هل الإسلام دين عنصري؟!

  • | الثلاثاء, 9 فبراير, 2016
هل الإسلام دين عنصري؟!

إذا نظرنا في القرآن الكريم نجد أن أول آية: "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".. وأن آخر سورة: "الناس" كما أن الكثير من آياته تؤكد على فكرة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا "، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "النّاسُ كُلّهُمْ بَنُو آدَمَ. وآدَمُ خُلِقَ مِنَ تُرَابِ" أخرجه الترمذي وحسنه. للتذكير بالأصل الواحد والمنشأ الواحد والمصير الواحد. وقال بوضوح في العقوبات (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).. وهنا تحدث عن النفس دون نسبة إلى دين أو جنس أو عرقية. وفي سورة الممتحنة يتحدث الله عن العلاقة المستقبلية بين الكافرين والمسلمين بعد طول عداء: (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة : 7]. تخيل ، يضع الله احتمالية "المودة" بين كافرين محاربين وبين المؤمنين، ويكون ذلك رحمة من الله وإثباتا لقدرته!.

ويقرر القرآن الكريم أعظم مباديء المساواة بين البشر في حالة نادرة لم يشهدها أي دين أو قانون غير الإسلام بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : 13].

 فالتقوى هي الميزان الدقيق للتفرقة بين الناس في نظر الله تعالى، وهي الميزان الذي يستطيع تحقيقه كل البشر على الإطلاق دون استثناء!!، وإن كانت الأديان السماوية تتفق جميعها على إجلال الله تعالى، والمساواة بين البشر؛ إلا أن الإسلام هو الذي لم يكتف بالناحية النظرية، وإنما وضع القواعد العملية والنظام الأمثل لتطبيق هذه المساواة.. والتي تتمثل خمس مرات في اليوم يجمع الناس، الكتف في الكتف، والكعب في الكعب، الأبيض والأسود، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والعربي والعجمي، والإفريقي والهندي، كلهم يطبقون المساواة ويتدربون عليها خمس مرات في اليوم الواحد!!. 

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه "حقوق الإنسان" ص11: إن قدر الإنسان- فى ظل الإسلام- رفيع. والمكانة المنشودة له تجعله سيدا في الأرض والسماء. ذلك أنه يحمل بين جنبيه نفخة من روح الله، وقبسا من نوره الأقدس. وهذا النسب السماوي هو الذى رشحه ليكون خليفة عن الله في أرضه. وهو الذى جعل الملائكة- بل صنوف المخلوقات الأخرى- تعنو له وتعترف بتفوقه (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [صـ :71-72].

فانظر تجد الآيات تكرم الإنسان من حيث هو إنسان، قبل أن يصبح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا أو بوذيا وقبل أن يصبح أبيض أو أسود أو أصفر..

وكثير من النصوص القرآنية تجدها تتحدث عن الإنسان، وتارة عن بني آدم، وتارة عن لفظ الناس هكذا عاما، وهذا التعميم لا تخفى دلالته عند كل عقل منصف أنه يتعارض مع العنصرية!!.

والكرامة التي يقررها الإسلام للشخصية الإنسانية ليست كرامة مفردة؛ بل هي كرامة ثلاثية، كرامة هي عصمة وحماية، وكرامة هي عزة وسيادة، وكرامة هي استحقاق وجدارة.. كرامة يستغلها الإنسان من طبيعته: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : 70]، وكرامة تتغذى من عقيدته: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون : 8]، وكرامة يستوجبها بعمله وسيرته: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : 132].

هذه الكرامة التي يقررها الإسلام للأفراد هى ظل ظليل ينشره قانون الإسلام على كل فرد من البشر: ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، ضعيفاً أو قوياً، فقيراً أو غنياً، من أي ملة أو نِحلة فرضت، ظل ظليل ينشره قانون الإسلام على كل فرد يصون به دمه أن يسفك، وعرضه أن ينتهك، وماله أن يغتصب، ومسكنه أن يقتحم، ونسبه أن يبدل، ووطنه أن يخرج منه أو يزاحم عليه، وضميره أن يتحكم فيه قسراً، أو أن تعطل حريته خداعاً ومكراً...

ختاما: من يدعي عنصرية الإسلام، لم يدرك أن الإسلام دين عالمي، لا تقف حدوده عند الجزيرة العربية، ولا تقف إصلاحاته على المنتمين له فقط؛ بل هو رحمة الله للعالمين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]. ومما بينه النبي صلى الله عليه وسلم للناس في حَجَّة الوداع وأمر أن يبلغه الشاهد للغائب أنْ (لا فضلَ لعربي على عجمي , ولا لعجمي على عربي ، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى) ، وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: (إني ساببت رجلاً (يعني بلالاً) فعيرته بأمه - وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء - فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - أي بعد أن شكا إليه بلال ذلك: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم).

وهكذا يضع الإسلام المعيار الإنساني العام القائم على أخوة الخلق ووحدة الرب دون تفرقة بين دين أو جنس.

وبهذا يقدم المسلمون للعالم كله أرقى أنواع التكريم والتقدير من خلال آداب دين الإسلام العظيم، وشرائعه وشعائره، وتعاليمه.

 

 

 

       

طباعة
كلمات دالة: