الهند والتحدي الداعشي (2)

وحدة رصد اللغة الأردية

  • | الخميس, 9 فبراير, 2017
الهند والتحدي الداعشي (2)

كانت الحكومة الهندية حتى عام 2014م، تكثف جهودها في متابعة أنشطة الجماعات الإرهابية التقليدية ــ إن جاز التعبير ــ مثل جماعة "لشكر طيبة"، وجماعة "حزب المجاهدين"، وجماعة "المجاهدين الهنود"، لكن بعد القبض على "كاليان مجيب" أحد طلاب كلية الهندسة عام 2014م والذي سافر إلى العراق من أجل الانضمام لتنظيم داعش الإرهابي، وعاد مرة ثانية إلى الهند في محاولة منه لتجنيد المزيد من الشباب للتنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انقلبت الأوضاع، وعلمت الهند أن أمنها القومي على المحك مثلها مثل غالبية الدول التي ضربها الخطر الداعشي؛ لهذا بدأت الأجهزة الأمنية الهندية في تتبع نشاط هذا التنظيم الإرهابي، ومراقبة تهديداته المتتالية وأخذها على محمل الجد.

ففي العامين الماضيين قامت وكالة التحقيقات الوطنية التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب في الهند باعتقال 64 شخصًا جميعهم متهمين بقضايا تتعلق بجرائم إرهابية، من بينهم 52 شخصًا على صلة مباشرة بتنظيم داعش الإرهابي، 12 منهم من مواطني ولاية "مهارشترا" و 11 من ولاية "كيرالا"، و 10 من ولاية "تلنجانا".

كان الارتفاع الملحوظ للعناصر المنضمة لتنظيم داعش الإرهابي سببًا رئيسيًا لقلق أجهزة الأمن الهندية حيث كشفت التحقيقات أن 12 شخصًا من المتهمين قد تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما استدعى وزير الداخلية الهندي "راج نات سينغ" للحديث عن الأمر، حيث أكد على ضرورة تأمين الشبكة العنكبوتية ووسائل تواصلها الاجتماعي، وأنه بمثابة تحدٍ كبير لكل البلدان التي تعاني من خطر تنظيم داعش، وأن وزارته تعقد العزم على تدريب بعض القوات تدريب شبه عسكري على طرق مكافحة الإرهاب الإلكتروني، ومكافحة التمرد.

Image

على جانبٍ آخر كشف تحليل أجراه جهاز الشرطة الهندية أن الهنود المنضمين لداعش مؤخرًا كانوا من صغار السن، حيث تراوحت أعمار 90%منهم بين 18: 33 عامًا، وبشكل أكثرتحديدًا كان نصف المنضمون لداعش من الهند تتراوح أعمارهم  بين 23: 28 عامًا، 70% منهم يجيدون استخدام التقنيات الإلكترونية الحديثة، و 50% من خريجي كليات الهندسة.

بدوره صرّح مسؤولٌ كبير في لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لولاية "مهاراشترا" أنه قد لوحظ أن الولايات التي تقع في جنوب الهند والتي تتمتع بأوضاع تعليمية جيدة، ورفاهية اقتصادية هي من أكثر الولايات التي يتبنى شبابها أفكارًا متطرفة.

Image

ففي إحصائية مثيرة للقلق كانت نسبة عدد من تلقوا تعليمهم الأساسي في مدارس غير دينية وانضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي 80% مقارنة بنسبة 20% نسبة من انضم لتنظيم داعش  وتعلم في مدارس دينية.

Image

عدد الشباب الهندي الذين يحملون أفكار داعش المتطرفة

صرّح مسئول بارز في وكالة التحقيقات الوطنية التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب ــ رفض ذكر اسمه ــ  أنه: "بعد فك تشفير الرسائل الخاصة بأحد العناصر المشتبه في صلتها بتنظيم داعش الإرهابي وجماعة المجاهدين ببنجلاديش كشفت الرسائل أن هناك مايزيد عن 10,000 هنديًا على صلة بتنظيم داعش وجماعة المجاهدين في بنجلاديش.

كما كشفت تحريات وكالة التحقيقات الوطنية التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب عن تورط مواطن هندي يدعى "محمد مسيح الدين" ويلقب بـ " أبو موسى" ويبلغ من العمر 25 عامًا في الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة 20 رهينة في مقهى "دكا" ببنجلاديش في يوليو من العام الماضي، "محمد مسيح الدين" مواطن هندي من ولاية البنغال الغربية، اعتقل يوم 4 يوليو من عام 2016م، وكان "أبو موسى" يستخدم تطبيق التليجرام في التواصل مع "أبو سليمان" العقل المدبر لهجوم مقهى دكا ، وكذلك "شافي آرمر" رئيس تنظيم داعش بالهند، حيث أبلغ "موسى" سليمان أن عدد المنضمين لتنظيم داعش قد يصل إلى ما يزيد عن 10,000 شخصًا، وذلك عبر رسالة نصية على تطبيق تليجرام.

كما كشفت التحريات أن المشتبه به "أبو موسى" بالتعاون مع "جماعة المجاهدين ببنجلاديش" يخططون لشن هجمات على المواطنين الأمريكيين في الهند الأمر الذي دفع مكتب التحقيقات الفيدرالية (أف بي أي) لإرسال فريق مكون من سبعة أشخاص إلى مدينة "كولكتا" للتحقيق معه في ديسمبر الماضي.

كانت وكالة التحقيقات الوطنية قد أرسلت للمكتب الفيدرالي الأمريكي تطلب مساعدته في فك الرسائل المشفرة من 34 هاتف تخص "أبو موسى" الموجه إليه اتهامات بممارسة أنشطة غير مشروعة تهدف لشن هجمات إرهابية في الهند.

كما كشفت الرسائل التي تم فك شفرتها أنه كان يخطط لشن هجمات باستخدام السكين ــ بطريقة مماثلة لما حدثت في مقهى دكا ــ في مواقع سياحية يرتادها الأجانب على وجه الخصوص، هذا وكانت جملة الإتهامات هى التخطيط لشن هجوم على مؤسسة "الأم تريزا" الخيرية والمتواجدة بـ"كولكاتا" ويزورها السياح الأجانب، كذلك نشر مواد متطرفة عبر الإنترنت لمساعدة رئيس تنظيم داعش في الهند "شافي آرمر".

كان "أبو موسى" يتواصل مع "شافي آرمر" عبر الفيسبوك، ثم بعد ذلك من خلال "سكايب"، حيث كان يُرسل له من خلاله مواقع جهادية مثل موقع (http://jihadology.net/ )، وموقع (http://jihadintel.meforum.org/)، وموقع (https://justpaste.it/) ومواقع أخرى، وكذلك إرسال مقاطع فيديو لما يعرف باسم جماعة "أنصار التوحيد"، وهي عبارة عن لقطات قتالية بين عناصر من تنظيم داعش وقوات عراقية، وكذلك خطب لـ" أنور العولقي" يتحدث فيها عن أفكارهم الجهادية.

كان يعمل "أبو موسى" في محل للبقالة في ولاية "تاميل نادو" إحدى ولايات الهند الجنوبية، واستطاعت وكالة التحقيقات الوطنية التعرف عليه بعد وقت قصير من هجوم "دكا" من خلال تتبع مكالماته ورسائل البريد الإلكتروني التي كان يرسلها إلى مواقع في بنجلاديش وأفغانستان وسوريا، حيث تم إلقاء القبض عليه في محطة السكة الحديد أثناء توجهه لزيارة مسقط رأسه في مدينة "بربوم" بولاية البنغال الغربية، وكان بحوزته بندقية، وخنجر 13 بوصة، وعملات ورقية نقدية من سوريا وأفغانستان.

