منصات التواصل الاجتماعي بين الواقع والتصريحات المعلنة

  • | الأحد, 15 يناير, 2017
منصات التواصل الاجتماعي بين الواقع والتصريحات المعلنة

لم يعد من الخفي الدور البارز لشبكات التواصل الاجتماعي في نشر أيديولوجية الجهاد والتطرف حول العالم، مما شجع الجماعات الإرهابية المتطرفة على إنشاء هيكل تنظيمي إعلامي للعمل على نشر الدعاية الإعلامية لها، لكن على صعيد آخر تستمر هذه المواقع في التصريح أنها لا تسمح بنشر أي محتوى متطرف رغم استمرار عرض المنشورات المتطرفة أو حتى مقاطع الفيديو في هذه الموقع أو ذاك!

يعتبر موقعا تويتر وتليجرام من أبرز وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم للتفاعل والتنسيق أثناء العمليات الإرهابية، كما يعتبران من أكثر المواقع استخدامًا في تجنيد المتطرفين، وبالتالي أصبح مصطلح الإرهاب الإلكتروني من أكثر التحديات التي تواجه حكومات العالم، وتحاول هذه المنصات مثل "تويتر" و"تليجرام" نفي هذه التهم بكل حسم، وتدعي أنها تقوم بإغلاق وحظر حسابات المتطرفين.

من خلال المتابعة المستمرة من قبل مرصد الأزهر لحركة هذه الجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش الإرهابي، نقل مرصد الأزهر عن صحيفة "The Washington Times" خبرًا مفاده أن تنظيم داعش الإرهابي يستخدم التطبيق الإلكتروني "تليجرام" لنشر طرق القتل العنيفة والوحشية بالإضافة إلى كيفية مهاجمة الولايات المتحدة بالأسلحة الكيمائية، وذلك على الرغم من تأكيد مسؤولي التطبيق أنه تم حظر جميع حسابات المتطرفين، ويكفل هذا التطبيق لمستخدميه خاصية الرسائل المشفرة للحفاظ على خصوصية المستخدمين المتزايدة أعدادهم حيث يمكنهم إرسال الرسائل الخاصة دون تعقب من السلطات، كما صرح "بافل دروف" مؤسس تطبيق تليجرام من خلال عدة تغريدات على موقع تويتر أن التطبيق قام بحذف الرسائل ومقاطع الفيديو الخاصة بالجهاديين، وصرح أيضًا أن الموقع يقوم بإغلاق 60 حسابًا خاصًا بالجهاديين بصورة يومية قبل أن يتم التفاعل معهم بالإضافة إلى إغلاق 2000 حساب كل شهر، لكن على صعيد آخر أعلن مدير معهد إعلام الشرق الأوسط "ستيفن ستالينسكي" أن تصريحات "دروف" كاذبة، وأضاف أنه يتابع حوالي ألف حساب من حسابات الجهاديين في موقع تليجرام يتبع معظمهم تنظيم داعش والقاعدة وبعض الجماعات الجهادية الصغيرة مثل حزب الله وطالبان.

وفي سياق متصل، صرح "ستالينسكي" أن الجهاديين ينشرون الكثير من المنشورات والرسائل عبر تليجرام كل ثانية. وربما تتضح خطورة هذه المواقع أكثر إذا أدركنا أن موقع تليجرام قد ساهم في العمليات الإرهابية التي ضربت بلجيكا وباريس؛ مما يشير إلى أن الموقع أصبح مركزًا هامًا للدعاية الإرهابية على الرغم من تكذيب مسؤولي الموقع لذلك، وقد نشر مركز الحياة الإعلامي التابع لتنظيم داعش الإرهابي العدد الأخير من مجلة رومية على موقع تليجرام ويظهر فيه صورة لإحدى الكنائس الباباوية المستهدفة بولاية تكساس، وأعلن المعهد أيضًا أن الموقع نشر في الثاني والثالث من شهر يناير بعض مقاطع الفيديو التي تدعو المقاتلين إلى شن هجمات في الولايات المتحدة بالإضافة إلى بعض التعليمات لصنع الأسلحة الكيمائية، كما أعلن المعهد أن هذه المقاطع التي لا تزال على الموقع تناقض سياسة الموقع التي تنص على أن الموقع يترك كامل الحرية للمستخدمين طالما أن المحتوى المنشور يتسم بالسلمية، إلا أن هذه المقاطع تدعو إلى الإرهاب؛ إذن كان لزاما على الموقع أن يقوم بحظر من يقومون بنشرها.

