الالتزام الديني ومعاداة التطرف الفكري

  • | الثلاثاء, 17 يناير, 2017
الالتزام الديني ومعاداة التطرف الفكري

تُعَدُّ الحاجةُ ماسةً إلى رفع عباءة الغموض ورداء اللبس عن مفاهيم قد خطت بقلم شاردٌ فكرُه وعلى قرطاس تائهةٌ ملامحُه وحيكَ ثوبُه بخيوطٍ سوداءَ مهلهلة. وحتى تتضح الأمورُ وتصبح في نصابها، لزامٌ علينا أن نُظْهِرَ كبيرَ الفارقِ بين الالتزام بتعاليم الدين وبين التطرف الفكري الذي يضرب، ليس الدين في مقتلٍ فهو قائم بذاته ولكن، من ينتهجه ويتخذه سبيلاً ويوليه أكبر اهتماماته. من البديهي أن يتبلور كَنَهُ الدين في حسن الخلق وطيب التعامل مع الآخر، وهو ما يعكس مرآة الصدق مع النفس وذلك لأن الدين الإسلامي إنما هو تشريعٌ سماوي آتٍ من ذات إلهية خلقت الكون وأرادت له سعادة النفس وهناءة العيش وراحة البال. ولزامٌ أن نضع الجميع قيد العلم بأن الالتزام بتعاليم الدين ليس مفاده أو مقصده الالتزام الظاهري الخاوي من أي فكرٍ طيبٍ أو سماحةٍ نفسٍ، أي أنه لا يقتصر حصراً على إظهارِ زيٍّ أو التشدق بلا علمٍ أو حتى العمل بجهلٍ فذاك مؤداه الوحيد إلا خلق جوٍ من الابتداع والتطرف الفكري وإثارة كل ما لا يحمد عقباه. ومن ثم فإن الالتزام على مستوى التصرف والتعامل والعلم والعمل والفكر لهو الدَّرْبُ الوحيدُ والسَّبيلُ اليتيمُ الذي يُفضي لا محالةَ إلى طريقٍ رشيدٍ ممهدٍ تحت أقدام سالكيه. ولا يعني هذا بأيِّ حالٍ من الأحوالِ دعوةً لرفضِ كلِّ زيٍّ إسلامي بل فقط لموائمة المظهر مع المكنون والقول مع الفعل. وليعلم الجميع أن عدم الالتزام والتسيب وعدم قبول النصيحة وعدم إنكار المنكر سيقودُ حتمًا إلى ضياعٍ فكري وتطرف أيديولوجي يقتلعا شجرة التدين من جذورِها. وفي هذا الصدد قال الكاردينال بيتر إيردوا - رئيس أساقفة بودابست والمجر المشارك في المنتدى الكاثوليكي الأرثوذكسي الخامس، الذي اختتم أعماله يوم 12 يناير 2017 بباريس، حول موضوع الخوف من الإرهاب، والذي أتاح الفرصة لإجراء نقاشٍ للتفريق بين الالتزام الديني و التطرف – ”لقد انتقدنا بالفعل مفهومَي الإسلام المعتدل و المسيحية المعتدلة. وإذا تساءلنا من هو المعتدل سيرد غالبية الناس قائلين : إنهم الأشخاص الذي لا يمارسون دينهم بشكل صحيح. ليس هذا هو الاعتدال. ينبغي عيلنا إذن أن نفرق بين الالتزام بالمعتقد الديني العميق والذي يُعَدُّ طريقة جيدة ومخلصة للحياة بالدين والتطرف الذي يعد منهجًا سياسيًا يمر من خلال العنف. إنهما أمران مختلفان. قال لنا أحد الرهبان المشاركين : أنا رجل كاثوليكي ملتزم لأنني أقسمت للفقر وللعفة وللطاعة. ليس لهذا الأمر أي علاقة بالتطرف السياسي“.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإسلام، باعتباره دينًا سماويًا، يدعو إلى التسامح وحسن المعاملة والتصرف. لهذا أشار الكاردينال بيتر إيردوا إلى أن ”الإرهاب، الذي يُعَدُّ ظاهرة قديمة، لا يمكن إلصاقه بالإسلام باعتباره دينًا، فمن المستحيل وصفه بالإرهاب. وأضاف قائلاً أن الأعمال الإرهابية كانت، بالفعل، موجودة قبل الأحداث التي نشهدها حاليًا، كتلك التي ارتكبها العدميون الروس منذ قرن والفوضويون والألوية الحمراء وغيرها الكثير. ولكن الأفعال نفسها تم إلصاقها بالإسلام. يرى المتخصصون أنه تمت إضافة الصبغة الإسلامية بشكل ما الآن على هذه الظاهرة الموجودة منذ قرون“.

وعلى الجميع هنا التفرقة بين الإسلام بمبادئه وتعاليمه وبين كل ما هو منسوب إليه من أفكارٍ مغلوطة كفيلة أن تنكر كل ما هو جميل في هذا الدين الحنيف. وعلينا أن نفهم بأننا، وكما أشار الكاردينال، أمام حالة من أسلمة الإرهاب ولسنا أمام تطرف الإسلام. فالدين بحد ذاته ليس قاعدة للإرهاب، والقول بهذا يعد إفسادًا و استغلالًا لبعض الأفكار الدينية. ومن هنا نتطرق إلى ما أومأ إليه الكاتب والمحلل الفرنسي، المتخصص في الشأن الإسلامي، جيل كيبيل في كتابه (الشق) من طرحٍ جيدٍ لأساليب تلك الشبكات الإرهابية و منطقها السياسي الذي يستخدم بعض الأفكار الدينية في سبيل هذا الأمر.

وحدة رصد اللغة الفرنسية

طباعة