كان ظهوره، وما كشفته التحقيقات بعد ذلك مفاجأة كبرى ومدوية، خاصة مع نفي الحكومة المستمر لأي تواجد لداعش على أراضيها، وزعم الأجهزة الأمنية أن عدد من غادروا وانضموا للتنظيم لا يزيد عن 50 شخصًا فقط، توفى منهم سبعة أشخاص .

ورغم ذلك ما زال بعض المحللون الأمنيون يشككون في انضمام الآلاف من الهنود لداعش، وحجتهم أنه لو كانت أعدادهم بالآلاف فأين هم؟ وكيف يحافظون على بقائهم في الخفاء طوال هذه المدة؟

على جانب آخر يرى أخرون أنه يجب توخى الحذر سواء كانت الأعداد قليلة أم كثيرة، وخاصة في منطقة مثل ولاية "جامو وكشمير" والتي تنشط بها جماعات ترغب في الانفصال.

كثيرًا ما كنا نسمع أن المدارس الدينية في باكستان أو الهند هي المفرخة التي تنتج الإرهابيين وهذا بسبب الأفكار الدينية المغلوطة التي يبثها القائمين على هذه النوعيات من المدارس في عقول الطلبة التي ينتمي أغلبهم (إن لم يكن جميعهم) من أسر فقيرة، فيعتبر الأب أن هذه المدارس هي الطوق النجاة الوحيد لأبنائه، فإنها تتكفل بتعليمهم ومسكنهم ومأكلهم وملبسهم، وقد ورد على لسان أحد الصحفيين الذين قاموا بإعداد تقارير مصورة عن هذه المدارس في المناطق القبلية في باكستان أن اختيار قادة الجماعات الإرهابية لمنفذي العمليات الانتحارية غالبًا ما يكون بناءً على معايير معينة، على سبيل المثال أن يكون المنفذ صغير السن ويتيم، يروي الصحفي أنهم يتمكنوا من استغلال صغر سنه، ويتمه وفقره بصورة أكبر عندما يهيئون له أجواء معينة فيرسمون على جدران غرفته صور طبيعية خلابة وصور لأبيه ولأمه أو لعزيز فقده ويفهمونه أن هذه هي الجنة التي وعد الله بها الشهداء، وأن قتله للكفار هو أقرب طريق للوصول لهذه الجنة .. هكذا يتم غسيل عقول هولآء البراعم ، نرجع إلى حديثنا مرة أخرى والذي بدأناه بأننا دائمًا ما كنا نعتبر المدارس الدينية هي المصدر الرئيس لتصدير العناصر الإرهابية والذي ثبت عكسه بعد رصد هذه الأخبار التي تؤكد أن 80 % من المنضمين لداعش من الهند من المدارس العادية وان معظمهم من خريجي الكليات العملية أي ذات خلفية تعليمية متميزة، هذا بالإضافة أنهم من أسر ميسورة الحال، مما يؤكد لنا أن الأسباب التي كنا نستند إليها في استقطاب الشباب هو الفقر والجهل والمدارس الدينية المتشددة ولكن  يبدو أن المقاييس ليست ثابتة أو محددة.

من المهم أن نعرف الأسباب حتى يتمكن المجتمع بكل أدواته العسكرية والبشرية والفكرية من مواجهة العدو الحقيقي في حرب شرسة أخطر ما فيها أن العدو قد يكون أقرب إليك مما تتصور وأنه خفي وجبان لا يقدر على المواجهة، فدائمًا ما يطعن في الظهر ويهرب ليختفي في الجحور مثل الفئران أو يموت في سبيل الدمار والخراب والفقر واليتم .. ليس في سبيل الله أبدًا الذي بعث الإنسان للأرض بغرض إعمارها وجعل من قتل نفسًا بغير حق وكأنما قتل البشرية كلها.                                                

وحدة رصد اللغة الأردية

 
طباعة