قراءة في كتاب "عرائس الجهاد"

  • | الثلاثاء, 24 يناير, 2017
قراءة في كتاب "عرائس الجهاد"

يستعرض مرصد الأزهر باللغات الأجنبية من جديدٍ أحد الإصدارات المهمة التي تتناول قضايا الإرهاب والتطرف وأثرهما على العالم من زاوية جديدة؛ وهي إطلالة تؤكد حرص المرصد على تحقيق أهدافه المنشودة، التي تتضمن محاربة الفكر المتطرف بكل أشكاله، وذلك من خلال كشف زيف ادعاءات تنظيم داعش الإرهابي وأفعاله التي لا تتفق مع أي من تعاليم الإسلام الذي يدعيه. وتحاول وحدة الرصد باللغة الإسبانية من خلال هذه القراءة السريعة تسليط الضوء على أساليب تنظيم داعش في استقطاب الفتيات والأساليب المُهينة في التعامل معهن حتى وصل الأمر إلى المتاجرة بأجسادهن وبيعهن لمن يدفع أكثر.

كتاب عرائس الجهاد

عرضت الكاتبة والصحفية " أنخيلا روديثيو"  Ángela Rodicio كتابها "عرائس الجهاد" بالصالة الثقافية لجريدة "إلكوريو" الإسبانية، وهو الكتاب الحاصل على جائزة "إسباسا" لعام 2016 في نسختها الثالثة والثلاثين بإجماع آراء لجنة التحكيم، ويناقش الكتاب قضية تنظيم داعش ونهجه في التعامل مع المرأة، وهي قضية معاصرة وشائكة.

Image

وقد أشارت الكاتبة إلى تطور الفكر المتطرف وتزايد حجمه بداية من حركة طالبان مرورًا بالقاعدة ثم تنظيم داعش الإرهابي، وقالت إنه لا ينبغي أن نشكك في كل المسلمين، لكن الخطر يأتي من المتطرفين التابعين لهذه التنظيمات، وعن مهاجمة البلدان الأوروبية ذكرت أنه من الصعب السيطرة على هذا الأمر؛ حيث يوجد حوالي 25 مليون أوروبي مسلم يحملون جواز سفر الاتحاد الأوروبي، وشددت على أهمية مكافحة توغل فكر داعش في عقول الشباب وذلك من خلال مكافحة شبكات الإنترنت الخفية، وألْمَحت إلى أن الكثير من المهاجرين الذين يعيشون في أوروبا يستلهمون من التنظيم العودة إلى جذورهم مرة أخرى وذلك من خلال ما يعرضه من أكاذيب عبر الإنترنت؛ حيث يقدم مجموعة من التسهيلات التي تجذب الفتيات اللاتي يتحولن وفي النهاية إلى أداة جنسية، ووسيلة رخيصة لحملاتهم الدعائية، ولكن للأسف يكتشفن هذا بعد فوات الأوان، وفي الوقت ذاته نجد الغرب عاجزًا عن مكافحته بشكلٍ كاملٍ؛ نظرًا لما يعانيه من أزمات في الحياة العامة والسياسة.  

أسباب الانضمام وأدواته   

لا شك أن تنظيم داعش يعتمد على بعض الوسائل والحيل لاستقطاب تلك الفتيات، على رأسها الوسائل الإلكترونية الحديثة؛ وذلك نظرًا لأن فئة الشباب هي الأكثر استخدامًا لهذه الوسائل، كما تتأثر مجموعات كثيرة منهم سريعًا بالأفكار الشاذة التي تخرج عن المألوف، وقد عرضت الكاتبة مسألة تزايد عدد النساء اللاتي انضممن إلى صفوف التنظيم خلال السنوات الأخيرة؛ وأكدت على أن الشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت" تُعد إحدى أهم الأدوات التي يستخدمها التنظيم لاستقطاب وتجنيد المتطرفي،. وأشارت إلى أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يؤثر على تجنيد هؤلاء الشباب، حيث يتم تجنيد شباب وفتيات من جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية؛ بسبب وجود فراغ داخل العائلة الأوروبية وعدم تواصل الآباء مع أبنائهم، وتسهم بعض المواقع بعينها في استقطاب هؤلاء الشباب مثل موقع ask.fm الذي يستخدمه المتطرفون للرد على الأسئلة بهدف تجنيد الشباب وبث الأفكار المتطرفة بعدة لغات عن طريق رسم صورة مثالية للتنظيم، كما يصمم التنظيم ألعاب فيديو تحاول غرس مفاهيم الجهاد والحرب في عقول الشباب بل والأطفال، ويتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنفس الغرض. ويمكننا أن نستنبط من خلال قراءتنا للكتاب أن هناك أسلوبين رئيسيين لاستقطاب النساء إلى تنظيم داعش وهما: 

