داعش تخسر حربها الإلكترونية

  • | الإثنين, 26 ديسمبر, 2016
داعش تخسر حربها الإلكترونية

لوسائل الإعلام دورٌ كبيرٌ في خدمة مصالح الجماعات الإرهابية التي انتشر إرهابها بين ليلة وضحاها كالنار في الهشيم، فلولا وجودها لما تمكنت تلك الجماعات الإرهابية من اختراق المجتمعات الشبابية على مستوى العالم، ونشر أفكارهم المسمومة في عقول الشباب من الجنسين. تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في تنمية وتغذية تلك الأفكار وتوجيهها مسارات محددة، لدرجة أن عددًا من الخبراء والمراقبون أجمعوا على أن سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية واستقطابه لعشرات الآلاف من المقاتلين يعود لاستخدامه آلة إعلامية ضخمة، يحشد من خلاله أنصاره، ويواجه بها خصومه؛ لهذا كان الطريق الوحيد أمام المجتمع الدولي، والمنظمات المدنية، والمؤسسات والهيئات الدينية والعسكرية والسياسية هو تبني خطة إعلامية مناهضة لهذا التنظيم، وعلى مستوى عالي تمكنهم من تحصين الشباب والفتيات من الأفكار الضالة والشاذة لهذا التنظيم.

          بالنظر إلى ما يُعرف بالقرصنة الإلكترونية فسنجد أنها سلاح ذو حدين، فرغم أنها فعلٌ مذموم، إلا أن استخدامها في بعض الحالات والأوضاع يكون ضروريًا ومهمًا من أجل التأمين، بمعنى آخر "القرصنة الإلكترونية"تعتمد على المستخدم والهدف من استخدامه إياها.

نعيش الآن في وقت صار العالم  فيه منفتحًا على بعضه البعض، وصار بإمكان كل شخص مشاركة أفكاره ومشاعره ومقترحاته وفعالياته حول العالم بكل سهولة ويسر عبر تكنولوجيا الهواتف الذكية والتطبيقات الحديثة. ففي دراسة أجراها الكاتب الأمريكي "رالف هانسون" لمعرفة  أكثر الوسائل الحديثة تأثيرًا على الأفراد والمجتمع، تبين أنه الإعلام، فهو يؤثر على الفرد في تغيير سلوكه وموقفه ومعتقده.هنا تأتي "خطورة" القرصنة الإلكترونية و"أهميتها" في نفس الوقت، فلو تم استخدامها من أجل محاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا صارت الغاية نبيلة.

لاحظ باحثون عسكريون أمريكيون مؤخرًا انخفاض نسبة المنشورات الخاصة بداعش، وهو ما اعتبروه مؤشرًا على قرب نهاية هذا التنظيم الوحشي. كما أشارت دراسة جديدة نُشرت من قبل مركز"مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية"في"ويستبوينت"، واعتمدت على تحليل حجم وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها هذا التنظيم، وكذلك حجم المنشورات الإعلامية التي ينشرها قيادات هذا التنظيم، إلى نفس النتيجة، وهي انخفاض إنتاج هذا التنظيم بشكلٍ ملحوظ في الآونة الأخيرة.ووفقًا لهذه الدراسة لوحظ أن داعش قد قام بنشر أكثر من 700 منشور يحتوى على صور وفيديوهات خلال شهر أغسطس من عام 2015، ولكن بحلول شهر أغسطس عام 2016 انخفض هذا العدد إلى 200 فقط .

Image

رسم بياني "للأشخاص الذين لا يحبون الدعاية الإعلامية للتنظيم الإرهابي"

استند هذا التنظيم الإرهابي في البداية على عنصر "التوحش" في نشر رسالته الإعلامية، عن طريق إصدار مقاطع قتل غاية في البشاعة ومحاولة تصديرها للعالم عبر مواقعه الإلكترونية، الأمر الذي جعل لهذه الدعاية الإعلامية دور كبير في صعود نجمه باعتباره أخطر تنظيم إرهابي دولي. كما اعتمد على الميديا المقروءة من خلال نشره للعديد من الصور باللغة الإنجليزية عبر مجلته الإلكترونية "دابق"، والتي حاول عبرها تصدير رسالة للعالم مفادها أن مقاتليه أقوياء مفتولي العضلات، لا يمكن قهرهم، فهم أشبه بالشخصيات الأسطورية التي لا تُقهر.استخدم التنظيم كذلك موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" كأداة أساسية لنشر دعايته، واستقطاب العديد من الشباب من مختلف أنحاء العالم، وساهمت الصور  التي كانت تُنشر عليه، والمأخوذة من الحياة على أرض داعش، وسيلة مؤقتة في جذب مزيد من الأتباع، فمن خلالها رغب هذا التنظيم الوحشي في تصدير صورة مغلوطة تزعم بأن الحياة في دولته أشبه بالحياة المثالية الرائعة المليئة بالانتصارات. 

رغم كل ما سبق، ورغم ما حققه هذا التنظيم من إنجازات – إن جاز التعبير – إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فمنذ مطلع العام الحالي، والتنظيم يخسر عددًا كبيرًا من المدن التي كانت تحت سيطرته، وتتزامن هذه الخسارة مع عمليات القرصنة الإلكترونية التي شنتها ضده العديد من المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو ما انعكس بشكل واضح على نشاطه الإعلامي الذي كان يرافق تحركاته العسكرية والأمنية.فحسب دراسة مركز"مكافحة الإرهاب" فقد شهد داعش العديد من اللطمات القوية والمتتالية، منها مكافحة إدارة تويتر للحسابات التي تخص أعضاء التنظيم، مما دفع التنظيم للجوء إلى استخدام تطبيقات أخرى أكثر تشفيرًا وعلى رأسها تطبيق التليجرام. غير أن التنظيم قد تلقى ضربة أخرى قوية عندما قام تطبيق التليجرام أيضًا بحظر العديد من القنوات والحسابات التابعة له، ونشر القائمون على التطبيق تغريدة يُعلنون فيها قيامهم بحظر 78 محطة تنتمي لداعش، ناطقة بحوالي 12 لغة.

 

لا يمكننا إنكار أن داعش ما زال قادرًا على إنتاج وصناعة إصدارات مرئية ومقروءة، ونشرها بسهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، و"فيسبوك"، و"تويتر"، خاصة وأنه يصعب منع المتطرفين كليًا من ممارسة نشاطهم الإعلامي؛ بسبب الثغرات الفنية والقانونية في الشبكة العنكبوتية، والتي يستغلها محترفون ينتمون إلى "داعش"، لكن رغم ذلك خسر التنظيم عنصر الانتشار الواسع لإصداراته بسبب حذفها بعد ساعات من نشرها، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إصابة ترسانته الإعلامية بالوهن، ويظهر هذا جليًا في  إعادة التنظيم إنتاج مقاطع فيديو قديمة، ومحاولته الترويج لها باعتبارها مشاهد لأحداث جديدة، تم كشفها سريعا من قبل متصفحي الإنترنت.

في النهاية لابد أن يكون هناك فريقٌ كبيرٌ من المتخصصين يعملون ليل نهار على رصد ومتابعة المواقع التي تبث أفكارًا تكفيرية ومتطرفة، ثم التواصل مع الجهات المسئولة لحجب هذه المواقع؛من أجل حماية الشباب من الوقوع في براثن التطرف، وكذلك التركيز على نشر رسائل مضادة على المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي تبين زيف وشذوذ الرسائل التي يروج لها داعش.

إعداد وحدة رصد اللغة الأردية

 

طباعة