تنظيم «داعش» بين الأزمات المالية والهجمات العسكرية

  • | الخميس, 8 ديسمبر, 2016
تنظيم «داعش» بين الأزمات المالية والهجمات العسكرية

انتشرت في الآونة الأخيرة معلومات حول الأزمات التي تعرض لها تنظيم داعش الإرهابي، منها الأزمات المالية، التي ربما تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، فتلك الأزمات قادت التنظيم إلى تقليص رواتب المقاتلين إلى 50%، فضلاً عن إلغاء كافّة المنح والتحفيزات بشكل عام، بل إلى تقاسم الطعام نفسه؛ الأمر الذي أدّى إلى فرض الغرامات والإتاوات على الناس لسد العجز القائم، بعد أن كان يعاقبهم التنظيم بالجلد والسَجْن إذا خالفوا شرع الله. والسؤال هنا: هل يبتغي التنظيم أن يطبق الشعبُ شرع الله، أم يسعى لجمع كثير من الأموال لسد العجز في ميزانيته؟

استنتج البعض أن التنظيم، الذي اعتمد في تمويله على مصادر عديدة، بدأ ينهار بالفعل، وذلك بسبب الهجمات التي شنّها ويشنها التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش» على مواقع النفط، وانتكس التنظيم اقتصاديًا، لأنه كان يعتمد عليه في المقام الأول.

الأزمة المالية تؤدي بدورها إلى أزمة عسكرية، فالتنظيم بدأ يهتز على أرض المعركة، وبدأ بخسارة مساحات عريضة من الأراضي التي سيطر عليها، والتي قدّرها البعض بأنها تساوي مساحة المملكة المُتّحدة. الأمر الذي فطنت له الحكومة العراقية، وقامت بدورها بمنع دفع رواتب المواطنين، الذين يسكنون داخل مناطق تابعة التنظيم، وهذه الخطوة كانت بمثابة صفعة جديدة للتنظيم، لأنه اضطر بموجب الأزمة المالية لفرض إتاوات على رواتب المواطنين، وتراوحت الإتاوة بين 20% إلى 50% أحيانًا.

وقد تنبأت الكثير من الأنظمة بانهيار «داعش» بفضل هذه الصفعات المتتالية للتنظيم، الأمر الذي دفع البعض للتفكير فيما سيحدث بعد سقوط التنظيم، فقد بات انهياره وشيكًا بعد المعارك الضارية، التي يشنها التحالف والقوات العراقية بكافة أطيافها، وخصوصًا معركة الموصل، أكبر معاقل تنظيم داعش في العراق.

ويبقى السؤال؛ هل سيتم هزيمة الإرهاب في المنطقة بهزيمة تنظيم «داعش»؟ هل سيتم القضاء على الأفكار المتطرفة بالقضاء على «داعش»؟

ربما كانت الإجابة بالنفي، ذلك أن نهاية تنظيم «داعش» قد يكون بداية لظُهُور جماعات مُتطرفة أخرى، لأن الأسس التي قام عليها التنظيم، متخفيًا تحت ستار الدين، لن يتم اقتلاع جذورها بين عشيّة وضُحاها. فإذا أراد العالم هزيمة التطرف والإرهاب، فلابد أولاً من القضاء على ينابيع التطرف، فداعش وأخواتها ما هم إلا نَتَاج أفكار مُتطرفة. فكما تكاتفت القوى العُظمى وصُنّاع القرار مع بعضهم البعض لمحاربة التنظيم عسكريًا، لابد من أن يتكاتفوا أيضًا لمحاربة الفكر بالفكر. وكما نجحت القوات العسكرية في القضاء على داعش في قطاع عريض من الأراضي التي سيطرت عليها، فستنجح المؤسسات والهيئات الفكرية في مقاومة الفكر نفسه، حتى لا نعاني بعد ذلك من وجود تلك الأفكار، التي تولِّد جماعات متطرفة مسلحة تقتل وتتسبب في هروب المواطنين من بلدانهم. ونستشهد هنا بكلام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الذي أكّد في أكثر من محفل دولي أن القضاء على التطرف لن يأتي إلا بتعاون جميع المؤسسات الدينية منها والإعلامية والسياسية وقيام جميع المؤسسات بواجباتها المنوطة بها، ونضيف إلى هذا الرأي وجهة نظر السيد «بريماس ويلبي»، رئيس أساقفة كانتربيري في المعهد الكاثوليكي بباريس، حيث أشار إلى أنه يتعين على القادة الدينيين في كل الأديان أن يتصدوا للأعمال الإجرامية للمتطرفين الذين ينتمون لدياناتهم، كما حذّر من أن النظر إلى التصدي للعنف الديني باعتباره مجرد قضية أمنية هو أمر محكوم عليه بالفشل، مضيفًا أنه لا بد من التعرف على الدوافع الحقيقية للإرهابيين ولانتشار الرعب من أجل مواجهة ذلك بشكل فعال.

لابد من السعي قُدمًا لوضع مناهج مُعاصرة، لا تمس ثوابت الإسلام ولا هوية المسلمين ولا نترك شباب الأمّة عرضة لفهم شيء مطموس بصورة مغلوطة مشوّهة، ومن ثمّ نرجع أدراجنا وكأننا ندور في حلقة مفرغة. ونُشير أخيرًا إلى ما أكّدته وكالة (اسوشيتد برس) أن مُعظم المُنضمين لتنظيم «داعش» ليس لديهم سوى معرفة سطحية عن الدين الإسلامي، الأمر الذي بات جليًا في تناول التنظيم لبعض المسائل الدينية داخل ما يسمى بأرض الخِلافة.

وحدة رصد اللغة الألمانية

طباعة