تداعيات هجوم برلين

  • | الإثنين, 9 يناير, 2017
تداعيات هجوم برلين

في إطار متابعة مرصد الأزهر الشريف للنشاط الإرهابي حول العالم ومدى تأثير ذلك على المسلمين في الغرب، تحاول وحدة رصد اللغة الإنجليزية في هذا التقرير تسليط الضوء على تداعيات الهجوم الإرهابي الذي وقع في برلين 19 ديسمبر الماضي، والذي راح ضحيته 12 شخصًا وأصيب 48 آخرين. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الإيطالية قد اشتبكت الجمعة 23 ديسمبر مع منفذ الهجوم أنيس العامري مما أدى إلى مقتله، بعد أن تنقل داخل أوروبا لأكثر من ألف ميل، وقد تعودنا بعد الهجمات الإرهابية إن تأتي بعدها موجات من القلق العام والحكومي بشأن توغل الإرهابيين داخل الحدود الأوروبية، والذي يمتد في بعض الأحيان ليصل إلى المسلمين عمومًا حتى من يدين منهم تلك العمليات ويجرمها؛ مما يؤدي بالطبع إلى موجات جديدة من مظاهر الإسلاموفوبيا في الغرب.


قلق عام

أدت تلك الهجمة البربرية التي شنها أحد أتباع تنظيم داعش الإرهابي – الأمر الذي تأكد بعد نشر مبايعته للتنظيم- إلى قلق عام في الغرب سواء على المستوى الحكومي أو المستوى الشعبي، وهو الأمر الطبيعي الذي ينطلق من حق كل دولة في حماية مواطنيها من الأعمال التخريبية والإرهابية، لكن هذا القلق العام يُستغل أسوأ استغلال من قبل بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحارب منذ فترة بعيدة فكرة اللجوء وخاصة المسلمين، بالرغم من احتياج تلك البلاد إلى دماء جديدة داخل شرايين العمل والاقتصاد بالإضافة إلى وجوب تحمل هذه البلاد مسؤولياتها الأدبية والانسانية تجاه نتائج الصراعات والحروب.
ومن ضمن تلك الأحزاب التي استغلت ذلك الهجوم هو حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي نظم مظاهرة أمام مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد يومين من الحادث الإرهابي، طبقًا لما نقلته صحيفة  Sunday  Express البريطانية. وذكرت الصحيفة أن متظاهري الحزب رفعوا لافتات كُتب عليها "ميركل يجب أن ترحل" و"يجب حماية الحدود"، كما رفع المتظاهرون العلم الألماني وأضاؤوا الشموع من أجل الضحايا. وقد ربطت المعارضة اليمينية المتطرفة بين سياسة الباب المفتوح التي تتبعها ميركل وهذا الحادث.
وتجدر الإشارة إلى أن جيرت فيلدرز السياسي الهولندي المتطرف قد نشر صورة للمستشارة الألمانية ويداها ملطختان بالدماء. هذا وأعلنت مسؤولة الحزب الديمقراطي القومي الألماني أن ألمانيا لم تعد آمنة، وأن التطرف الإسلامي استطاع أن يصل إلى قلب المدينة، وأضافت أنه لا يمكن التغاضي عن الصلة بين سياسة ميركل في السماح للاجئين بدخول ألمانيا والهجمات الإرهابية.
وتجدر الإشارة إلى أن القلق على مستوى الأفراد قد ارتفع هو الآخر بعد ادعاء مواطن دانماركي أنه استطاع عبور الحدود بين الدانمارك وألمانيا عدة مرات، وهو يرتدى زي مقاتلي تنظيم داعش ويحمل رايته إلى جانب سلاح مزيف، طبقًا لصحيفة Sunday Express أيضًا. وقد اتهم هذا الرجل في مقطع مصور السلطات من الجانبين بضعف الرقابة على الحدود، وهو ما نال تعاطفًا كبيرًا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بالرغم من عدم التأكد من صحة ادعائه هذا.
أما على المستوى الرسمي والحكومي، فقد تصاعد القلق في أعقاب تلك الهجمة الخسيسة خاصة بعد ورود تقارير غربية تشير إلى احتمالية وقوع عمليات إرهابية جديدة أثناء احتفالات رأس السنة؛ فقد حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي بالولايات المتحدة الأمريكية الجمعة 23 ديسمبر، من إمكانية استهداف تنظيم داعش الإرهابي لبعض الكنائس أو التجمعات أثناء احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة، وذلك بعد نشر عدة حسابات مناصرة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي عناوين 50 كنيسة داخل الولايات المتحدة، وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى دعوة المتعاطفين مع تنظيم داعش لشن هجمات على تجمعات العطلات، بما في ذلك استهداف الكنائس، وذلك وفق ما ذكرته عدة وسائل إعلامية نقلاً عن مصادر بسلطات إنفاذ القانون.
وأشار موقع Antiwar في نقله لتلك التقارير إلى أنه أصبح من الطبيعي خلال الأعوام القليلة السابقة وبعد ظهور تنظيم داعش أن يخرج علينا تقريرٌ من المكتب الفدرالي قبيل أي عيد أو مناسبة أمريكية ليحذر المواطنين من احتمالية حدوث أعمال إرهابية داخل البلاد، في إشارة واضحة من الموقع المتخصص في مكافحة الصراعات المسلحة إلى أن تلك التقارير تظهر بصورة دورية في المناسبات والاحتفالات.
وذكر موقع "ibtimes" أن التهديدات التي رصدتها المخابرات قد كتبت على تطبيق تليجرام في منشور باللغة العربية يدعو إلى "احتفالات دامية" في عيد الميلاد باستخدام أسلوب الذئاب المنفردة الذى تتبناه داعش فى تلك الفترة، وقد رصدت المخابرات الأمريكية منشورًا آخر يحرض أنصار داعش على مهاجمة الكنائس والفنادق والمقاهي المزدحمة والشوارع والأسواق والأماكن العامة، ونُشر فيه قائمة بعناوين هذه الأماكن في الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وهولندا.
وهذا ما دعا المدير العام للشرطة الوطنية بفرنسا جين مارك فالكون، إلى التصريح بأن التهديدات الإرهابية على فرنسا ما زالت مرتفعةً جدًا عقب حادث شاحنة برلين، طبقًا لنفس الموقع، وأكد "فالكون" على ضرورة رفع مستوى التأهب في الأماكن العامة، وقال إن الأجهزة الاستخباراتية تقوم بتحليل حالة التهديد الإرهابي يوميًا منذ عدة أشهر، ولا يزال التهديد مرتفعًا جدًا في فرنسا والدول الأوروبية المشاركة في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ومن جانبه أعرب " فالكون" على أهمية تعزيز الإجراءات الأمنية في الدولة ووضع كاميرات مراقبة وحواجز ونقاط تفتيش عند مداخل المناطق الخاصة بالمشاة بعد هجوم برلين. وأشار إلى أن قوات الأمن الفرنسية وقوات الوحدات الخاصة مجهزة تمامًا للاستجابة على الفور لمثل هذه الهجمات أثناء احتفالات الكريسماس.


