نماذج لتعايش الإسلام مع الديانات الأخرى

أسامة أمين

  • | الثلاثاء, 9 فبراير, 2016
نماذج لتعايش الإسلام مع الديانات الأخرى

منذ أن أهبط الله تعالى آدم إلى الدنيا تعاقبت الأنبياء والرسل بالديانات السماوية لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، حتى يستقيم للناس أمنهم وسعادتهم وصلاحهم، واتفقت الأديان السماوية كلها على أنها جميعا ربانية المصدر، فهي من الله تعالى، وغاياتها تحقيق العبودية الصادقة لله تعالى، وإعمار الأرض على منهج الله تعالى، لذا يتفق الإسلام مع الأديان السماوية السابقة له كالنصرانية مثلا على هذه المبادئ وغيرها من الرحمة والعدل والمساواة والحرية والتعاون وفضائل الأخلاق، وعلى تحريم الظلم والقتل والنهب وسوء الأخلاق، وقد أشار الإسلام إلى أن أصول الإنسانية واحدة لا تميز بينها بجنس أو عرق أو لغة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (سورة النساء:1). كما أشار الإسلام على أن هناك مساحة واسعة للتعايش مع الآخرين بالعدل والإحسان قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [سورة الممتحنة: 8]، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبدأ يشكل صورة الدولة الإسلامية التي امتدت إلى معظم بقاع شبه الجزيرة العربية كانت الحياة تحتوي طوائف مختلف من الأنصار والمهاجرين واليهود وغيرهم، واحتوت هذه المرحلة على كثير من المعاهدات والرسائل والكتب التي تحدد العلاقات السياسية والاجتماعية بين المسلمين وغيرهم.. وفي عهد الخلفاء الراشدين تمتع غير المسلمين بما تمتعوا به في العهد النبوي من أمان وسلام حيث أقر الخلفاء لنصارى نجران ما أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته. وعاش اليهود والنصارى في ظل خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفلون بالأمان حتى عند دخوله لبيت المقدس أطلق لهم حرية التمتع بكافة الحقوق والامتيازات.

وهكذا توالت العصور، وفي العصر الأموي يقول "ول ديورانت" صاحب كتاب "قصة الحضارة" 13/130:

"ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون واليهود، والصابئون، يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم،..".

وفي العصر العباسي كذلك عصر ازدهار الحضارة الإسلامية، اشتهر من غير المسلمين من أهل الذمة كثير من العظماء؛ مثل: جرجيس بن بختيشوع طبيب الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وجبرائيل بن بختيشوع طبيب هارون الرشيد، الذي قال الرشيد عنه: كل مَن كانت له حاجة إليَّ فليخاطب بها جبريل؛ لأني أفعل كل ما يسألني فيه، ويطلبه مني، وماسويه الذي كان الرشيد يجري عليه ألف درهم شهريًّا، ويصله كل سنة بعشرين ألفًا .. (الإسلام وأهل الذمة، للدكتور الخربوطلي ص 170.(

ولما فتح المسلمون أسبانيا (711 ) يقول صاحب كتاب قصة الحضارة 13/282: (عامل الفاتحون أهل البلاد معاملة لينة طيبة، ولم يصادروا إلا أراضي الذين قاوموهم بالقوة، ولم يفرضوا على الأهلين من الضرائب أكثر مما كان يفرضها عليهم ملوك القوط الغربيين، وأطلقوا لهم من الحرية الدينية ما لم تتمتع به أسبانيا إلا في أوقات قليلة نادرة).

وفي بلاد الأندلس الإسلامية يقول: (لم تنعم الأندلس طوال تاريخها بحكم رحيم، عادل، كما نعمت به في أيام الفاتحين العرب).

فهذه كلها نماذج تاريخية واقعية تعايش فيها الإسلام مع الديانات الأخرى، حتى شهدت هذه الديانات أنها ما نعمت بالأمن والاستقرار والسلام إلا مع المسلمين. وأن وجود بعض الاختلافات بين البشر حتى ولو كانت دينية فهي لا تمنع من  التعاون في أمور مشتركة كثيرة. بل ينبغي أن يتعاونوا فيها ليكمل بعضهم جهد البعض الآخر لتتحقق السعادة للجميع، والإسلام يفرق في المعاملة بين المحاربين له وغير المحاربين من غير المسلمين قال تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) سورة الممتحنة.

 والله أعلم.

 

 

 

طباعة
كلمات دالة: