صرخة تحذير.. أنقذوا المستقبل، أنقذوا الأطفال

  • | الخميس, 29 ديسمبر, 2016
صرخة تحذير.. أنقذوا المستقبل، أنقذوا الأطفال

من المسلَّم به عند الجميع في الشرق والغرب أن الأطفال يمثلون مستقبل أي أمة، فالاهتمام بالأطفال وتكوينهم العلمي والفكري هو خطة إستراتيجية لضمان النجاح في المستقبل، ولا شك أن الإسلام قد أوصى بالعناية بالأطفال واهتم بهم اهتمامًا كبيرًا، فقد اهتمَّ الإسلام بالطفل حتى قبل ولادته وفي مرحلة الرضاعة، ووضع أسسا وأصولا لتربية وتقويم الطفل، وقد أبدع العلماء المسلمون في كتابة الكتب والمقالات حول تربية الطفل، فيقول الإمام الغزالي رحمه الله "اعلم أن الطريق إلى تربية الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عُود الشر وأُهمل إهمال البهائم، شقي وهلك" فنفس الطفل الطيبة النقية يمكن أن يتم تزكيتها وتعليمها وتوجيهها نحو مستقبل أفضل، وهو ليس مستقبل الطفل وحده، بل هو مستقبل الأمم بكاملها، وذلك لأن الأمم إنما تتكون من أفرادها، كما يمكن توجيه هذا الطفل في اتجاه خاطئ وبذلك تشقى الأمم.
ويهتم مرصد الأزهر بمتابعة الأخبار المتعلقة ببراعم المستقبل والكشف عن كل ما يهددهم أو يشكل خطر عليهم،  فمن الواضح أن التنظيمات الإرهابية قد فطنت إلى أهمية الأطفال وتسعى إلى استقطابهم وتجنيدهم، وبهذا تغتال براءتهم أطفالاً وتحطم مستقبلهم كبارًا، إذ تجعل منهم إرهابيين خطرين، تسعى المجتمعات إلى محاربتهم والقضاء عليهم.
حيث يطالعنا مرصد الأزهر أن هناك طفلا في الثانية عشرة من عمره حاول القيام بعملية إرهابية في أحد أسواق عيد الميلاد في إحدى المدن الألمانية، فقد قام الطفل بصناعة قنبلة من المواد المتفجرة والمسامير ووضعها في السوق، ولكن يشاء القدر ألا تنفجر القنبلة، ربما لوجود خطأ بها أو أن هذا الطفل لم يحسن صناعتها، وقد كان هذا الصبي يتواصل مع تنظيم داعش الإرهابي من خلال تطبيق الرسائل "تليجرام".
 كما يخبرنا مرصد الأزهر من خلال متابعته للأخبار في أوروبا أن بلجيكا أودعت عشرة أطفال في دور الرعاية؛ وذلك لأنه ثبت تورطهم بالانتماء إلى جماعات إرهابية، وأنه تم تجنيدهم من خلال الإنترنت ومحاولة استغلالهم لتنفيذ عمليات إرهابية في بلجيكا.
الواضح أن الأمر خطير جدًا، فهذه التنظيمات تستخدم الإنترنت في تجنيد هؤلاء الأطفال الأبرياء واستقطابهم نحو الهاوية، ومن ضمن الوسائل التي تستخدمها هذه التنظيمات تطبيقات ألعاب الأطفال على الهواتف المحمولة، فهناك تطبيق لتعليم الحروف على متجر التطبيقات، وهذا التطبيق عبارة عن لعبة وهي تهدف إلى تجنيد الأطفال، ومن خلال هذه اللعبة يتم ترسيخ الأفكار المتطرفة في نفس الطفل، فيتم تعليمه الحروف وكلما تعلم أكثر يحصل على نقاط أكثر، ثم يتم استخدام هذه النقاط للهجوم على أهداف موجودة داخل اللعبة، وفي هذه اللعبة يتعلم الطفل كيفية استخدام الأسلحة، كما حرص التنظيم على إدخال الطائرات التجارية بجانب الأسلحة التقليدية ليضعها الأطفال في اعتبارهم في استخدامها لتنفيذ هجوم بها.
وفي داخل اللعبة توجد صور لأهداف حية مثل تمثال الحرية في نيويورك وبرج إيفيل في باريس.
شيء خطير جدًا، ويثير في النفس الحزن والغضب في نفس الوقت، ففي نفس الطفل البريئة الخالية من أي نقش والقابلة للتشكيل بأي شكل يتم ربط الحروف بالأسلحة المدمرة، فيتعلم أن حرف الباء هو الحرف الأول في كلمة "بندقية" وأن حرف الصاد هو الحرف الأول في كلمة "صاروخ" ثم يحصل على نقاط يأخذها ليدمر بها أحد الأماكن الحيوية في اللعبة الموجودة على هاتفه.
فبدلا من أن يتعلم الطفل البناء والتسامح يتم توجيهه للهدم والعنصرية والكراهية، وهي أمور لا تتفق مع تعاليم الإسلام على الإطلاق، لكن مثل هذه التنظيمات تفسر كل شيء كما يحلو لها وكما يخدم أهدافها.
في الحقيقة - كما يصرح مرصد الأزهر - تم الوصول إلى كثير من الأطفال الذين تم تجنيدهم، وهم الآن في مرحلة إعادة التأهيل ليصبحوا أطفالاً أسوياء مرة أخرى، وربما توجد أعداد أكبر من الأطفال الذين تم تجنيدهم ولم يتم معرفتهم بعد، هؤلاء تم اغتيال براءتهم فلم يستمتعوا بطفولتهم أو يلعبوا كما يلعب أقرانهم، بل يتم إعدادهم لأمور لا يعلم خطورتها إلا الله، هؤلاء الأطفال سيصبحون في المستقبل القريب رجالاً يتبنون هذه الأفكار ويدعمونها وينشرونها عن قناعة وإيمان، وربما لا نعلم إلى أي حد سوف تتطور هذه الأفكار عندما يكبرون ويكونون في مجتمعات غير مسلمة، وكيف ستصبح صورة الإسلام عندئذ، في الحقيقة هناك صورة لأطفال آخرين لم يتم استقطابهم أو تجنيدهم، ولكنها لا تقل خطورة عن صورة هؤلاء الأطفال، أقصد هنا هؤلاء الذين عاصروا الحرب وشاهدوا صور القتل والدماء، وفقدوا أسرهم، وعاشوا تحت قصف الطائرات، فقد ترسخت كل هذه الصور في عقولهم وقلوبهم وهم في حاجة ماسة إلى اهتمام لا يقل عن الاهتمام بالآخرين الذين تم استقطابهم بالفعل؛ لأنهم يمثلون بيئة خصبة للاستقطاب.

لابد هنا أن نعلنها صرخة تحذير إلى جميع من يهمه الأمر في جميع أنحاء العالم للاهتمام بهذه القضية الخطيرة على المستوى التربوي والاجتماعي والتعليمي والتقني، فإذا كانت بعض الحكومات تحجب المحتويات الإباحية التي تستغل الأطفال، فعليها القيام بدور فعَّال حيال هذه الأمور، إذ إن خطرها كبير فهي تغتال براءة الأطفال وتشوه صورة دين يدعو إلى السلم، ويعتنقه ما يزيد على المليار نسمة، ومن المفترض أن نعتبره جميعًا تهديدًا لمستقبل العالم بأكمله.

وحدة الرصد الألمانية

 

طباعة