مرصد الأزهر يكشف الوجه الخبيث لجماعات العنف باسم الدين في إفريقيا الوسطى.. ويؤكد: لا تمت للإسلام ولا المسيحية بصلة، بل تسعى لتحقيق مكاسب سياسية

  • | الأربعاء, 4 يناير, 2017
مرصد الأزهر يكشف الوجه الخبيث لجماعات العنف باسم الدين في إفريقيا الوسطى.. ويؤكد: لا تمت للإسلام ولا المسيحية بصلة، بل تسعى لتحقيق مكاسب سياسية

ارتبط ذكر إفريقيا الوسطى خلال العامين الماضيين بالحديث عن أحداث عنف ومواجهات دامية بين جماعات تتنازع السيطرة على الحياة السياسية بالبلاد، لاسيما بعد الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي، وغالبًا ما يرتبط ذكر هذا البلد الإفريقي في وسائل الإعلام بعرض أرقام وإحصائيات لأعداد القتلى والمصابين الذين سقطوا خلال أعمال العنف المنتشرة، فضلاً عن المشردين الذين فقدوا منازلهم ولاذوا بالفرار بحثًا عن النجاة بأرواحهم من جحيم الجماعات المتناحرة.

وقد سجّلت نهاية عام 2015 وكذلك عام 2016م ارتفاعًا كبيرًا لوتيرة التوترات بالبلاد؛ مما جعل أمنها واستقرارها الحلم الذي طالما راود مواطنيها، يتحوّل إلى كوابيس مخيفة ملطخة بدماء الضحايا وصور الدمار والفوضى؛ تلك الفوضى التي تسعى جماعات لا تعبأ بوطن ولا مواطنين لبثها والعمل على استمرارها وإشعالها في كل أرجاء البلاد. ومع كل قطرة دم تسيل وكل منزل أو مسجد أو كنيسة تدمر، ومع كل طريق يقطع أو مواطن يحاصر أو يعذّب أياً كانت ديانته وأياً كان توجهه السياسي ترجع إفريقيا الوسطى خطوة للوراء، وتذهب كافة جهود احتواء الأزمة وإقرار مصالحة وطنية أدراج الرياح.

ولعلّ سائلاً يسأل: كيف لصراع سياسي يتحول ليصبح صراعًا طائفيًا بهذه الطريقة؟ نقول إن أي صراع عادة ما ينشأ بين طرفين بينهما خلاف حول أمر ما، ذلك الخلاف إن لم يتداركه الطرفان، حرصًا على المصلحة العامة، تتسع بؤرة الخلاف ويتحول إلى نزاع أو صراع، ومع وجود عناصر محفزة تعمل على إذكاء الصراع وإشعال الفتنة، تصل الأمور إلى حد الاقتتال دون أن يسمح الطرفان لأنفسهما بالجلوس على مائدة التفاوض، وبحث سبل التوصل لمصالحة وطنية، تعمل على حقن الدماء والعودة للاستقرار.

وفي نموذج إفريقيا الوسطى كان من السّهل أن يتحوّل الصراع من سياسي لطائفي نظرًا للطبيعة السكانية بالبلاد التي يدين ما يقرب من 50 % من سكانها بالمسيحية، بينما تصل نسبة المسلمين نحو 15 %، وبالنظر لجذور النزاع نجدها نشأت في أعقاب الإطاحة بالرئيس المسيحي فرانسوا بوزيز على يد متمردي سيليكا المسلمين؛ مما أثار حفيظة بعض المسيحيين، وقاموا بتكوين مليشيات أنتي بالاكا التي سامت المسلمين سوء العذاب، وأذاقتهم شتى ألوان التعذيب والتنكيل، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، فصار انتقامهم لعزل بوزيز حربًا طائفية وإبادة للمسلمين وتهجيرًا لهم وحرقًا لمنازلهم ودور عبادتهم ومحاصرتهم في مناطق محددة.   

أنتي بالاكا: العنف الديني في نسخته المسيحية

 يرجع تاريخ تأسيس هذه المليشيات إلى عام 1990 كقوات للدفاع الذاتي، وفي مارس 2013 وبعد الإطاحة بالرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزيه، بعد الصراع الذي اشتعل لعدة أعوام بإفريقيا الوسطى، وبعد تشكيل تحالف يضم المتمردين ضد الرئيس المعزول، وكان أغلبهم من المسلمين المعروفين باسم سيليكا Seleka؛ مما أدى إلى بلوغ زعيم هذه الجماعة ميشيل جوتوديا السلطة فأصبح أول رئيس مسلم للبلاد.

Image

وقد تسببت مليشيات Anti Balaka في دخول البلاد حلقة مفرغة من العنف الذي أودى بحياة آلاف المدنيين، خاصة بعد احتدام الصراع بين هذه المليشيات، وفي نوفمبر 2013 أبدت الأمم المتحدة قلقها إزاء التوتر والصراع الدموي المندلع بالبلاد، وحذرت من خطر السقوط في الإبادة الجماعية كما وصفت فرنسا الوضع في البلاد بالوضع المقلق للغاية.

وفي 2 ديسمبر 2013 قتل 12 شخصًا بينهم أطفال وجرح 30 آخرين في هجوم على منطقة ذات اغلبية مسلمة، وأشارت أصابع الاتهام إلى مليشيات Anti Balaka المسيحية المسلحة، مما أنذر بتجدد موجة العنف الدموي بالبلاد بعد تولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم.

Image

وقد شهد مطلع عام 2014 نقطة تحول، حيث شهدت هذه الفترة ارتفاعًا ملحوظًا لوتيرة العنف، وازدادت أعداد المجازر التي ترتكب بحق المدنيين المسلمين على يد هذه المليشيات المسلحة، وهو ما أشارت إليه تقارير منظمة العفو الدولية أنه السبب الرئيسي في فرار آلاف المسلمين من البلاد هروبًا من بطش هذه المليشيات.

 

ولم تتوقف العمليات الانتقامية التي تقوم بها مليشيات أنتي بالاكا بحق المسلمين رغم تنحى جوتوديا عن السلطة تحت ضغط دول الجوار وفرنسا، وتولي سيدة مسيحية هي كاثرين سامبا بانزا السلطة اضطرت بعد تزايد عملياتهم لإعلان الحرب عليهم إذا استمروا في غيهم. لكن تهديدها لهم لن تستطيع تنفيذه لانهيار قوات الجيش والشرطة منذ اسقاط بوزيزي، وتحتاج لتنفيذه إلى استخدام 1600 جندي فرنسي و5400 جندي إفريقي منتشرين هناك، وقوات الاتحاد الأوروبي المقرر وصولها في مارس، وتقدر بنحو 600 جندي بعد تعديل التفويض الممنوح لها ليشمل مطاردة هؤلاء المسلحين وتنفيذ حكم العدالة فيهم، وعدم قصر دورياتها على الشوارع الرئيسية والميادين والمنشآت الحيوية ومعسكرات تجمع المشردين أو حماية القوافل الهاربة من المسلمين. فمهمة تلك القوات الأساسية هي منع وقوع حرب أهلية وانزلاق البلد إلى الإبادة الجماعية، ونزع أسلحة المليشيات والجماعات المسلحة، وضمان وصول المساعدات للمشردين بتأمين الطرق الرئيسية، وتهيئة البلاد لانتخابات حرة يشارك فيها الجميع على غرار ما حدث في مالي. لكن ذلك لم يتحقق بالصورة المرغوبة بدليل ما ورد عن أن الميليشيات المسيحية خاضت حربا من بيت إلى بيت بحثًا عن المسلمين من ميليشيا سيليكا وكل من تشتبه فيه من المسلمين في العاصمة بانجي.

 

حقوق الإنسان: تزايد ضحايا العنف مع ظهور جماعات جديدة

Image

أعلنت منظمة حقوق الإنسان في تقرير لها أن جماعة مسلّحة جديدة أطلقت على نفسها اسم "Three R"  ظهرت في إفريقيا الوسطى في نهاية عام 2015، وأنها تكونت تحت زعم حماية الأقلية المسلمة التي تعاني القتل والتنكيل على أيدي جماعة أنتي بالاكا المسيحية المتشددة، وتخليصها من المجازر الوحشية التي ترتكب بحقها منذ الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي، كما أفاد التقرير الصادر عن منظمة حقوق الإنسان أن جماعة Three R هذه قتلت ما لا يقل عن خمسين شخصًا خلال العام الماضي، وقامت بالاعتداء على العديد من النساء وأجبرت الآلاف على النزوح من منازلهم واللجوء لعدد من الدول المجاورة؛ بسبب أعمالها الوحشية وجرائمها المتكررة. جدير بالذكر أن إفريقيا الوسطى تشهد حالة من الفوضى الدامية التي خلّفت مئات القتلى والمصابين وآلاف المشرّدين في مشهد ينذر بوقوع حرب أهلية في البلاد.

 

الأزهر وجهود مكثّفة لإحلال السلام في إفريقيا الوسطى

في الوقت الذي تغافلت فيه دول عظمى ومنظمات دولية عن الأزمة في إفريقيا الوسطى ولم تحرّك مشاهد العنف المتزايدة لها ساكنًا، لم يقف الأزهر الشريف مكتوف الأيدي إزاء هذا الوضع المأساوي في إفريقيا الوسطى، بل بادر بالتدخل والوساطة لحل الأزمة بين الأطراف المتصارعة بالبلاد من خلال وفد أزهري التقى بشخصيات محورية في الصراع الدائر، كما التقى بعدد من صناع القرار ساعيًا للتقريب بين وجهات النظر وتحقيق مصالحة وطنية تحقق السلام المنشود لكافة الأطراف، كما أرسل الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين قافلة السلام للعاصمة بانجي خلال شهر يونيو 2015؛ حيث عقدت القافلة عددًا من الأنشطة والفعاليات واللقاءات التي كان الهدف الرئيسي من ورائها السعي نحو تحقيق مصالحة وطنية ونبذ الفرقة بين أبناء الشعب من مسيحيين ومسلمين وكذا رفع المعاناة عن المسلمين الواقعين تحت اضطهاد وعنف جماعة أنتي بالاكا المسيحية المتشددة، والتأكيد في الوقت نفسه على أن الإسلام لا يدعو لمواجهة العنف بالعنف، وهو من باب أولى ينهى عن المبادرة بالعنف بحق الآخرين. وهنا ينوّه مرصد الأزهر إلى أن الإسلام والمسيحية وكافة الأديان والشرائع بريئة تمامًا من كل ما ينسب لها أو يرتكب باسمها من خلال فئة من أتباعها، فلو أن هؤلاء أو هؤلاء التزموا مبادئ دينهم وتعاليمه الحقيقية لفكروا ألف مرة قبل أن يُقدِموا على فعل واحد من أفعالهم الإجرامية التي خلّفت ورائها آلاف الضحايا والثكالى والمشرّدين، وجعلت من إفريقيا الوسطى بلدًا غارقًا في مواجهات دامية وفوضى عارمة يصعب معها تحقيق أي تنمية، إن لم يكن ذلك مستحيلاً.

Image

                                                  قافلة السلام وغرس شجرة السلام بمشاركة مسلمين ومسيحيين بالعاصمة بانجي

Image

قافلة الأزهر الإغاثية وتخفيف المعاناة عن مواطني إفريقيا الوسطى

 

وحدة رصد اللغات الإفريقية

 

 

 

 

طباعة