمادة الأولى من هذا الإعلان العالمي نصها: (يولد الناس أحرارا متساوون في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء)[2].

 وقد هدم دين الإسلام كل أشكال التمييز ضد المرأة، وقرر أن النساء شقائق الرجال[3]، كما قرر المساواة بينهما في أصل الخلق وفي نسبتهما لأبي البشر آدم عليه السلام، قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[4]، ثم سوَّى القرآن بين الرجل والمرأة في التعاون والتلاقي والتعارف الإنساني العالمي فليس لأحدهما من مقومات الإنسانية أكثر مما للآخر، ولا فضل لأحدهما على الآخر بسبب عنصره الإنساني وخلقه الأول، فالناس جميعاً ينحدرون من أب واحد وأم واحدة، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات:13].

كما قرر القرآن الكريم أن المرأة كالرجل في التكاليف الشرعية إلا ما اختصت به المرأة، ومن حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97] وقال سبحانه ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء:7]، وقال – عز من قائل – ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران:195].

مساواة المرأة للرجل في كل من الشأن السياسي والعلمي والعسكري والاجتماعي .

قد عزز الإسلام مكانة المرأة في كل من الشأن السياسي والعلمي والفقهي والعسكري .

الشأن السياسي :

أدلت المرأة برأيها في الشأن السياسي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل، ومثالا تطبيقيا على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استشار أم سلمة فيما وقع من الصحابة من التأخر في الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ظنا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزم عليهم في هذا الأمر، وتعجلا منهم لفتح مكة فقالت أم سلمة: اخْرُجْ أَنْتَ فَاصْنَعْ ذَلِكَ, فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَمَّمَ هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ وَدَعَا حَلَّاقًا فَحَلَقَهُ , فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبُوا إِلَى هَدْيِهِمْ فَنَحَرُوهُ , وَأَكَبَّ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا.

مصنف ابن أبي شيبة (7/ 389)

وهكذا شاءت إرادة الله عز وجل أن يحفظ المجتمع المسلم بفضل مشورة أم المؤمنين في هذه القضية، ولقد نزلت آيات القرآن الكريم تؤكد صواب وعد الله لنبيه وتبشر بقرب النصر وفتح مكة قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]

الشأن العلمي والفقهي :

لقد اتصفت المرأة المسلمة بجملة من الصفات، أهلتها لتشارك بفاعلية في الحياة العامة، فقد كان لها من القدرة العقلية وفصاحة اللسان وحسن الفهم والبيان  ما جعلها موضع اهتمام الشرع الحنيف فأمر بتعليمها ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها .....   فله أجران" صحيح البخاري (7/ 6) وامتثالا لهذا الحديث النبوي فيجب على المجتمع المسلم أن يهيئ للمرأة سبل تلقي العلم؛ سواء أكان العلم في المسجد كما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في المدارس والجامعات كما هو في وقتنا الحالي.

ولقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها فقيهة محدثة تنظم الشعر أيضاً, ويروي الشعبي فيقول: (قيل لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين هذا القرآن تلقيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الحلال والحرام. وهذا الشعر والنسب والأخبار سمعتها عن أبيك وغيره فما بال الطب؟ قالت: كانت الوفود تأتي رسول صلى الله عليه وسلم فلا يزال الرجل يشكو علته فيسأل عن دوائها فيخبره بذلك فحفظت ما كان يصفه وفهمته). سير أعلام النبلاء 2/197.

وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. سنن الترمذي(5/ 705)

وهذه أم الدرداء الصغرى "هجينة بنت يحيى الوصابية" كانت عالمة فقيهة يجلس إليها الرجال فيقرءون عليها، وكان عبد الملك بن مروان يستمع إليها. البداية والنهاية 9/47.

وهذه فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي الحنفي صاحب كتاب "تحفة الفقهاء" حفظت التحفة فكانت فقيهة, طلبها كثير من الرجال فلم يزوجها والدها, وعندما صنف أبو بكر الكاساني كتابه "بدائع الصنائع" وهو شرح التحفة عرضه على شيخه - أبوها - ففرح به كثيراً وزوجه ابنته، وكانت الفتوى تأتي فتخرج وعليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت صاحب البدائع كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها].

 بغية الطلب فى تاريخ حلب (10/ 4348)

الشأن العسكري :

لقد كانت المرأة المسلمة تتمتع بحس وطني عال، فهي تدرك قيمة الدفاع عن الوطن، وعند الإحساس بالخطر كانت تنهض بالأعباء التي تناسب طبيعتها فلقد وجدناها في ساحات المعارك قد أسندت إليها المهام التي تناسب طبيعتها كالأعمال الطبية والإمداد والتموين، وهذا معروف الآن بسلاح الخدمات الطبية، فعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام) رواه مسلم.

وكانت رفيدة الأنصارية تخرج للمعركة لتداوي الجرحى وتسقي العطشى فكان لها خيمة تداوي فيها الجرحى وتحتسب ذلك عند ربها, وعندما أصيب سعد بن معاذ في معركة الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب).

( سيرة ابن هشام (2/ 239)

بل كانت تشارك بنفسها إن اضطرت إلى القتال لما علمت من نصوص الشرع التي تحث على صد العدوان وتنوه بشرف الدفاع عن الأوطان، فهذه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الخندق قالت: (أنا أول امرأة قتلت رجلاً فقد مر بنا يهودي يطوف بالحصن فقلت: هذا لا آمنه على أن يدل على عوراتنا، فاحتجزت - شدت وسطها - وأخذت عموداً ونزلت فضربته حتى قتلته).

سيرة ابن هشام 3/228 .

الشأن الاجتماعي :

      لقد كفل الإسلام للمرأة حق العمل، فأباح للمرأة أن تضطلع بالوظائف والأعمال المشروعة التي تحسن أداءها ولا تتنافى مع طبيعتها، ولم يقيد هذا الحق إلا بما يحفظ للمرأة كرامتها، وينأى بها عن كل ما يتنافى مع الخلق الكريم، فاشترط أن تؤدي عملها في وقار وحشمة، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة، وألا يكون من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو خلقي أو يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى نحو زوجها وأولادها وبيتها أو يكلفها ما لا طاقة لها به وألا تخرج في زينتها، وأن تستر أعضاء جسمها، ولا تختلط بالرجال في المحافل التي تؤدي إلى إلحاق الأذى بها.

ولقد شهد المنصفون من مفكري الغرب بهذه الحقيقة، يقول مارسيل بوازار:

 (.. كانت المرأة تتمتع بالاحترام والحرية في ظل الخلافة الأموية بأسبانيا, فقد كانت يومئذ تشارك مشاركة تامة في الحياة الاجتماعية والثقافية, وكان الرجل يتودد لـ(السيدة)للفوز بالحظوة لديها ..إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا عبر أسبانيا احترام المرأة...)

ويضيف آخر: إن الإسلام يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة (شبه متساوية) وتهدف الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحماية، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتماما شديدا بضمانها. فالقرآن والسنة يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف, وقد أدخلا مفهوما أشد خلقية عن الزواج, وسعيا أخيرا إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عددا من الطموحات القانونية. أمام القانون و الملكية الخاصة الشخصية, والإرث ))[5]

 

 

 

[1] قوانين الأسرة - المستشار/ سالم البهنساوي ص25.

[2] حقوق الإنسان – أ/محمود بسيوني وآخرون-ج1 ص18 ، حقوق الإنسان- د/ محمد الزحيلي ص392.

[3] سنن أبي داود (1/ 61)

[4] [النساء: 1] .

[5] إنسانية الإسلام , ص 108 .

طباعة
كلمات دالة: