التطرف في المِخْيَال الفرنسي

وحدة رصد اللغة الفرنسية

  • | الجمعة, 3 فبراير, 2017
التطرف في المِخْيَال الفرنسي

لا تكاد تخلو أغلفة المجلات الكبرى، والصحف الرئيسية في فرنسا، هذه الأيام من عناوين تدور حول التطرف، أو "الأسلمة"، ومشتقاتها حتى باتت هذه القضية تشغل الرأي العام الفرنسي بجميع أطيافه السياسية، والاجتماعية، والدينية. غير أن ثمة خلط كبير في تناول مفهوم التطرف بشكل عام، وتحديد معاييره بشكل خاص، مما نتج عنه تباين في الإحصاءات السوسيو- ديموغرافية في العديد من الدراسات والاستقصاءات التي جرى نشرها مؤخرًا في الصحافة الفرنسية.
نتناول في هذا المقال بشيء من التفصيل ما نشرته صحيفة "Le Parisien" الفرنسية – بتاريخ 26 يناير2017– حول أعداد الفرنسيين الذين وقعوا في براثن التطرف، حيث أكدت وجود ما بين 15000 إلى 16000 متطرف في فرنسا، منهم5325 شخصا يعيشون في منطقة باريس الكبرى (إيل دو فرانس). وذكرت الصحيفة أنه تم الوصول إلى هذه الإحصاءات بناء على "بيانات سرية تم الحصول عليها من خلال ملف البلاغات الخاصة بالوقاية من التطرف ذي الطابع الإرهابي (FSPRT)"، إضافة إلى البيانات الميدانية التي تم جمعها من قِبَلِ الأجهزة الأمنية، والجهات القضائية والاستخباراتية المعنية بمكافحة التطرف، وفيما يتعلق بمؤشرات التطرف التي أخذت بعين الاعتبار في هذه الإحصاءات، أوردت الصحيفة المعايير التالية : "الانعزال عن الأسرة، والتغيير في المظهر أو الملبس، أو ممارسة الشعائر بشكل مفرط". وانتهت الصحيفة بذكر آلية التصنيف الأمني لهؤلاء الأشخاص ما بين "خطر جدًا"، و"مستقر"، و"لم يعد خطرًا".
وعلى نفس المنوال يسير ركب جُل الصحف الفرنسية، فهذه صحيفة تتحدث عن ذلك الحي الذي يحكمه الإسلاميون المتشددون، أو عن تلك المدينة التي تطغى فيها تجارة الحلال، أو عن ذلك المركز التجاري الذي يبيع كتبًا تحمل كلمة "جهاد"، لتتكون مع مرور الأيام نوع من "الفوبيا" تجاه أي فرد لا يندمج بشكل كامل مع المجتمع الفرنسي، حتى ولو كان يحمل الجنسية الفرنسية، وخاصة إذا كان له توجه ديني ظاهر. وهكذا أصبح المِخْيالُ المُكوَّن عن "المتطرف" لدى جل وسائل الإعلام، وبالتالي لدى شريحة كبيرة من المجتمع هو: "المسلم الذي لا ينخرط كما ينبغي في المجتمع الفرنسي، أو يعيش في عزلة أُسرية، نظرًا لتوجهه الديني" دون أن يكون له علاقة بالضرورة بأي أعمال عنف أو بأية جماعات إرهابية، وربما نجد هذه المعايير السابق ذكرها تنطبق جميعها على أغلب أفراد التيار السلفي، الذي برغم اتفاقنا مع تشدده في الرأي والمنهج، إلا إنه لا يمكن تعميم "التطرف" على المنتمين إليه.
تكمن خطورة هذا التصور الجمعي إذًا في احتمالية وقوع أي مسلم "ملتزم" ضحية الاتهام بالتطرف فبتطبيق المعايير المذكورة أعلاه يمكن الحكم على شريحة كبيرة من المسلمين في فرنسا بالتطرف لا لشيء إلا لرفضهم الاندماج الكامل في المجتمع الفرنسي لأسباب تتعلق بالدين، أو الثقافة، أو الأعراف والتقاليد، حتى وإن كانوا يرفضون العنف ويدينون الجرائم التي ترتكب باسم الدين، وكأن لسان حال الصحف الفرنسية يقول: إما أن تكون مسلمًا "معتدلاً" يندمج في المجتمع، ويتسق مع القيم الجمهورية، وإما أن تكون في دائرة الاشتباه، وربما الاتهام بالتطرف، وقد حدث ما نخشاه بالفعل مؤخرًا في مدرسة كندية تُدعى Collège Charlemagne غرب مدينة مونتريال حيث أبلغت إدارة المدرسة عن أحد طلابها المراهقين بأنه منغلق ومعادي للمجتمع ولا يحترم السلطات، وبعد فصل الطالب من المدرسة ومثوله أمام القضاء برّأته المحكمة بعد تأكدها من عدم وجود دلائل إدانة ضده، وهو الآن يرفع قضية ضد إدارة المدرسة نظرًا للضرر الذي لَحِقَ به جرّاء الزَّج به في قضية من هذا النوع. 
ومن هنا تظهر ضرورة التنبيه على خطورة وضع كل الفئات المسلمة غير المندمجة في المجتمع الفرنسي مباشرة في سلة التطرف، وإرجاع التصور إلى نصابه الصحيح المتعارف عليه دوَليًا، حتى لا يُوصف بهذه التهمة إلا من ساند أو شارك في أعمال عنف أو تورط مع إحدى المنظمات الإرهابية.
 

طباعة