طمأنة وتضامن إسلامي

وبالرغم من أن القلق العام الحاصل في الغرب بعد هجوم برلين الإرهابي هو شيء طبيعي جدًا، لكن على المجتمع والحكومات الغربية أن تتأكد من تعاطف التيار العام للمسلمين معهم، وأن ذلك التيار الذي يمثل النسبة الأكبر من المسلمين أدان مثل هذه الأحداث وجرّم ارتكابها، واعتبرها هجمات إرهابية دنيئة لا تمت لأي دين بصلة.
وتجدر الإشارة هنا إلى إدانة الأزهر الشريف ومرصده لتلك الأحداث الدامية، ودعوته المجتمع الدولي للتكاتف ضدها وضد كل صور الاضطهاد والقتل في أي بلد كان، فقد أدان مرصد الأزهر، حادث الدهس الأثيم الذي تعرض له سوق عيد الميلاد بمدينة برلين، والهجوم الإرهابي الذي نفذه مجهول على مركز إسلامي بمدينة زيورخ السويسرية، مما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص، وأكد المرصد في بيان على رفضه التام لأية اعتداءات تستهدف المدنيين العزل، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأعمال الإرهابية البغيضة تخالف تعاليم الأديان السماوية والتقاليد والأعراف. كما أعرب المرصد عن خالص تعازيه لأسر وعائلات الضحايا، متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين في هجومي ألمانيا أو سويسرا.
وفي رد فعل سريع على الحادث، تضامن المجتمع المسلم داخل ألمانيا وبعثوا برسائل طمأنة ومواساة لأشقائهم في الوطن؛ فقد نقلت صحيفة "independent" قيام المسلمين ببرلين بتوزيع قمصان مكتوب عليها "الحب للجميع، ولا مكان للكراهية" في مسيرة يعبرون فيها عن تضامنهم مع أشقائهم المسيحيين بعد هجوم سوق الكريسماس، مصرحين بأنهم لن يسمحوا أن تصبح المدينة أكثر تفتتًا وتمزقًا.
ومن جانبه صرح أحد المشاركين في الفاعلية، في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "إننا محتشدون هنا الليلة لمجابهة الإرهاب؛ فالمسلمون الذين يعيشون هنا يناضلون من أجل السلام، كما أنهم يحبون بلدهم ألمانيا؛ ويريدون العيش هنا بسلام وتناغم، ونعتقد بأن هذا المجتمع منفتح بما يكفي لدعم مثل هذه المبادئ التي ندعو إليها."


مظاهر إسلاموفوبيا

يتضح جليًا من متابعة الساحة الدولية أن تلك الهجمات الإرهابية التي يستغلها اليمين المتطرف في الغرب أسوأ استغلال، تسهم بشكل كبير في ارتفاع نسب الإسلاموفوبيا أو كراهية المسلمين هناك.
فعلى سبيل المثال، دعت مؤسسة الحزب اليميني بأستراليا وبعض السياسيين إلى منع المسلمين من الهجرة إلى أستراليا بعد هجومي ألمانيا وتركيا، فالسياسية بولين هانسون، رئيس الحزب القومي اليميني بأستراليا one nation، قامت بالنشر على حسابها بتوتر ما يفيد ضرورة منع المسلمين من الهجرة لأستراليا بعد هجوم ألمانيا واغتيال السفير الروسي في تركيا، طبقًا لما نشرته صحيفة express البريطانية، وقد لاقى ذلك المنشور تأييدًا واسعًا من قبل متابعيها، وتجدر الإشارة الى أن السيدة هانسون من أشد مهاجمي الأقليات العرقية وتطالب بمنع هجرتهم إلى أستراليا، واتباع إجراءات صارمة حال السماح لهم بالهجرة.
وفي نفس ذلك الإطار العنصري البغيض، أورد موقع صحيفة "IBT" خبرًا يفيد أنه تم توجيه العديد من التهديدات لمساجد بإنجلترا أعقاب هجوم برلين؛ مما ينذر بتزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين في إنجلترا، فقد وجه بعض الأشخاص خطابات كراهية للمسلمين في إنجلترا تزامنًا مع احتفالات الكريسماس، حيث تلقى مسجد تونبريج ويلز بمقاطعة "كنت" بطاقة معادية بمناسبة الكريسماس من شخص مجهول تحوي تعليقات مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والخالق عز وجل. وقد أجرت الشرطة تحقيقاتها بهذا الصدد، بيد أنها لم تتعرف على هوية المرسل، ويأتي هذا بينما رفضت إدارة المسجد إدلاء أي تعليق أو تصريح على موقع مقاطعة كنت عبر شبكة الإنترنت لئلا تؤجج طاقة سلبية في هذا التوقيت من العام مراعاة لاحتفالات الكريسماس.
وفي النهاية، يتضح أن هذه العمليات الإرهابية التي يقوم بها البعض باسم الدين زورًا وبهتانًا تصب في كراهية المسلمين وتؤجج مظاهر الإسلاموفوبيا ضدهم، كما أنها تسمح لليمين المتطرف باستغلالها أسوأ استغلال لإطلاق دعوات عنصرية لإقصاء المواطنين المسلمين هناك، متناسين أن التيار المسلم العام هو أكثر المتضررين من تلك الجماعات والصراعات في الشرق الأوسط.
ويرى المرصد إجحافًا كبيرًا من وسائل الإعلام التي تغاضت عن الهجوم المسلح على مسجد زيورخ، والذي تزامن مع وقوع هجوم برلين الإرهابي، في تعامل عنصري بين ضحايا التطرف، فكل اعتداء على مسالم هو اعتداء إرهابي بغض النظر عن ديانة مرتكب الهجوم أو الضحية؛ فكان لزامًا على المجتمع الدولي إدانة كلا الواقعتين إذا كانت المبادئ لديهم لا تتجزأ.


وحدة رصد اللغة الإنجليزية

 

طباعة