حادث برلين الإرهابي.. من المستفيد؟

  • | الإثنين, 9 يناير, 2017
حادث برلين الإرهابي.. من المستفيد؟

لطالما راقب مرصد الأزهر تصاعد الهجمات على اللاجئين من قبل اليمين المتطرف في ألمانيا وغيرها من البلدان، وندد بهذه الهجمات، وطالب الحكومات بحماية اللاجئين ومقاومة اليمين المتطرف من حيث أنه خطره لا يقتصر على اللاجئين أو الأقليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية بل يمتد ليصل إلى التعايش السلمي في هذه المجتمعات، ويهدد كافة المهاجرين والمختلفين من وجهة نظر هذا التيار اليميني المتطرف. ولم يقتصر المرصد على هذا، بل رصد أيضًا ما يقوم به بعض اللاجئين من جرائم وحاول تحليل الأسباب التي تقف وراء ارتكاب بعضهم لهذه الجرائم، وذلك في مقالٍ سابقٍ بعنوان "شهر يوليو الدامي".
شهد هذا الشهر أيضًا حوادث إجرامية ارتكبها لاجئون بحق الأبرياء في ألمانيا، تمثلت في حادث الشاحنة التي قام بها التونسي طالب اللجوء أنيس العامري في التاسع عشر من ديسمبر، حيث قام العامري بقتل سائق شاحنة بولندي الجنسية، وقاد الشاحنة ليدهس بها الأبرياء في سوق عيد الميلاد في برلين، موقعًا اثني عشر قتيلًا وعشرات المصابين. واعتلقت الشرطة في البداية لاجئًا باكستانيًا بالخطأ قبل أن تعلن عن هوية العامري الذي فرَّ إلى ميلانو ليشتبك مع الشرطة التي أردته قتيلًا في الثالث والعشرين من ديسمبر، ومحاولة بعض الشباب من طالبي اللجوء إشعال النار في أحد المشردين في محطة قطار الأنفاق في برلين أيضًا.
لم توفر وسائل الإعلام الكثير من المعلومات عن الجريمة الثانية سوى أن مرتكبيها لاجئون منهم ست سوريين و ليبي واحد وسنهم ما بين 15 عامًا و 21 عامًا، وقد ألقي القبض عليهم، ولكن توافرت المعلومات عن أنيس العامري، وقد أدين العامري بعدة جرائم في تونس من بينها سرقة شاحنة أيضًا. بعدها وصل إلى إيطاليا ضمن مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين وادعى أنه قاصر على الرغم من كونه يبلغ من العمر 18 عامًا. بعدها اعتقل العامري على خلفية إشعال النار في مقر اللجوء الذي كان يقيم به وحكم عليه بالسجن لأربع سنوات، وعند إطلاق سراحه سلمت مصلحة السجون تقريرًا للجنة مكافحة الإرهاب الإيطالية يفيد بميل العامري للتطرف أثناء إقامته في السجن، ولم يمكن ترحيل العامري إلى تونس بسبب رفضها استقباله. سافر العامري بعدها إلى ألمانيا في عام 2015 وتقدم بطلبٍ للجوء وقوبل طلبه بالرفض أيضًا من السلطات، ولكن لم يمكن ترحيله، وحينها عرف العامري باختلاطه بالمتطرفين في ولاية شمال الراين-ويستفاليا، وكان في بؤرة اهتمام سلطات الأمن الألمانية حتى ارتكب جريمته.
الملاحظ في هذه الجريمة أنها تمثل حالةً متكررة من الانقلاب من النقيض إلى النقيض، من الانحراف الأخلاقي وارتكاب الجرائم إلى قتل الأبرياء باسم الدين، فقد أقيمت في يوليو 2015 دعوى بحق العامري بداعي شجار بالسكاكين في إحدى الحانات في برلين، فيما يُظن أنه شجار بين تجار مخدرات، ليقوم بعدها بعامٍ ونصف بجريمته النكراء، وهذا ما أشار إليه مرصد الأزهر من قبل في مقالٍ سابق بعنوان وجه داعش الأوروبي، والذي ورد فيه:
إن عدم التزام هؤلاء الشباب في بادئ الأمر بتعاليم الدين الإسلامي يسهل على مجندي التنظيمات الإرهابية إشعارهم بالذنب؛ بسبب تقصيرهم في حق الدين، ومن ثم نجد هذا الانقلاب الحادَّ في شخصيات هؤلاء الشباب من النقيض إلى النقيض، وأول "ما ينعكس عليه هذا التطرف هو سلوكهم تجاه أسرهم ومحيطهم المسلم الذي يتهمونه بالتقصير في تطبيق تعاليم الدين وعدم فهمه فهمًا صحيحًا، وتأخذ المقاطع المصورة للتنظيمات المتطرفة ووسائل التواصل الاجتماعي دورها في إقناع هؤلاء الشباب بأفكارها الإرهابية".
يستفيد اليمين المتطرف من هذه الجرائم أيما استفادة. فلا زالت أحداث التحرش في احتفالات رأس السنة لعام 2016 -والتي اتهم فيها لاجئون- سلاحًا يوجهه اليمين المتطرف دائمًا ضد اللاجئين ومناصري قضاياهم من الأحزاب السياسية، لتأتي هذه الجرائم الأخيرة لتضع في جعبتهم مزيدًا من السهام، لا سيما في عام 2017 المليء بالاستحقاقات الانتخابية على مستوى الولايات وعلى المستوى الاتحادي في ألمانيا. ويبرز من بين هذه الاتهامات أن العديد من عناصر داعش مندسون بين اللاجئين كخلايا نائمة تنتظر الأوامر للقيام بعمليات التخريب والقتل، والحقيقة أن هذه التهمة لم تثبت في حق العامري وغيره من مرتكبي تلك الجرائم، والذين بدأ ميلهم للتطرف على الأراضي الأوروبية، ويتميزون بوجود سجلٍ إجرامي في جرائم العنف والسرقة، قبل تحولهم إلى النقيض وميلهم للتطرف وارتكاب الجرائم باسم الدين، فالعامري سجل مقطعًا مصورًا قبل ارتكاب جريمته بأيام قليلة يعلن فيه ولاءه لتنظيم داعش؟ الغريب أيضًا وجود العديد من تلك الشخصيات في بؤرة اهتمام الأجهزة الأمنية في أوروبا، حيث برز في قضية العامري شخصية تسمى بأبو ولاء، وهو من أبرز المسئولين عن تجنيد المتطرفين لصالح تنظيم داعش، بخلاف العامري نفسه الذي كان خاضعًا للمراقبة، مما يطرح الأسئلة حول أداء هذه الأجهزة الأمنية وتقنيات عملها.
داعش والتنظيمات المتطرفة أيضًا تستفيد أيما استفادة من هذه الجرائم، فهي تضع نفسها بهذا على رأس الأحدا؛ث لتخفي هزائمها المتعددة في الشرق الأوسط سواء في الأراضي السورية أو العراقية، وذلك بنقل ساحة المعركة إلى الأراضي الأوروبية وإحراج السلطات هناك بهذه العمليات، وهي بهذا -كما قلنا- تعزز من جانب اليمين المتطرف المعادي للإسلام واللاجئين في الأراضي الأوروبية، وبهذا تزيد من العداء للإسلام واللاجئين وتعزز موقفها ورؤيتها للعالم على أنه ينقسم لفسطاط الحق وبه داعش والتنظيمات المتطرفة، وفسطاط الباطل الذي يضم هذه الدول الأوروبية التي –حسب زعمهم- تعادي الإسلام والمسلمين.
منذ شهورٍ قليلة برز على ساحة الأحداث صورة إيجابية للاجئين على يد بعض اللاجئين السوريين المقيمين في مدينة لايبتزيج، والذين سلموا إلى السلطات الألمانية أحد المطلوبين بتهمة الإرهاب. وصلت هذه الصورة إلى حد مطالبة بعض الأصوات بمنح هؤلاء اللاجئين الجنسية الألمانية بسبب البطولة التي أبدوها في حق المجتمع الألماني، ولكن بسبب هذه الجرائم التي وقعت مؤخرًا اهتزت هذه الصورة الإيجابية ليحل محلها الصورة السلبية القديمة التي تصور كل لاجئٍ بل وكل مسلم كإرهابي محتمل ينتظر فرصته لارتكاب جريمة بشعة.
إن مرصد الأزهر الذي وجه عدة نداءات للحكومات الأوروبية لتوفير الحماية للاجئين ومقاومة اليمين المتطرف، يوجه الآن نداءه للاجئين لكي يعلموا أن الدين الإسلامي لا يفيد من هذه الجرائم بحالٍ من الأحوال، بل يستفيد منها أعداؤه في التنظيمات المتطرفة التي ترتكب الجرائم باسم الدين، واليمين المتطرف الصاعد في أوروبا والمعادي لهم. نوجه نداءً لهم بألا يجعلوا قدوتهم أنيس العامري وغيره من المجرمين بل اللاجئين الذين سلموا هذا الإرهابي إلى السلطات الألمانية، وكانوا سببًا في تحسين صورة اللاجئين ولو لشهورٍ قليلة.


وحدة رصد اللغة الألمانية

 

طباعة