ولعل من المهم ان ندرك أيضًا أن هذا الدور الذي تقوم به هذه المنصات التفاعلية أصبح مفهومًا للجميع إلى الحد الذي أثار غضب أسر ضحايا الهجمات الإرهابية من قبل تنظيم داعش في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، حيث أوردت صحيفة "Business Insider" أن ثلاث عائلات أمريكية قامت بمقاضاة شركة تويتر لأنها لم تقم بإغلاق حسابات بعض المتطرفين، وقال المحامون إن موقع تويتر يلعب دورًا بارزًا في انتشار تنظيم داعش ونجاحه في استقطاب المزيد حول العالم والقيام بعمليات إرهابية وترويع الأفراد، وأضافوا أيضًا أن الشركة انتهكت قانون مكافحة الإرهاب وطالبوا بتعويضات مالية. هذا ولم يعقب المتحدث باسم الشركة على هذه القضية.

وفي سياق متصل، تواجه الشركة قضية أخرى رفعها بعض أقرباء أحد ضحايا هجوم "أورلاندو" الإرهابي.

يذكر أن شركة تويتر واجهت الكثير من الانتقادات لعجزها عن حظر جميع الحسابات الخاصة بالمتطرفين، ويشير الخبر إلى أن شركة تويتر بدأت في شن حملتها لإغلاق جميع الحسابات المتعلقة بتنظيم داعش في صيف 2015، وذلك عندما أغلقت 125000 حساب جملة واحدة، وفي أغسطس 2016 قالت الشركة إنها أغلقت 350000 حساب لتنظيم داعش منذ منتصف عام 2015. وعلى الرغم من استمرار الشركة في فرض الحظر، إلا أن هناك دعوى قضائية رُفعت ضدها تفيد أن الشركة "استمرت في تقديم هذه الموارد والخدمات لتنظيم داعش ورفضت تحديد حسابات تويتر الخاصة بالتنظيم، وتقوم فقط بإغلاق الحسابات التي يتم التبليغ عنها من قبل آخرين". وتشير الدعوى إلى أن تنظيم داعش يستخدم تويتر كأداة وسلاح للإرهاب.

وما يؤكد الدور البارز لموقع تويتر وتورطه في نشر الفكر المتطرف ما أوردته صحيفة Daily Mail من قيام أرملة من ولاية نيويورك، وعائلة سيدة من ولاية كاليفورنيا -راح ذويهم ضحية هجمات بروكسل وباريس الإرهابية- بمقاضاة شركة تويتر باعتبارها "أداة وسلاحًا للإرهاب". كما أشار الخبر إلى توجيه زوجة "ألكسندر بنزوسكي"، الذي راح هو وشقيقته ضحية لهجوم بروكسل، اتهامًا لشركة تويتر بمساعدة تنظيم داعش على التواصل واستقطاب أفراد لصفوف تنظيم داعش. وبناء عليه، قامت آنا كاميرون ابنة السفير الأمريكي السابق لدى الدنمارك برفع دعوى في محكمة مانهاتن الفيدرالية، وتجدر الإشارة إلى أنها قد انضمت إلى عائلة "نوهيمي جونزالز" - التي راحت ضحية هجمات باريس 2015 - في الدعوى القضائية التي أقامها والداها ضد شركات تويتر وفيسبوك وجوجل في سان فرانسيسكو بناءً على أن هذه الشركات تحث على نشر الإرهاب. وتفيد الدعوى أن تنظيم داعش استخدم رسائل عبر تويتر لجمع التبرعات ولأغراض تتعلق بالعمليات الخاصة به.

وفي الختام يحق لنا التساؤل عن المستفيد من استمرار هذه الحسابات المتطرفة؟ فمن المفترض أن هذه الشركات لديها آلية تمنع نشر أي مقطع فيديو أو منشور معين يحمل طابعا إرهابيا، إذن ما الذي يحول دون حذفه أو حظر ناشره من البداية؟ لماذا ينتظر موقع معين مثل تويتر أو تليجرام أن يقوم شخص ما بالإبلاغ عن حساب شخص آخر باعتبار أن ما يقوم بنشره يساعد على الإرهاب والتطرف؟ كيف يمكن للدول الكبرى التي توجد بها المقرات الرئيسية لهذه المواقع أن تترك هذا الأمر على هذا النحو رغم أن هذه المنشورات والرسائل ومقاطع الفيديو تؤدي في نهاية الأمر إلى حدوث هجمات في دول الغرب من قبل الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش؟ وإذا أخذنا في الاعتبار أن الدول العظمى تنفق مليارات الدولارات في حملتها ضد الإرهاب، أليس من الأجدر أن تكون هناك حربًا سلمية أيضًا من خلال هجمات تطهيرية لكل الشبكة العنكبوتية من أي محتوى إرهابي متطرف؟!

هل لكفالة حرية الرأي والتعبير دور في هذا أم أن هناك حسابات أخرى غير معلنة للجميع؟! لا شك أن مثل هذه الاعتبارات تفقد قيمتها ومكانتها حين يتعلق الأمر بحياة شعوب بأكملها...

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

طباعة