أسلوب التجنيد والخداع:

فمما لا شك فيه أن تنظيم داعش يعتمد على الخداع والتضليل والأكاذيب في الترويج والاستقطاب، وترى الكاتبة أن أيدولوجيات الجيل الحالي من المراهقين ومشكلاتهم تسهم في استجابتهم بشكلٍ سريعٍ للإغراءات التي تُعرض عليهم بحثًا عن طريقة يستطيعون بها ملء الفراغ الذي يستشعرونه داخل نفوسهم، ثم يرون ذلك في الوعود الخيالية بالإقامة في أرض الخلافة المزعومة. الجدير بالذكر أن عدد من انضموا إلى داعش من دول أوروبا يبلغ خمسة آلاف شخص، وتعتقد الكاتبة أن ما لا يقل عن 10% من الفتيات القُصّر لديهن استعداد تام للزواج من عناصر التنظيم، وتأتي الفتيات الفرنسيات في مقدمة هؤلاء المجندات حيث تبلغ نسبتهن 25% تليهن الإنجليزيات ثم الألمانيات، وتشير الكاتبة إلى أن أعمار هؤلاء الفتيات تتراوح بين 16 و 24 عامًا، وقد وُلدن لآباء مهاجرين مسلمين أو هن في الأصل متحولات إلى الإسلام، وتم تجنيدهن بشكل سريع عبر الإنترنت، ولديهن مشكلات اجتماعية، كما أنهن فقدن التواصل مع آبائهن ويبحثن عن المغامرة أو الاستقلال الذاتي، ويصور التنظيم للفتيات أنهن سيتزوجن من رجال شجعان يحررون البلاد وينشرون العدل ويعيدون العصر الذهبي للإسلام.

لا شك أن هؤلاء الفتيات يحلُمن بالعيش في أجواء الشرق وليالي ألف ليلة وليلة من السعادة، لكنهن يجدن ألف ليلة وليلة من الرعب؛ فيتحولن إلى إماء للجنس، ويتم بيعهن أو تقديمهن كهدايا لكبار القادة بالتنظيم كما حدث مع فتاتين نمساويتين على قدر عالٍ من الجمال سافرتا دون علم أسرتيهما فتفاجأتا بالكارثة، وقد عاد من هؤلاء الفتيات حوالي 10% فقط وهن مسلمات في الأصل تزوجن ومات أزواجهن في الغالب، لكن لم يعد أيّ من المراهقات اللاتي ذهبن إلى هناك حتى الآن، حيث مات بعضهن أثناء محاولة الهرب ولم تفلح جهود الحكومات في استرجاع الأخريات إلى بلادهن.

ويرى مرصد الأزهر أن التنظيم بهذه الطريقة يثبت أنه أبعد ما يكون عن روح الإسلام السمحة وتعاليمه الإنسانية السامية، باسترقاقه للنساء وإجبارهن على ممارسة الفاحشة بعد أن ألغى الإسلام العبودية بكل أشكالها. 

أسلوب الأسر والاسترقاق:

تروي الكاتبة مستعينة بشهود العيان كيف يأسر التنظيمُ ضحاياه من الفتيات ويستخدمهن كإماءن ومن بين الشهادات الحية التي حصلت عليها الكاتبة شهادة "صابرين" الأيزيدية التي أكدت أنها أُجبرت على الإسلام ليتم تزويجها قسرًا بأحد قادة التنظيم، وهو ما يحدث مع الكثير من النساء الأيزيديات بشكل عام، وتعزو الكاتبة معاملة داعش للنساء الأيزيديات إلى كونهن غير كتابيات ولا يؤمنّ بأي من الكتب السماوية، وقد استطاعت الفتاة قتل مالكها الأول وهو قائد داعشي وفرت من المنزل لتقع في الأسر مرة أخرى، ثم استطاعت في نهاية المطاف الهرب من قبضة الدواعش، وعلى الرغم من أن المجندين الذكور القادمين من أوروبا إلى صفوف داعش يستفاد منهم في النشاط المعلوماتي وتصميم الصور الدعائية والإعلانات والفيديوهات، إلا إن النساء أو الفتيات الأوروبيات ليست لهن وظيفة سوى التسرية عن القادة عن طريق الزواج أو الاسترقاق واتخاذهن "ملك يمين". ويستنكر مرصد الأزهر هذه الأيدولوجية الداعشية التي تؤكد أن التنظيم يشوه صورة المسلمين بأفعاله النكراء التي تأباها الإنسانية وتنكرها جميع الديانات السماوية.

من جانب آخر، تُشير إحدى الشاهدات إلى أن قلة عدد العائدات من "عرائس الجهاد" إلى أوطانهن مرة أخرى يعود إلى أن بعضهن يلقين حتفهن وأخريات يخضعن للاسترقاق والعبودية، وتقدم هذه الشاهدة النصح إلى الفتيات المخدوعات اللاتي يعتقدن أن مناطق النزاع هي جنة الله في الأرض -أو هي أرض الميعاد- بأن لا ينخدعن بهذه الشعارات وأن ينتبهن إلى أن داعش لا يعرف عن الإسلام شيئًا، وأن ما يحاول التنظيم أن ينسجه من بطولاتٍ، أو محاولاتٍ لإظهار عناصره بصورة الأبطال العظام هي محض أكاذيب لا أساس لها.      

وتتناول الكاتبة تاريخ تنظيم داعش منذ نشأته وأهم قادته كأبي أيوب المصري وأبي عمر البغدادي، مع التركيز على "إبراهيم عوض البدري" الشهير بأبي بكر البغدادي قائد التنظيم الذي اختاره مجلس شورى الجماعة المتطرفة لهذا المنصب. وأشارت الكاتبة إلى أن البغدادي وُلد عام 1971 في مدينة سامراء العراقية، وقالت إنها المدينة التي اختفى فيها الإمام المهدي، في إشارة إلى أن البغدادي هو الإمام المنتظر خاصة وأنه قرشي الأصل. وأشارت إلى أن البغدادي كان ينتمي خلال المرحلة الجامعية إلى تيارات متشددة ثم انضم إلى ما يُسمى بـ"جيش المجاهدين". وحصل البغدادي على ليسانس في العلوم الإسلامية ودكتوراه في نفس التخصص؛ ثم أسس في عام 2003 جماعة "جيش أهل السنة والجماعة"، كما تشير الكاتبة إلى وضع الشيعة في العراق وعلاقته بالوضع السياسي للبلاد وحزب البعث ونشأة تنظيم داعش في ظل هذه الظروف.

ويرى مرصد الأزهر أن الظروف السياسية في المنطقة قد ساعدت بشكل واضح في تنامي موجات العنف وظهور الجماعات المتطرفة بشكلٍ غير مسبوق.

خاتمة

لا شك أن تنظيم داعش الإرهابي الذي يتخذ من الدين ستارًا له يحاول بكل الطرق الاستقواء بالشباب، عُدة الدول وعتادها؛ ولكن هذا التنظيم الوحشي قد خرج على المألوف من خلال تجنيد الفتيات، وخداعهن وهتك أعراضهن تحت مسمى الجهاد، مستعيدًا بذلك عهد الجاهلية الأولى، وهو ما يبرأ منه الإسلام ويدينه. ويرى مرصد الأزهر أن هناك أدوات أساسية لمكافحة انضمام الفتيات إلى تنظيم داعش؛ منها التحصين الفكري ضد ما يبثه داعش والجماعات الأخرى من سموم، والتركيز على مواجهة التنظيم إلكترونيًا من خلال شن حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدحض مزاعمه والتنبيه لخطر التطرف، وذلك على غرار الحملات التي يقوم بها المرصد؛ بالإضافة إلى تأمين الحدود لمنع تسرب الفتيات والشباب إلى مناطق النزاع.

 

الكاتبة في سطور

Image

ولدت أنجيلا روديثيو عام 1963 في منطقة "ريبادابيا" بإقليم جليقية الإسباني وعملت مراسلة صحفية للعديد من الصحف، مثل  "صوت جليقية" la voz de Galicia، وقامت بتغطية العديد من الأحداث المهمة مثل حرب البوسنة، كما عملت مراسلة في طهران والقدس وبغداد، وتعنى الكاتبة بشؤون الشرق الأوسط في جريدة Elcorreo.

 

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة