القتل على الهوية

  • | الثلاثاء, 23 فبراير, 2016
القتل على الهوية

المبادئ العامة :

  1. القتل على الهوية : هو استباحة دم المخالف في الطائفة أو العرق أو الدين كما يجري لقبائل الروهينجا من اضطهاد على أيدي البوذيين .
  2. أن الإسلام دين البناء لا الهدم ، ودين التعايش لا التناحر ، ودين التكامل لا دين التقاطع .
  3. أن الإسلام قد كرّم الإنسان ، وحرّم الاعتداء عليه بكل أشكال الاعتداء باعتباره بنيان الله ملعون من هدمه .

التفصيل :

الشريعة الاسلامية تُجرِّم القتل على الهوية وفقا لنصوص القرآن والسنة على النحو الآتي :

أولا : لقد جاء الإسلام بتعظيم قيمة الحياة ، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين مختلف الطوائف ، وبيَّن القرآن الكريم أن الاعتداء على الجسد الإنساني بغير حق هو اعتداء على البشرية كلها ، قال تعالى  {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] فهذه الآية الكريمة أعلنت أن الله عز وجل يحب البقاء ويبغض الهدم والفناء .

ثانيا : المسلم مأمور في كل الأحوال بضبط سلوكه وفقا لمبدأ السلامة للكافة فلا يسمح بالمسارعة نحو القتل أو العدوان لأن في ذلك فتح الباب للشيطان قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [البقرة: 208] ، وقال عز وجل {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]

 

إنه أمر لعامة المسلمين أن يدخلوا في السلم العام وألا يبادروا بالعدوان .

 وتأمل النص القرآني ؛ فإنه لم يأمر المسلمين أن يتحلّوا فقط بالسلم ، بل أمرهم بالدخول فيه حتى تكون السلامة شاملة لكل ما يصدر عنهم سواء في اللفظ أو الفعل أو في كل شئ .

ثالثا : كان القتل على الهوية قديما يعكس النظرة العصبية المستعلية والتي كانت متغلغة في دماء وعروق العرب في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أحق الحق وأبطل الباطل ، وقرر أنه لا نصرة لظالم بمشاركته في الظلم لأن الأصل في الشريعة الاسلامية أنه لا تزر وازرة  وزر أخرى ، وعليه فلا يجوز لآحاد الناس أو جماعاتهم  اضطهاد الآخرين بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو العرق أو إي سبب كان  على النحو الذي يحدث في بعض بلدان العالم كبورما وغيرها  سواء فيما يتعلق بالمسلمين أو غير المسلمين ؛ لخروج ذلك عن أصول الإسلام ، روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين، رجلا من الأنصار ــ أي ضربه على مؤخرته ــ ، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى الجاهلية» قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: «دعوها فإنها منتنة» صحيح البخاري (6/ 154)

فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم العقاب على الهوية بأنها خصلة منتنة وهي عبارة تدعو للتنفير من هذا الأمر .

رابعا : أمر الإسلام بضبط النفس عند المجازاة ، وقرر أن رد العدوان ينبغي أن يكون خاصا بالمعتدين فقط قال تعالى {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } [البقرة: 193] ،

وينبغي أن يكون بالمثل قال تعالى  {مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194]والمعنى : افعلوا بهم مثل الّذي فعلوا بكم مثلا بمثل ، وسواء بسواء فلا تشفِّي ولا تمثيل .

خامسا : القتل على الهوية إنما هو نتيجة للتدخل في النوايا وأخذ الناس بالظن ، وقد ربط الله عز وجل بين الآفتين في آية واحدة ، قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً} [النساء: 94]

وسبب نزول هذه الآية : أن رجلا يقال له مرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ أَسْلَمَ وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ قَوْمِهِ غَيْرُهُ، فَذَهَبَتْ سَرِيَّةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ ، فَهَرَبَ الْقَوْمُ وَبَقِيَ مِرْدَاسٌ لِثِقَتِهِ بِإِسْلَامِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْخَيْلَ وَكَبَّرُوا كَبَّرَ وَنَزَلَ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَاقَ غَنَمَهُ، فَأَخْبَرُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجِدَ وَجْدًا شَدِيدًا وَقَالَ: قَتَلْتُمُوهُ إِرَادَةَ مَا مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ عَلَى أُسَامَةَ، فَقَالَ أُسَامَةُ يَا رَسُولَ اللَّه اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: فَكَيْفَ وَقَدْ تَلَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه! قَالَ أُسَامَةُ فَمَا زَالَ يُعِيدُهَا حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِي وَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً. تفسير الرازي (11/ 189)

وقد قررت هذه الآية العظيمة جملة من أمهات الأحكام ومنها :

  1. حرمة القتل على الهوية : فهذه الآية تقرر حرمة الاعتداء على الآخرين بغير مسوغ ، قال ابن جرير الطبري : أي  فتأنَّوا في قتل مَنْ أَشكَلَ عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره،  ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تُقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقينًا حرْبًا لكم ولله ولرسوله . تفسير الطبري (9/ 70)
  2. حرمة التدخل في النوايا : لأن النوايا لا يطلع عليها إلا الله قال تعالى {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] فدل هذا على أنه لا يطلع على الضمائر إلا الذي يعلم السر وأخفى ، أما البشر فعليهم أن يقبلوا الظواهر ويكلوا السرائر إلى من لا تخفى عليه خافية ، وقد اشتد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من فتش عن النية ففي صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» قلت: كان متعوذا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم . صحيح البخاري (5/ 144) .

 

سادسا  : إن الإسلام يتشوف لصيانة الدماء لا إلى إهدارها ، وإلى ازدهار المجتمعات لا إلى انهيارها ، وفي لمحة إنسانية عظيمة سطرها التاريخ بأحرف من نور بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة الذين أخرجوه من بلده التي هي أحب البلاد إليه ، وعذبوا أصحابه ، واستلبوا أموالهم يقف النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة في ترقب ما يفعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال : ما تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ " قَالُوا: خَيْرًا , أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ ". السنن الكبرى للبيهقي (9/ 200) .

فهذه الواقعة وأمثالها إنما تبين أن الإسلام لا يترصَّد لأحد لقتله لمجرد المخالفة في الدين ، فأهل مكة آنذاك كانوا ما زالوا على الشرك / ومع ذلك أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم سراحهم.

وبهذا يعلم أن عمليات التفجير الإرهابية ، وقصف المنازل ، وبث الرعب بالعدوان على الآمنين المطمئنين في داخل بلاد المسلمين وخارجها انتقاما لطائفية أو لخلاف في الدين ما هو إلا نوع من الفساد في الأرض عن طريق ينتج عنه الفناء رغم أن الله عز وجل أعلن حب البقاء فقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [المائدة: 32]

ثم رتب الله عز وجل للمفسدين في الأرض على أي وجه كان عقوبة أعلن عنها في القرآن الكريم فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

 

طباعة
كلمات دالة: